ضربة لأكبر بنك إيراني بتجميد أصول تقدر بمليارات الدولارات في لندن وباريس وهامبورغ

مسؤول بريطاني لـ«الشرق الأوسط» : تجميد أرصدة بنك ملي خلال 36 ساعة.. والخزانة البريطانية تشرف على التنفيذ

رئيس الشرطة الإيرانية خلال مؤتمر صحافي حول ظاهرة تهريب المخدرات في طهران أمس (أ.ف.ب)
TT

بالرغم من اعلان الدول الاوروبية في أكثر من مناسبة أنها تبحث من جانب واحد تشديد عقوباتها على إيران، إلا ان قرار الاتحاد الاوروبي امس تجميد أرصدة أفرع «بنك ملي»، أول وأكبر بنك في إيران، في لندن وباريس وهامبورج ترك المسؤولين في «بنك ملي» في حالة مفاجأة من القرار. ويعتقد أن المسؤولين الإيرانيين والقطاع المصرفي الإيراني لم يتوقعوا قرار عقوبات جديدا حازما من الاتحاد الاوروبي بعد أيام قليلة فقط من نشر سلة الحوافز الجديدة لإيران، والتي تضمنت مزايا جديدة أمنية واقتصادية وسياسية ونووية تمنح لطهران إذا قررت وقف تخصيب اليورانيوم. واتفقت دول الاتحاد الاوروبي أمس على فرض عقوبات جديدة على ايران من بينها تجميد أصول اكبر بنوكها وهو بنك «ملي إيران» وفروعه في اوروبا للشك في أنه يساعد بتحويلاته المالية العالمية في دعم البرنامج النووي الإيراني. كما يتضمن القرار منع إيرانيين على علاقة بالبرنامج النووي الإيراني من دخول الاتحاد الاوروبي، بالإضافة الى شركات جديدة ستضاف للائحة العقوبات وسيعلن عن اسمائها خلال ساعات. وسيؤثر القرار ضد بنك «ملي إيران»، وهو مصدر رئيسي لخطابات الضمان للصادرات لايران على الواردات الاغلى ثمنا، وهو ما سيقلل الى حد كبير من قدرة إيران على التعامل في الأسواق المالية الغربية. ورفضت وزارة الخزانة البريطانية في أتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» الكشف عن حجم أصول بنك ملي في لندن، لكن يعتقد أن الأصول الإيرانية في الخارج تبلغ 76 مليار دولار نسبتها الكبرى في اوروبا. وكانت شائعات قد ترددت في الايام الماضية ان كبار المسؤولين الإيرانيين امروا بسحب 75 مليار دولار من هذه الأصول المالية في الخارج تحسبا لتجميد الأرصدة، غير أن هذه الأنباء لم تتأكد من مصادر رسمية إيرانية. وبدا القرار مفاجأ للأوساط المصرفية الإيرانية. إذ أن مسؤولي بنك «ملي إيران» في لندن وباريس وهامبورج رفضوا الحديث لـ»الشرق الأوسط» حول القرار، موضحين انهم بحاجة الى رؤيته ودراسته قبل التعليق عليه. وأوضح المسؤولون ان اجتماعات طارئة جرت في فروع «بنك ملي» في لندن وباريس وهامبورج، كون القرار يشمل ضمنيا احتمال وقف اعمال هذه البنوك وتجميد أنشطتها. من ناحيته، قال ناصر جعفر ابادي مساعد مدير بنك «ملي إيران»، المقر الرئيسي بطهران، إن المسؤولين في «بنك ملي» بطهران لم يتسلموا اي انباء بخصوص قرار تجميد أرصدة أفرع البنك في أوروبا، موضحا في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» من لندن: «ما زالنا في طهران نقوم بكل تعاملاتنا المالية بشكل طبيعي مع فروعنا في لندن وباريس وهامبورج، وما زلنا بانتظار الأنباء بخصوص قرار جلسة الاتحاد الاوروبي اليوم (امس)، وحتى يتم ذلك يجب ان ننتظر. بمجرد أن نتسلم شيئا محددا يمكن أن نتحدث حول تأثير قرار العقوبات الجديد علينا».

