العراق الجديد: حملات أمنية.. وأخرى مخصصة للبناء والإعمار

«الشرق الاوسط» تزيح النقاب عن الوجه الآخر لبغداد

عراقي يحيك سلالا من القصب وسعف النخيل في سوق بمنطقة الشواكة وسط بغداد امس (أ.ف.ب)
TT

صيف بغداد هذه الايام ساخن، بل ساخن جدا، أشعة شمسه بقدر ما هي حادة وتضع الأشياء في وضوح تام، فانها من الممكن ان تشوش النظر والأفكار. هو صيف سياسي ساخن ايضا، والعراقيون معروفون بغليان افكارهم ومشاريعهم السياسية في الصيف وجميع انقلاباتهم الثورية حدثت في الصيف، وصيف هذا العام هو الآخر يبشر بانقلابات سياسية، لكنها ايجابية هذه المرة، انقلابات ينفذها السياسيون لتغيير معالم اللعبة او العملية السياسية في بلد لم يستقر منذ سنوات طويلة.

كواليس السياسة العراقية في حراك دائم، اجتماعات للمسؤولين تبدأ منذ ساعات مبكرة من الصباح ولا تنتهي حتى ساعات متأخرة من الليل، زيارات ميدانية لوزراء لمواقع العمل تخرجهم من صورة الوزير البعيد عما يجري من حوله، ومع هذا الحراك ينشط الشارع العراقي، او البغدادي بالناس الذين بدأوا يشعرون بالطمأنينة اتجاه خطط حكومتهم، وبقربهم من رئيس الحكومة نوري المالكي.

سياسي عراقي بدرجة وزير من التحالف الكردستاني يؤكد هذه الحقيقة ويقول ان الناس بدأت تنظر بعين اخرى للمالكي منذ عملية «صولة الفرسان» في البصرة، ويبدو بالفعل ان هذه العملية التي استهدفت الميليشيات والعصابات المسلحة والخارجين عن القانون في البصرة فتحت أفقا آخر من الطمأنينة للعراقيين من جهة، وفي علاقتهم برئيس حكومتهم من جهة ثانية، في الأقل يغيب في لغة الناس هنا وصف المالكي بالطائفي وبكونه يقف الى جانب الشيعة على حساب السنة، إذ كان حزمه الشديد ضد الخارجين عن القانون الشيعة سواء كانوا في البصرة او مدينة الصدر او العمارة حاليا، تماما مثلما كان حازما مع الخارجين عن القانون من السنة في الموصل. وفي غضون اليومين الماضيين تحرك المالكي ميدانيا ما بين مدينتي كربلاء والعمارة، حيث تجري في المدينة الثانية حملة امنية واسعة وصفها لـ«الشرق الاوسط» ضابط كبير في الجيش العراقي وبرتبة عميد ركن بأنها «اكبر مما كنا نتصور لحجم الاسلحة التي تم العثور عليها هناك»، مشيرا في الوقت ذاته الى ان «الأوامر تقضي بأن نكون حازمين مع هؤلاء المسلحين حتى يعيش اهل العمارة بسلام». الضباط الذين يقودون الحملات الامنية سواء في بغداد او العمارة او الموصل هم من كبار جنرالات الجيش العراقي السابق والذين يتمتعون بخبرات عسكرية ميدانية كبيرة، وعلى حد وصف العميد الركن فان غالبية هؤلاء الضباط، ان لم يكن جميعهم «كانوا قد شاركوا في الحرب العراقية الايرانية وهم عسكريون مهنيون لا علاقة لهم بصدام حسين ولا بحزب البعث».

ويوضح عميد طيار ان «الحكومة مهتمة كثيرا باعادة تشكيل القوة الجوية العراقية، وقد تم فعليا اعادة هذا التشكيل وهناك طائرات استطلاع وطائرات نقل كبيرة وطائرات هليكوبتر هي نواة القوة الجوية، الى جانب عودة الكلية الجوية في تكريت للعمل حيث يدرس فيها عدد كبير من خريجي كلية الهندسة ليتخرجوا طيارين او مهندسي طيران».

هذه الأخبار يتداولها المواطن العراقي بفرح وفخر، فالعراقيون طالما شعروا بقربهم من قواتهم المسلحة التي هي رمز للأمان والحماية، خاصة ان أرتال او دوريات الجيش العراقي لا تتصرف كمثيلتها الاميركية، فهم لا يقطعون الشوارع ولا يضعون تحذيرات مثل «لا تقترب امامك قوة مميتة» فوق آلياتهم المدرعة او العادية، بل لم تعد تسمع في بغداد أصوات اطلاق الرصاص عندما يمر موكب لمسؤول او دورية عسكرية، مثلما كان يحدث قبل اقل من عام. والأكثر من هذا ان مواكب المسؤولين تمر اليوم بهدوء في الشوارع الى جانب بقية السيارات. يحدث هذا في وقت يناقش فيه أمين عاصمة بغداد مشروعا يقضي برفع الكتل الكونكريتية والمطبات والحواجز الموضوعة بالقرب من بيوت المسؤولين الحكوميين وأعضاء البرلمان.

وفي ظل غياب المالكي في ميدان الحملات الامنية، فان الاجتماعات الوزارية او الثنائية او الثلاثية والرباعية مستمرة يترأسها الدكتور برهم صالح، نائب رئيس الحكومة، والذي يترأس الاجتماعات الاقتصادية والامنية منذ ساعات الصباح الاولى وحتى الليل، مرة في بيته ومرات في ديوان رئاسة الوزراء وكأنه يسابق الزمن لتعويض ما فات الدولة من وقت البناء والتعمير.

وحسب صالح، فان «العراق مقدم على نهضة شاملة في المجال الاقتصادي ومجالات البناء وايضا في الجوانب الامنية والعسكرية، وان هناك آفاقا مستقبلية قريبة تنتظر هذا البلد وهذا الشعب الذي تعب كثيرا»، مشيرا الى ان «العراق يشكل قوة اقتصادية هائلة بالاضافة الى ثرواته البشرية». لكن الزائر الى بغداد، وبالرغم من عودة الحياة الى رمز المدينة الحياتي، شارع ابو نؤاس، وافتتاح مقاهيه التي كان قد تجول فيها (مقاهي ابو نؤاس) صالح والسفير الاميركي والقائد العسكري الأميركي الجنرال ديفيد بترايوس، وجلوسهم في احد المقاهي مع عدد قليل من مرافقيهم، فان علامات التعب ما تزال واضحة في وجوه العراقيين الذين ينتظرون ترجمة الوعود الخدمية الى واقع.

وزير الكهرباء وحيد كريم، الذي لا يضع ربطة عنق بسبب انشغالاته الميدانية اليومية، حيث يعمل مع عماله في محطات بالبصرة ودهوك والديوانية وغيرها، يؤكد أن «العراق تعاقد مع شركات عالمية لبناء محطات متطورة لتوليد الطاقة الكهربائية، الى جانب توقيع عقدين مع ايران وتركيا لتزويد العراق بالطاقة الكهربائية».