مسؤولون: استديو سحاب التابع لـ«القاعدة» يستخدم أحدث التقنيات ونظام تشفير أجهزة المخابرات العالمية

خطاب بن لادن يمر عبر عدة أشخاص للتمويه ويخزن الفيديو على شريحة ذاكرة

TT

في وقت سابق من هذا العام، طرح رجل دين راديكالي يُطلق على نفسه اسم «أبو حمزة» سؤالاً على نائب زعيم تنظيم «القاعدة» بشأن أفراد الأمن المصريين قال فيه: «هل هم كفار؟ وهل يحل قتلهم؟». بعد بضعة أسابيع، جاءت الإجابة من أيمن الظواهري بأنه يحل قتل رجال الشرطة لأنهم «جميعا كفار». ويأتي هذا التبادل للأسئلة والإجابات في إطار أحدث الحملات الدعائية التي تنظمها «القاعدة» والتي تتمثل في عقد حوار بين «الظواهري»، أحد أبرز العناصر الهاربة المطلوبة لدى السلطات الأميركية على مستوى العالم، والمئات من الأفراد الذين يراودهم الفضول للتعرف بصورة أكبر على التنظيم. وبعد الإعلان عن المنتدى الدائر من خلال شبكة الانترنت في ديسمبر (كانون الأول) والذي بمقتضاه أبدى الرجل الثاني في التنظيم استعداده لتلقي الأسئلة حول مختلف القضايا، تلقى الظواهري بالفعل 1888 سؤالا خطيا من صحافيين ومن العامة. وتمكن الظواهري من الإجابة على خُمس هذه الأسئلة، حتى العدواني منها والذي انطوى على انتقادات لـ«القاعدة» لسفكها دماء الأبرياء وتشويه الإسلام. ومن الواضح أن الحرب ضد الإرهاب تحولت إلى حرب أفكار وحملات دعائية، ونضال من أجل الاستحواذ على العقول والقلوب وذلك من خلال شاشات التلفزيون وشبكة الانترنت. والملاحظ أنه على هذه الجبهات، زاد صوت التنظيم الإرهابي قوة خلال السنوات القليلة الماضية، حيث تمكنت قيادة التنظيم من استغلال تقنيات حديثة وأخطاء ارتكبها الخصوم، الأمر الذي مكنها من بناء حملة دعائية كبرى وتحقيق اتصال مستمر وآمن وبلغات متعددة مع الموالين للتنظيم والمجندين المحتملين بمختلف مناطق العالم. وبات من المعتاد حاليا بث مقطع مصور أو صوتي لأحد القيادات البارزة في القاعدة كل ثلاثة أو أربعة أيام في المتوسط من قبل مؤسسة «السحاب»، وهو الاستوديو الداخلي الدعائي التابع للتنظيم. وحتى في الوقت الذي يعمل قادة التنظيم على مراوغة الحملات العالمية لإلقاء القبض عليهم، يُصدر استوديو «السحاب» أفلاما وثائقية وملفات «آي بود» وفيديوهات مصورة من خلال الهواتف الجوالة. وتكشف الإحصاءات أن «السحاب» أصدر العام السابق 97 مقطع فيديو، بزيادة قدرها ستة أضعاف عن عام 2005. في المقابل، يرجع مسؤولو الاستخبارات الأميركية والأوروبية ازدهار النشاطات الدعائية الخاصة بـ«القاعدة» بصورة جزئية إلى قدرة الشبكة الإرهابية على بناء قاعدة آمنة داخل المناطق الغربية القبلية في باكستان غير الخاضعة لسيطرة الحكومة المركزية.

