اختلافات حول هوية «خفافيش الظلام» التي تشعل حرب طرابلس

حسن الشهال: 3 أسباب للمعارك.. والسنة يشعرون بأنهم مستهدفون * رفعت عيد: المشكل تم تحضيره سلفا.. والجيش نفسه في ورطة

TT

هل تخرج مدينة طرابلس عن سيطرة زعاماتها، فيما تسرح وتمرح مجموعات مسلحة ليس لها من ضابط أو وازع، توزع الموت بالتساوي بين أكبر منطقتين محرومتين في المدينة؟

هذا هو السؤال الذي كان لا بد من طرحه بعد ظهر امس، بينما كان مسؤولون أساسيون في المدينة ينتمون إلى طرفي النزاع، يتحدثون عن فئات تدخل على خط الأزمة لتشعل النار بين منطقتي باب التبانة (أغلبية سنية) وجبل محسن (أغلبية علوية) وعن رغبة شديدة عندهم في إنهاء المعارك الدموية الدائرة منذ يومين، فبعد الاجتماع الذي حضره أول من أمس، ممثلون عن الموالاة الذين يفترض انهم متمركزون في باب التبانة، والأمين العام للحزب العربي الديمقراطي رفعت علي عيد، وهو الجهة الممثلة لجبل محسن (معارضة) بوجود مفتي المدينة الشيخ مالك الشعار، شعر الطرفان، بعد ان كانا يتبادلان الاتهامات بأن كل طرف هو الذي يبدأ الاعتداء، ان ثمة اطرافاً أخرى قد تكون وراء هذه الفتنة الموسمية المتفجرة. فمن هم هؤلاء؟ رفعت علي عيد، الأمين العام للحزب العربي الديمقراطي في جبل محسن يقول بأن المقاتلين في «باب التبانة» هم مجموعات صغيرة متنقلة، لا يبدو ان ضبطهم سهل. ويضيف: «نحن نوقع اتفاقاً مع سياسيين لكن الموجودين على الأرض هم جماعات أخرى. هؤلاء لا يمتثلون للجيش ولا للقوى الأمنية ولا حتى لرأي مفتي المدينة». ونسأل رفعت علي عيد، هل هذا يعني انكم لا تعرفون من تقاتلون فيجيب: "لو كنا نعرفهم لحاولنا التفاهم معهم. يوجد في جبل محسن، حزب واحد هو الآمر الناهي. لكن حين ذهب ممثلنا أول من امس لاجتماع بوجود مسؤول مخابرات الجيش وجد عشرين شخصاً يمثلون بعض هذه الجماعات، وتحدثوا مع ممثلنا بطريقة غير لائقة». ويضيف: «الأمور تفلت بطريقة غير صحيحة، وإن لم يتمكن الجيش من الانتشار اليوم وضبط الوضع فسيكون الوضع صعباً جداً في الأيام المقبلة». ويتحدث رفعت عيد عن «جماعات مسلحة غريبة عن المنطقة تأتي إلى باب التبانة تقصفنا وتذهب. نلحظ هذه المرة ان المشكل تم تحضيره مسبقاً من نوعية الأسلحة المستعملة وكمياتها والجماعات الإسلامية المتشددة التي تنضم إلى المقاتلين». ويتساءل «هل جماعة فتح الإسلام انتهت، نستطيع ان نشك في ذلك من مشاهداتنا، ونعتقد ان الجيش نفسه في ورطة، والله يعينه».

