التهدئة تسمح للفلسطينيين بإعادة اكتشاف مناطق التماس في القطاع

TT

على مدى ساعة، حاول أحمد نعيمات، 45 عاما، ونجله محمد، 19 عاما، عصر امس، الظفر بأحد طيور القطا التي كانت تجري مع صغارها في كرم اللوز الذي ينتصب على قمة هضبة «أم الجمال»، الحدودية التي تتوسط المسافة بين مدينة دير البلح ومخيم المغازي وسط قطاع غزة. بالنسبة لأحمد فقد كانت هذه متعة لا تعادلها متعة أن يعود بعد أربع سنوات للتنزه في هذه المنطقة الريفية التي تعتبر المنطقة الوحيدة في جنوب القطاع التي لم تتعرض للتجريف اثناء التوغلات الإسرائيلية المتواصلة. وقرر احمد المجيء الى المنطقة بعد تردد طويل، بعد مرور 5 ايام على سريان مفعول اتفاق التهدئة. وقال أحمد لـ«الشرق الأوسط» إن ما لفت نظره هو أنه عندما وصل إلى المنطقة شعر بأنها مهجورة منذ سنين طويلة، من حيث أكوام الورق المتساقط أسفل الشجر. ويواصل الحديث أن هذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن العائلات البدوية التي تعيش على بعد 200 متر للغرب من سلسلة هذه الكروم لم تستطع الوصول اليها لجمع هذا الورق واستخدامه في إطعام الدواب والماشية. وقرب أحمد، كان افراد عائلة يتجمعون في الطرف الشمالي لكرم لوز، حول مائدة الطعام، في حين كان رب الأسرة لا يزال يشوي اللحم على الفحم، ويزود ابناءه به تباعاً. ملامح أفراد العائلة تنطق بأحاسيسهم، فمشاعر الرضا والسعادة بادية عليها. وكان أحد أفراد الأسرة يردد بين الفينة والأخرى بصوت عال أنه يشعر بأنه يكتشف هذه المنطقة لأول مرة رغم أنه كثيراً ما تجول فيها.

عدد قليل فقط من الفلسطينيين، مثل احمد ونجله وهذه العائلة، استطاع الوصول الى مناطق التماس الحدودية التي تبعد مسافة 500 متر تقريباً عن الخط الفاصل بين قطاع غزة وإسرائيل، اذ لا زالت المخاوف تعتمل في نفوس اغلبية الناس هنا من إمكانية ان يتعرض الجنود الاسرائيليون الذين يتمركزون على طول الخط الفاصل لهم، رغم أن قيادة المنطقة الجنوبية في الجيش اصدرت منظومة تعليمات جديدة لإطلاق النار في قطاع غزة بعد سريان اتفاق التهدئة.

ورغم هذه المخاوف، فقد امتلأت بالمتنزهين خلال اليومين الماضيين، المناطق الريفية في عمق القطاع، التي تقع تماما بمحاذاة التجمعات السكانية الفلسطينية من جهة الشرق، وكان الناس يخشون ايضاً من الوصول اليها. فالمئات من الفلسطينيين كانوا يتمشون في الشوارع الترابية التي تربط مخيم المغازي وبساتين البرتقال الى الشرق منه، في حين كانت النساء يجلسن في مجموعات على حواف الممرات التي تفصل بين الحقول، بينما كان صغارهن يلعبون قربهن. حلول التهدئة مع بداية العطلة الصيفية لعشرات الآلاف من الطلاب كانت مناسبة سمحت لهم بممارسة هواياتهم الرياضية في الهواء الطلق، في ظل الاكتظاظ الكبير الذي تعانيه معسكرات اللاجئين، وعدم وجود مؤسسات رياضية اصلا قادرة على استقبال هؤلاء الطلاب، فقد حول عشرات الشباب أرض البور بمحاذاة وادي ابو رشيد، الذي يلتف حول معسكر المغازي من الجنوب الى ملعب كرة قدم، دون حتى الحصول على إذن من صاحب الأرض، الذي كان يراقبهم بينما كان يقوم برش أشجار العنب القريبة.