واعترف بعض المسؤولين الأميركيين أنهم أضاعوا فرصاً فيما مضى لوقف عمليات الاتصال الخاصة بالتنظيم، الذي تم تعزيز مستوى الأمن الداخلي به بدرجة جعلت المحللين يعتقدون أنه أصبح من المستحيل تقريباً اختراقه. في هذا الصدد، أكد إيفان إف. كوهلمان، الخبير بشؤون عمليات «القاعدة» على شبكة الانترنت والذي يعمل كمستشار لدى مكتب المباحث الأميركي واسكوتلانديارد (الشرطة البريطانية) ووكالات أخرى، أنه «في الكثير من الجوانب، وقع الضرر بالفعل. والمؤكد أنه كان سيصبح الوضع أسهل بكثير لو أن الحكومة الأميركية تعاملت مع هذا الأمر بجدية في عام 2004. في ذلك الحين، كان ينظر إلى هؤلاء الأشخاص باعتبارهم أوغاد ومختلين عقلياً، وأنهم إرهابيين على الانترنت فحسب، وليس العالم الحقيقي». وفي خطاب ألقاه في نوفمبر (تشرين الثاني)، قال روبرت غيتس، وزير الدفاع الأميركي، إنه «من المثير للحرج أن تبدي القاعدة قدرة أفضل على توصيل رسالتها عبر شبكة الانترنت عن أميركا. ومثلما سبق أن تساءل أحد الدبلوماسيين الجانب منذ عامين: كيف يمكن لرجل قابع في احد الكهوف التفوق بمجال الاتصال على أعظم مجتمع اتصالات على مستوى العالم». يذكر أنه طبقاً للمسؤولين والمحللين الأميركيين المعنيين بمجال مكافحة الإرهاب فإنه عندما يرغب أسامة بن لادن في إلقاء خطاب، يتم استدعاء مصور موثوق به إلى أحد المنازل الآمنة في مكان ما بالأراضي الباكستانية. بعد ذلك، يتم تنقيح شريط الفيديو وتخزينه على شريحة ذاكرة بالغة الضآلة خاصة بالكومبيوتر وإعطائها لشخص يقوم بدور الناقل. وعادة ما تمر شريحة الذاكرة عبر العديد من الأشخاص بهدف التمويه، حتى يقوم عميل ما في نهاية الأمر بتسلمها والدخول إلى شبكة الانترنت من خلال أحد المقاهي المخصصة لذلك وتخزين البيانات بأحد مواقع الشبكة التي تتمتع بحامية الكلمة المفتاح. وأوضح المحللون أن استوديو «السحاب» مزود ببعض أفضل التقنيات المتوافرة عالمياً، حيث يستخدم المنتجون والمحررون أجهزة كومبيوتر محمول طراز «سوني» وكاميرات فيديو متطورة للغاية. وتجري حماية الملفات من خلال نظام «بي جي بي»، وهو نظام تشفير يكاد يكون من المستحيل اختراقه ويجري استخدامه أيضاً من قبل وكالات الاستخبارات بمختلف دول العالم. وقال أحد كبار مسؤولي مكافحة الإرهاب الأميركيين رفض الكشف عن هويته إن الاعتقاد السائد أن عناصر «القاعدة» ليسوا سوى مجرد أفراد يختبئون في الكهوف، لكن الحقيقة أنه يجرون اتصالاتهم باستخدام الكومبيوترات المحمولة، مثلما الحال لدى الأميركيين العاملين بمجال مكافحة الإرهاب من داخل أفضل مباني واشنطن على الإطلاق من حيث وسائل الاتصال. ونوه المسؤولون والمحللون بأن الخطب المصورة التي يلقيها بن لادن والقيادات الأخرى بـ«القاعدة» من الممكن أن تظهر على الانترنت في غضون ما يقل عن أسبوع من تاريخ تسجيلها، لكن عادة ما يستغرق الأمر أسبوعين أو ثلاثة قبل بثها.