وتابع جعفر أبادي «اتصلنا بفرعنا في لندن هذا الصباح ولم يكن لديهم اي أنباء بخصوص قرار الاتحاد الاوروبي.. عندما نتأكد من صدور القرار سيجتمع مجلس الادارة ورئيس البنك ويقرران ما هي السياسات والخطوات التي قد يتخذها البنك». وفيما رفض مسؤولون بالاتحاد الاوروبي تحدثت إليهم «الشرق الأوسط» ذكر تفاصيل بخصوص القرار وتأثيراته المالية على إيران والجهات المخولة تنفيذه. قال مسؤول بالخارجية البريطانية لـ«الشرق الأوسط» ان قرار الاتحاد الاوروبي سيدخل حيز التنفيذ ما بين 24 ساعة الى 36 ساعة وان وزارة الخزانة البريطانية ستكون هي الجهة المشرفة على تجميد أرصدة «بنك ملي إيران» في لندن. وأوضح المسؤول بالخارجية البريطانية «يعني القرار أن بنك ملي بفروعه في اوروبا لن يكون قادرا من الان فصاعدا على القيام بأي تعاملات في اوروبا، وسيتم تجميد أرصدته. كذلك هيئات إيرانية اخرى حددها قرار الاتحاد الاوروبي اليوم (امس) سيتم تجميد ارصدتها. القرار سيدخل حيز التنفيذ بمجرد نشره رسميا في الجريدة الرسمية للاتحاد الاوروبي، وهذه مسألة اجرائية، سيكون هذا خلال 24 ساعة او 36 ساعة». وتابع: «بعد نشر القرار سيتم تجميد كل أرصدة بنك ملي، ولن يكون بإمكان السلطات الإيرانية مسها، وتنفيذ القرار سيكون تحت إشراف وزارة الخزانة البريطانية». ورفض المسؤول البريطاني التعليق على الهيئات الإيرانية الأخرى التي سيتم تجميد ارصدتها خلال الساعات المقبلة، موضحا أن القرار لا يجب أن يكون مفاجئا للإيرانيين. وتابع: «ما حدث اليوم، وما حدث في قرارات العقوبات السابقة ضد إيران نتيجة مباشرة لعدم استجابة الإيرانيين للمطالب الدولية المطلوبة منهم فيما يتعلق بأنشطتهم النووية. ليس هناك اي شك في هذا على الاطلاق. هذه العقوبات، والعقوبات الأخرى للأمم المتحدة لم تكن لتفرض لو كانت إيران قد قررت الجلوس على مائدة التفاوض عام 2006 عندما عرضت سلة الحوافز الاولى لإيران». ومن غير الواضح ما هو حجم أصول بنك «ملي» في لندن او في باريس وهامبورج. إذ ان البنك، وهو أقدم بنك حكومي إيراني انشئ في سبتمبر عام 1923 وله اكثر من 3100 فرع بينها 16 في الخارج، بلغ رأسماله قبل 3 اعوام 32 مليار دولار. لكن حجم اصوله في اوروبا غير معروف بدقة بعد تسريبات من صحيفة «اي مروز» الإيرانية قبل أيام ذكرت ان الرئيس محمود احمدي نجاد امر بنقل 75 مليار دولار من مؤسسات مالية اوروبية الى دول اسيوية. ولم تؤكد مصادر رسمية هذه المعلومات. لكن رئيس «بنك ملي» علي ديواندري نفى نقل احتياط العملات الاجنبية في ايران الى خارج الاتحاد الاوروبي باتجاه دول اخرى لحمايتها من احتمال فرض الاتحاد الاوروبي عقوبات جديدة على ايران. كما اكد البنك في نفي له نشر على موقعه على الانترنت انه سيبقي على انشطته في اوروبا. وقالت الرسالة ان «بنك ملي يواصل الاحتفاظ بالرساميل والاستثمارات الكبيرة في دول الاتحاد الاوروبي وينوي مواصلة القيام بذلك». وكان «بنك ملي»، الذي اسس بمساعدة المان تولوا ادارته خلال السنوات الاولى التي تلت انشاءه في العشرينات من القرن الماضي، ويعمل به حاليا 45 الف موظف، قد اصدر خلال السنة المالية الايرانية (مارس 2005 ـ مارس 2006) كتب اعتماد بقيمة 5.1 مليار دولار تتعلق باستيراد بضائع الى ايران. وتقول الدول الغربية ان «بنك ملي» متورط من خلال أنشطته التجارية في دعم البرنامج النووي والبالستي الإيراني، إلا ان جعفر آبادي نفى هذه التهم، موضحا لـ«الشرق الأوسط»: «نحن بنك تجاري عادي. أنشطتنا تحت الضوء، وليس لنا اي أنشطة غير