الجيش انتشر بكثافة... لكن المخاوف ما زالت قائمة

«الشرق الأوسط» زارت مناطق الاشتباكات في طرابلس:

جنود لبنانيون ينتشرون أمس في أحد شوارع طرابلس الذي شهد اشتباكات ضارية أول من أمس خلفت 14 قتيلا والعديد من الأضرار في المباني والمحال التجارية (أ.ب)
TT

من زار مدينة طرابلس عاصمة الشمال اللبناني بعد صلاة الظهر امس ظن ان الاحداث الامنية قد تجددت وان ما قام به الجيش والقوى الامنية خلال الساعات الماضية من انتشار في مناطق التوتر قد ذهب هباء، وذلك بسبب اصوات الرشقات الرشاشة التي ترددت بقوة في ارجاء المدينة وتبين انها تواكب تشييع بعض الضحايا الذين سقطوا في اشتباكات اليومين الماضيين. وكان سبق ذلك سماع اصوات انفجارات تبين انها ناتجة عن قيام وحدات من فوج الهندسة في الجيش بتفجير بعض الالغام والقذائف غير المنفجرة.

والمتجول على خطوط التماس بين منطقتي باب التبانة وجبل محسن او في احيائهما الداخلية يلاحظ بوضوح كيف ان الجيش حوّل المنطقتين الى شبه ثكنة عسكرية، اذ انتشر الجنود بكثافة مدعومين بعناصر وآليات من قوى الامن الداخلي. الامر الذي ترك انطباعاً لدى المراقبين بأن الاتفاق الذي تم وأدى الى وقف القتال طغى عليه الجانب الامني اكثر منه السياسي، ما سمح للبعض بإبداء تخوفه من ان يكون اتفاقاً مرحلياً يمكن خرقه في اي مرحلة، لاسيما ان الحديث عن مجموعات مسلحة غير مرتبطة بمراجع سياسية محددة قد اطلق العنان لمزيد من علامات الاستفهام والأسئلة ولاسيما منها: لماذا بدأ القتال في مدينة طرابلس؟ ولماذا توقف بقدرة قادر؟ وهي اسئلة لم يستطع اي من المواطنين الذين التقتهم «الشرق الاوسط» الاجابة عنها خلال الجولة التي قامت بها على المنطقتين. فيما ذهب كثيرون الى القول: «انهم يستخدموننا لأغراض سياسية ولأهداف مختلفة منها الداخلي ومنها الخارجي».

اما مصادر المجموعات المسلحة فوصفت ما جرى بأنه «لعبة اجهزة امنية لأهداف سياسية. والمواطن هو الذي يدفع الثمن باستمرار». وهذا ما عبرت عنه الحاجة «ام فادي» التي كانت جالسة في منطقة التبانة امام منزلها المدمر والمحترق وهي تصرخ «لقد قتل زوجي وأصيب اثنان عن ابنائي ودمر منزلنا فمن هي الجهة التي ستعوضنا؟». وتضيف: «انهم يضحكون على الشباب العاطل عن العمل من اجل مصالحهم ومراكزهم. الله ينتقم منهم».

محمد الحلبي الذي دمّر متجره بالكامل وسرقت محتوياته يشدد على وجوب بقاء الجيش بالشكل الذي دخل به الى المنطقة «من اجل تثبيت الامن والاستقرار حتى لا تتدخل الايدي الخبيثة وتعمل على تخريب ما بنيته بعد كل جولة من الاحداث منذ ثلاثة عقود ونصف». وأضاف: «هل هذا عدل من الله؟ انني سأنتقم منهم إذا تيسّر لي ذلك».

وفي الوقت الذي سيّرت فيه القوى الأمنية دوريات مؤللة وأقامت حواجز ثابتة، كان المواطنون يستطلعون ما حصل لممتلكاتهم، إن لجهة التدمير او الحرق او السرقة. فيما كانت الشعارات تعبر عن الواقع الذي تعيشه تلك المناطق الفقيرة. ومنها «قوات الجحيم ـ المغاوير نحن كابوس لكم» و«سنلقنكم الدروس وسترون» و«قوات ابو الغضب: إننا آتون». ووسط كل ذلك كان بعض الصبية يتسابقون لجمع الطلقات الفارغة لبيعها. فيما كان شبان يراقبون الوضع. وقال طارق حمود لـ«الشرق الأوسط»: «إننا في هذه الدوامة منذ سنوات. ولا يبدو انها ستنتهي طالما ان المعالجات آنية ولا تعمل على نزع فتائل التفجير وجعلنا وقوداً دائماً لمثل هذه المعارك العبثية». ولوحظ ان كثافة الانتشار الأمني لم تمنع حصول بعض الخروقات المحدودة مثل إحراق أحد المنازل من قبل مجهولين لأن صاحبه لا ينتمي الى نفس الطائفة التي تشكل الأكثرية في أحد شوارع منطقة القبة، حيث كانت احرقت سيارة بعد تردد شائعات عن قيام مجموعة مسلحة بإطلاق النار على احد مسؤولي «تيار المستقبل». ولم يسجل امس حصول اي اجتماعات بين القوى الامنية ومسؤولي المجموعات المسلحة، ما اقنع الكثيرين بأن الكلمة الفصل هي للقوى الأمنية التي كان بعض عناصرها يتابعون ظهراً عبر جهاز تلفزيون صغير وصول رؤساء الطوائف الى قصر بعبدا للمشاركة في القمة الدينية. وعلى صعيد ذي صلة، اكد رئيس «جمعية دعوة الايمان والعدل وللاحسان» د. حسن الشهال عدم وجود حركة سلفية لها قائد ميداني بل «ان هناك بعض السلفيين الذين قاتلوا من خلال لجان الاحياء» حاملاً على وسائل الاعلام «التي تصور الامر على غير حقيقته». وقد اثنى الرئيس ميشال سليمان، في اتصال هاتفي أجراه امس بقائد الجيش بالنيابة اللواء الركن شوقي المصري، على المهمات التي نفذها الجيش وقوى الأمن الداخلي، مؤكدا على ضرورة التشدد في تثبيت الاستقرار في المنطقة وردع المخلين بالأمن «تجاوبا مع الارادة الوطنية الجامعة التي ظهرت من خلال مواقف جميع الاطراف الذين طالبوا بحماية الدولة». وقد أجرى سليمان اتصالا بالمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي للغاية نفسها، مركزا على أهمية التنسيق بين الجيش وقوى الأمن لإنجاح المهمة الأمنية في طرابلس.