من جهته، أعرب ضياء رشوان المحلل بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية في القاهرة عن اعتقاده بأنه «من الواضح أنهم لا يشعرون بأنهم عرضة لأي ضغوط حقيقية، وإنما يبدون مسترخين للغاية، وأمامهم متسع من الوقت للذهاب إلى أرشيف الأفلام الخاص بهم وتحرير منتجاتهم». ورغم مرور سنوات من المحاولات، عجزت وكالات الاستخبارات الأميركية عن اقتفاء أثر الأفلام المصورة الخاصة ببن لادن وكبار مساعديه لتحديد منشئها. إلا أن المسؤولين يقولون إن قادة التنظيم يعرضون أنفسهم للمخاطرة في كل مرة يصدرون فيها تسجيلاً جديداً. من ناحية أخرى، بالرجوع إلى عام 2005 نجد أن الآلة الدعائية لتنظيم القاعدة كانت ضعيفة آنذاك. في ذلك الوقت، توقفت قناة «الجزيرة» الفضائية التي وقع اختيار الجماعة الإرهابية عليها لبث شرائطها، عن إذاعة الفيديوهات الخاصة بـ«القاعدة» بشكل كامل. واشتكى الكثير من أتباع بن لادن داخل المنتديات التي تستضيفها الانترنت من أن «الجزيرة» تتعمد تشويه خطابات زعيم التنظيم الإرهابي من خلال تشغيل مقاطع خارج الإطار الخاص بها. في تلك الأثناء، كانت الحكومة الأميركية وحلفاؤها يمارسون ضغوطاً ناجحة على الشركات المزودة لخدمة الانترنت لإغلاق المواقع المتطرفة على الشبكة. كما تم إلقاء القبض على أو قتل الكثير من كبار الخبراء التقنيين لدى «القاعدة». وتم قتل مؤسس أحد المنتديات البارزة على الانترنت داخل السعودية. في أكتوبر (تشرين الأول) 2005، ألقت الشرطة البريطانية القبض على يونس تسولي، المغربي الأصل والذي اضطلع بدور جوهري في بناء شبكات الاتصالات للمتمردين العراقيين والجماعات الأخرى الموالية لـ«القاعدة». وخلال الفترة ذاتها تقريباً، صمم أنصار «القاعدة» شبكة توزيع دعائية جديدة أُطلق عليها مركز الفجر الإعلامي.

بمرور الوقت، تولت الشبكة مهمة نشر الدعايات الخاصة بعشرات الجماعات الإسلامية الراديكالية من خلال الانترنت. وتقوم هذه الشبكة بتوزيع مواد تخص الجماعات الموالية لـ«القاعدة» داخل العراق والصومال وشمال أفريقيا واليمن، علاوة على «طالبان» والجماعات المسلحة الأخرى. وفي نهاية الأمر، تصدر الكثير من مقاطع الفيديو وهي تحمل ترجمات باللغات الإنجليزية والألمانية والإيطالية والتركية والفرنسية ولغات أخرى. وأوضح المحللون الاستخباراتيون أن مركز «الفجر» يتسم بطابع لا مركزي قوي، حيث عادة ما يدرك مسؤولو الشبكة المعنيين به هوية بعضهم البعض لأسباب أمنية. وتتلقى الشبكة مواد دعائية من جماعات إرهابية فردية، ثم تقوم بنشرها على الانترنت. ويتم الإعلان عن كل إصدار من خلال المنتديات الإسلامية الشهيرة، حيث يجري تشجيع الآلاف من الأعضاء على نسخ مقاطع الفيديو وإعادة نشرها بمواقع أخرى. ومن المعروف أن هذه المواقع محمية من خلال كلمة سر وتخضع لتنظيم شديد. وفي بعض القطاعات، يتمتع فقط بعض المسؤولين عن الموقع بالقدرة على عرض مواد، مثل الإعلانات التي تنوه بصدور شريط مصور جديد عن بن لادن. وعليه، بمقدور المسؤولين بمركز «الفجر» وغيره من التعرف على المواد المزيفة، لضمان استمرار تمتع جهودهم الدعائية بدرجة عالية من المصداقية، حسبما أوضح المحللون. من ناحيته، أشار جوش ديفون أحد كبار المحللين لدى «سايت انتلجنس غروب»، وهي شركة خاصة تعني بمراقبة الجماعات الإرهابية الإسلامية على شبكة الانترنت ويعمل كمستشار للوكالات الحكومية الأميركية والأجنبية، إلى أنه «من خلال السيطرة على المحتوى، يمكن لمركز الفجر التأكد من أن كل شخص يحصل على معلومات من الموقع يدرك أنه يحصل عليها من مصدر حقيقي. ومن العسير للغاية بالنسبة لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية أو أي وكالة استخبارات أخرى صياغة حملات دعائية مضادة موثوق بها وفاعلة». واستطرد ديفون موضحاً أن «الفجر» يبدي قدر بالغ من الحذر الأمني، حيث يقوم بتوزيع كتيب تحت عنوان «المجاهد الفني»، يتضمن إرشادات حل كيفية تغطية الآثار الاليكترونية وتجنب التعرض لاختراق. ويرى ديفون ومحللون آخرون أن «الفجر» ربما عانى من نقاط ضعف أمنية خلال أيامه الأولى، لكنه يتمتع بحماية أمنية قوية حالياً. من ناحيتهم، يحاول بعض أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي مهاجمة نظام التوزيع الخاص بـ«القاعدة». على سبيل المثال، في الشهر السابق، بعث السناتور جوزيف ليبرمان رئيس لجنة شؤون الأمن الداخلي بمجلس الشيوخ، برسالة إلى المسؤولين عن «غوغل» يحثهم فيها على التخلص من مقاطع الفيديو المعروضة على موقع «يو تيوب» الخاصة بـ«القاعدة» والجماعات الإرهابية الأخرى.