تجارية». وفي قراره الاخير الصادر في الثالث من مارس (آذار) 2008 ضد ايران، طلب مجلس الامن الدولي من كل الدول «التحلي بأكبر قدر من اليقظة.. حيال كل البنوك الايرانية وخصوصا بنكي ملي وصادرات». وتملك ايران نحو 76 مليار دولار من الاحتياطات بالعملات الاجنبية في المصارف والمؤسسات المالية الدولية. وبالرغم من قرار العقوبات أمس قال الاتحاد الاوروبي إن «الباب لا يزال مفتوحا» امام اجراء محادثات محتملة بشأن حزمة من الحوافز الدولية لإيران مقابل تعليق تخصيب اليورانيوم سلمها مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد خافيير سولانا الى طهران في وقت سابق من هذا الشهر. والعقوبات الجديدة للاتحاد الاوروبي هي احدث محاولة من جانب الغرب للضغط على ايران بشأن برنامجها النووي وستستهدف الشركات والافراد الذين يزعم الغرب انهم على صلة بالبرامج النووية والبالستية الايرانية. وقال مسؤول بالاتحاد الاوروبي رفض الكشف عن اسمه بعدما اقر وزراء الاتحاد الاوروبي الاجراءات العقابية واسعة النطاق في اجتماع لوكسمبورغ امس «سيمنع الاشخاص من دخول الاتحاد الاوروبي وستمنع الكيانات الشركات من العمل في الاتحاد الاوروبي». ومن المقرر ان ينشر الاتحاد الاوروبي اسماء من سيشملهم القرار اليوم. وسيجبر قرار العقوبات الجديد إيران على الحد من حجم تعاملاتها المصرفية في الغرب، والتوجه أكثر نحو الصين والأسواق الصينية، فيما يشهد حجم تعاملاتها التجارية مع اوروبا انخفاضا ملحوظا، اذ ان حصة اوروبا من التجارة الايرانية تقلصت من أكثر من 50% الى ما بين 20 الى 25 % خلال 5 سنوات. وشدد مسؤول في الاتحاد الاوروبي على ان العقوبات ترتكز على اجراءات وافق عليها مجلس الامن وان القوى الست وهم الاعضاء الخمسة الدائمة بالمجلس بالاضافة الى المانيا لا يزالون يسعون الى الحصول على رد من ايران على عرضهم للحوافز. وعن سياسة العصا والجزرة التي لم تحمل ايران حتى الان على الحد من برنامجها النووي قال المسؤول «نحن مستمرون في المسار الثنائي». ويقلل المسؤولون الايرانيون عادة من تأثير العقوبات الاقتصادية على بلادهم. اذ قال وزير النفط الايراني مؤخرا ان عوائد تصدير النفط الخام تصل الى ستة مليارات دولار في الشهر فيما نفى القائم بأعمال وزير الاقتصاد حسين صمصامي في مطلع الاسبوع ان يكون للعقوبات الحالية اثر كبير على اقتصاد البلاد، كما نفى سحب 75 مليار دولار من اوروبا للحيلولة دون تجميد الاصول، مقللا من اهمية هذه التقارير وأصر على ان الوضع «لم يصبح خطيرا بعد». وجاء قرار العقوبات الجديد بعد أيام من تقديم سلة حوافز جديدة لإيران لاقناعها بوقف تخصيب اليورانيوم. وقال دبلوماسيون ان القوى الكبرى عرضت على ايران اجراء محادثات تمهيدية بشأن برنامجها النووي بشرط ان تقصر التخصيب على مستوياته الحالية لستة اسابيع مقابل تجميد جهود فرض عقوبات أقسى على طهران. فيما اعلنت طهران انها متفائلة بوجود نقاط مشتركة بين العرض والمقترحات المنفصلة التي طرحتها لنزع فتيل النزاع لكنها رفضت مجددا اي اقتراح بتعليق تخصيب اليورانيوم.

وقال محمد علي حسيني المتحدث باسم وزارة الخارجية الايرانية امس ان طهران تدرس مجموعة الحوافز الاقتصادية والحوافز الاخرى التي طرحتها الدول الست الكبرى. لكنه لم يذكر متى سترد ايران على اقتراح الحوافز الذي قدمته الولايات المتحدة وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا والمانيا والذي سلمه لايران يوم 14 يونيو الجاري خافيير سولانا منسق السياسة الخارجية للاتحاد الاوروبي.