لا يبدو كلام منسق تيار المستقبل في الشمال عبد الغني كبّارة بعيداً عما سمعناه من عيد، إلا ان كبّارة يتهم جماعات من المعارضة نفسها بالدخول إلى مناطق الموالاة واستهداف جبل محسن (المعارض) لإشعال فتنة ولو بتوريط حلفائها. ويؤكد كبارة ان مسلحين تابعين لعمر كرامي استهدفوا الجبل بعد ظهر أمس، ومجموعة أخرى من المعارضة رفض تسميتها حاولت ضرب الجبل من جهة القبة وأحبطت محاولتها. ويشرح لنا كبارة تركيبة مقاتلي باب التبانة المحسوبة على الموالاة على النحو التالي: «ليس في هذه المنطقة ميليشيا أو حزب، إنما هي عشرات المجموعات الصغيرة التي تقاتل بسلاحها الفردي وليس لها قيادة عسكرية منظمة، ويمكن تشبيهها بالمقاومة الشعبية. هذه المجموعات تعتقد ان ما حصل لأهالي بيروت مؤشر سلبي، خاصة وان القوى الأمنية تركت الأمور على غاربها، وهم خائفون أن يعتدى عليهم». ويعترف كبّارة الذي حضر اجتماع المصالحة مع جبل محسن أول من أمس، انها المرة الأولى التي يجتمع فيها مع رفعت علي عيد، وان اي معرفة سابقة لم تكن بينهما، رغم التوترات المزمنة التي يفترض ان تجمع الأطراف في حوار ينزع فتيل التفجير منذ زمن بعيد. ويؤكد كبارة ان لا أحد يريد حرباً أو نزاعاً والكل مجمعون على التهدئة، والذين يوترون الأجواء تابعون لمايسترو واحد، فتوتير الأجواء في طرابلي ليس صدفة، وإنما يخدم جهة واحدة باتت معروفة، لذلك لا بد من إعطاء فرصة جديدة للمدينة، ومساعدة سكان جبل محسن الذين قد يكونون أنفسهم ضحية لوضع فرض عليهم ولم يختارونه».

رئيس جمعية «دعوة الإيمان والعدل والإحسان» الدكتور حسن الشهّال المعروف بتوجهه السلفي، يتفق مع كبارة ورفعت عيد بأن الجيش اللبناني هو الحل، وهو وحده من يستطيع ان يؤمن الحماية للسكان في المنطقتين المتنازعتين. وفي رأيه ايضاً ان ما يحدث للسنة في بيروت هو ما انعكس سلباً على طرابلس وأخافها، هذا عدا عن التأخير في تشكيل الحكومة. لذلك يقول ان لهذه المعارك التي اندلعت في طرابلس ثلاثة اسباب: الظلم التاريخي لأهل التبانة لأن جبل محسن كان يستقوي بالجيش السوري طوال فترة وجوده في لبنان، وثانياً غزوة بيروت، اما ثالثاً فتصاريح المعارضة وهجومهم على السعودية التي تعتبر مرجعاً للسنة». ويقول الشهال: «ان السنة يشعرون انهم مستهدفون، ولا تزال غزوة بيروت عنوان اجتياح شيعي. نحن السنة مرة نضرب باسم «تيار المستقبل»، ومرة أخرى باسم «المرابطون» ومرة ثالثة باسم «حركة التوحيد» لكن المضمون واحد». ويضيف الشهال: «ارجو الا يفهم كلامي على انه مذهبي وفئوي انا متخصص بالخوارج والفرق السياسية ـ الدينية في الإسلام، ولست خريج جامعة إسلامية وإنما خريج «يونفرسيته سان جوزيف» (ويلفظها بلكنة فرنسية) لكننا الآن في وضع الدفاع عن النفس، فهل نحن المسؤولون عن دم الحسين في كربلاء؟ انا أدعو لحوار مع حزب الله شرط ان نناقش الحقائق لا التعصب التاريخي، فنحن أبناء اليوم لا أبناء كربلاء. نرى ان ايران تحاول سرقة العالم الإسلامي وموطئ قدمها في لبنان هو حزب الله، وشتان بين ما تقدمه السعودية من إعمار للبنان، وما تقدمه إيران من سلاح، فالذئب لا يقاس إلى الحمل».

محاسبة أهالي جبل محسن على ما قام به النظام السوري في لبنان وما يقوم به حزب الله، ومعاقبتهم كأقلية صغيرة وسط محيط سني يطوقهم يثير إحساساً شديداً بالتهميش لدى الطائفة العلوية في طرابلس. ويعلق رفعت علي عيد بالقول: "حين كان السوريون في لبنان كنا ندفع الثمن بينما الموالاة هي التي كانت في أحضان غازي كنعان والمخابرات السورية. وبعد استشهاد الرئيس رفيق الحريري ظلمنا مرة أخرى بسبب "تيار المستقبل" الذي اتى لنا بنائب محسوب عليه حصل على 200 ألف صوت سني و50 صوتاً علوياً فقط، وبالنتيجة بتنا غير ممثلين بالمجلس النيابي». هكذا تتبادل طائفتان جارتان الاتهامات والصواريخ والقنابل، وكل منهما تتحدث عن شعورها بالاضطهاد وخوفها من الغدر بها، وفي ليل الخوف من الآخر، تعبث خفافيش الظلام وتقطف الأرواح البريئة.