من جانبه، أعلن الموقع أنه قام بالفعل بشطب بعض المقاطع المصورة، لكن البعض الآخر مما ذكره «ليبرمان» لا يتسم بالعنف أو ينطوي تحت تصنيف «نشر الكراهية». على الجانب الآخر، أعرب مسؤولون آخرون عن اعتقادهم بأن هذا التوجه من غير المحتمل أن يحرز نجاحاً نظراً لانتشار المقاطع المصورة تلك على نطاق واسع وإمكانية معاودتها الظهور مجدداً على مواقع أخرى على الفور. ومن أشهر الوجوه في تسجيلات الفيديو التي تنشرها «القاعدة»، آدم غادان، وهو أميركي الأصل من ولاية كاليفورنيا وقد اعتنق الإسلام وانتقل إلى باكستان منذ عشر سنوات. وقد ظهر غادان الذي يسمى نفسه باسم «عزام الأميركي» أول مرة في شريط فيديو عام 2005، عندما هدد الولايات المتحدة بشن هجمات على لوس انجليس. وقد قام ببطولة عدة تسجيلات فيديو منذ ذلك الحين، ويفيد المحللون بأنه من الواضح أن قيادة القاعدة تستشيره في ما يتعلق بكيفية التخاطب مع الجمهور الأميركي.

وقال المسؤول الأميركي في مجال مكافحة الإرهاب: «لا أدري إلى أي مدى يستطيع أن يفهم اللغة المناسبة لخطاب الأميركيين، ولكن يبدو أنه يفهمها بشكل أفضل من أي من مسؤولي «القاعدة» على أية حال. وليس أمام «القاعدة» الكثير من الخيارات. فأعضاؤها إذا أرادوا معرفة شيء عن الولايات المتحدة، فإنهم إما يذهبون إلى غادان أو إلى موسوعة ويكابيديا على الإنترنت».

وعلى الرغم من إنكار العديد من المحللين أن يكون لغادان أي دور أساسي، إلا أن مقاطع الفيديو التي يقوم بتسجيلها تلقى إقبالا بين عناصر «القاعدة» في أوروبا.

ومع ذلك، يبقى الظواهري هو الشخصية الأولى في إعلام «القاعدة». فقد ظهر في 20 فيديو وشريطا مسجلا منذ شهر يناير (كانون الثاني) 2007، حسبما أعلنت مؤسسة إنتل سنتر وهي مؤسسة تعمل في مجال مكافحة الإرهاب ومقرها في أليكساندرا بولاية فيرجينيا. وعلى خلاف الشخصية الكارزمية لبن لادن الذي يتحدث اللغة العربية الفصحى ويمثل صورة رئيس الدولة، فإن الظواهري يبدو أكثر مرونة في تكييف رسائله التي يوجهها للمتشددين الآخرين. فهو يدافع عن التكتيكات العنيفة التي تقوم بها «القاعدة» دون تردد، ويبرر قتل المدنيين من خلال الحث على مقاتلة المشركين ومكافحة الأنظمة العربية الفاسدة. ويقول عبد الله شليفر وهو الرئيس السابق لمكتب شبكة «إن بي سي» الإخبارية في القاهرة، والذي يعرف الظواهري وعائلته لفترة طويلة: «إنه يجد آذانا صاغية لدى العناصر المسلحة لأنه يعطيهم المبررات الإسلامية للقيام بأعمالهم. وهو يقدم لهم أسلوب الفكر الذي يعيشون به في هذه الحياة».

* خدمة «واشنطن بوست» – خاص بـ«الشرق الأوسط»