هيلاري كلينتون بعد عودتها الى كابيتول هيل.. مستقبلها السياسي في حالة انتظار

محللون يستبعدون «التذكرة الحلم».. وخياراتها الترشح لمنصب حاكم كاليفورنيا أو تزعم الأغلبية أو البقاء في مجلس الشيوخ

هيلاري كلينتون تدخل الى كابيتول هيل لتسلم مهامها من جديد (أ.ب.)
TT

بعد عام على تركها مجلس الشيوخ وتفرغها لخوض حملة انتخابية طويلة، عادت هيلاري كلينتون أول امس الى كابيتول هيل لتملأ مقعدها من جديد وتعود الى ممارسة عملها ذاته الذي تركته وراءها بحثا عن المقعد الأول في الدولة الذي فشلت في الوصول اليه.

دخلت الى المجلس مبتسمة كعادتها توزع التحيات على الصحافيين وتصافح زملاءها، وتحاول ان تبدو سعيدة بعودتها الى حيث كانت قبل عام. الا ان هذه المرأة التي كانت شبه أكيدة، عند خروجها من الكابيتول هيل لتبدأ حملتها، من أنها لن تعود الى هنا أبدا، وكانت واثقة من انها ستتمكن من الدخول الى البيت الابيض من جديد لتكون هي الرئيسة المقبلة، تواجه اليوم صراعا لتحديد مستقبلها السياسي بشكل يخرجها قليلا من هزيمتها التي لم تتقبلها بسهولة.

ففي حين كانت الأصوات تتصاعد داخل الحزب الديمقراطي وخارجه، حتى زوجها الرئيس السابق بيل كلينتون في الفترة الأخيرة، وتطالبها بالانسحاب من المعركة وتقبل الخسارة، كانت هي تصر على البقاء. وكانت فكرة ان تكون الرئيسة المقبلة للولايات المتحدة لا تزال راسخة في ذهنها. وبعد أن تقبلت الخسارة وقررت الانسحاب من السباق، أظهرت بعض اللين تجاه سؤال تردد عشرات المرات على مسامعها في السابق ورفضته: هل تقبلين الترشح على تذكرة واحدة مع اوباما كنائبة للرئيس؟ حينها اجابت كلينتون ان احتمال حصول «التذكرة الحلم» مطروح. الا ان اوباما، المعني باتخاذ القرار، بقي صامتا.

الا ان صمت اوباما على ترشح هيلاري على تذكرته، ليس فقط صمتا عنها، بل هو صمت عن كل الأشخاص المطروحين للترشح على لائحته. فعلى الرغم من أن الصحافة وضعت لوائح طويلة بالأسماء التي قد يختار بينها اوباما نائبه، الا ان حملة المرشح الديمقراطي لم تصدر اي لائحة رسمية. واوباما نفسه يبقي الاسماء المطروحة بعيدة حتى عن الناطق باسمه. ولكن هل لهيلاري فعلا حظوظ بالترشح مع اوباما نائبة للرئيس، ام انه حتى المركز الثاني في الدولة الذي قبلت به على مضض أصبح بعيدا عن متناولها؟

ففي حين يتحدث بعض الديمقراطيين عن «التذكرة الحلم» التي تضم اوباما وهيلاري، يحذر آخرون من ان تكون هكذا تذكرة كابوس. وكان أبرز المحذرين الرئيس السابق جيمي كارتر الذي قال ان هكذا قرار قد يكون أسوأ قرار يتخذه الحزب الديمقراطي.

توماس مان، محلل سياسي ومتخصص في الانتخابات الأميركية والحملات الانتخابية من مؤسسة بروكينغز الاميركية، يقول ان امكانية ان يختار اوباما هيلاري للترشح نائبة له ضئيلة. ويعتبر ان اختيار اوباما لها قد يشوش عنوان حملته الأساسي، «التغيير»، ويضعف قدرته على جذب المستقلين والجمهوريين المترددين، كما ان وجودهما معا في البيت الأبيض قد يخلق وضعا محرجا.

ويذهب جون فورتييه، الخبير في الانتخابات من مؤسسة «أميركان انتربرايز انستيتيوت»، الى أبعد من ذلك. فهو لا يستبعد فقط ان يختارها اوباما للترشح كنائب له، بل لا يرى لها دورا مطلقا في «ادارة اوباما»، في حال نجح طبعا بالوصول الى البيت الأبيض.

اما سبب اعتقاد فورتييه ذلك، ليس رفض اوباما لذلك، بل رفضها هي لأي منصب أقل من نائب للرئيس. ويقول: «هي استغرقت وقتا طويلا لتقول انها ستفكر في منصب نائب الرئيس، وان تتنازل عن هذا المنصب الى منصب اقل منه مثل وزيرة الخارجية، احتمال صعب وبعيد». الا ان بعض المحللين لا يجزمون بالمطلق ان هيلاري لن تحصل على طلب الترشح للمنصب الثاني. دونالد وولفسونبيرغر، الخبير في شؤون الانتخابات والكونغرس من مؤسسة وودرو ويلسن الاميركية، يعتبر انه لا يزال هناك حظوظ لهيلاري بالحصول على عرض الترشح على تذكرة اوباما. ويقول: «هناك ضغوط كثيرة من البعض في الكونغرس يحثونه على ان يختارها. حظوظها لم تمت بعد». اوباما، بحسب وولفسونبيرغر، يحتاج الى نائب له لديه إحدى الميزتين: خبرة في مجال الدفاع والسياسة الخارجية ويمكنه ان يكون الرئيس في اللحظات الحرجة، أو شخص يساعده على الفوز بالولايات المتأرجحة مثل أوهايو وفلوريدا ليجذب أبناء الطبقة العاملة البيضاء الذين تجذبهم هيلاري. وعلى اوباما هنا ان يقرر لأي صفات هو بحاجة أكثر.

اما الخيارات المتبقية امام هيلاري في حال استبعدت من ادارة اوباما المحتملة، فليست كثيرة. جون فورتييه يقول ان هيلاري تنتظر الآن نتائج الانتخابات الرئاسية، وبناء عليها ستتخذ قرارها. ففي حال فاز اوباما، ستضطر هيلاري الانتظار لثماني سنوات أخرى قبل الترشح من جديد الى الانتخابات الرئاسية، لان اوباما سيخدم ولايته الاولى وسيعيد الحزب ترشيحه ليخوض الانتخابات مرة ثانية ضد المرشح الجمهوري من دون ان يترشح احد في وجهه. وفي السنوات الثماني هذه، قد تختار هيلاري الترشح لمنصب رئيس الاغلبية في مجلس الشيوخ الذي يملأه الآن جون ريد، او قد تختار ترك مجلس الشيوخ والترشح لمنصب حاكم ولاية نيويورك، او ببساطة البقاء في مقعدها حيث هي والترشح مرة جديدة بعد ثماني سنوات للانتخابات الرئاسية.

الا ان فورتييه، يقول ان الخيار الأول المطروح، وهو ان تتولى هيلاري رئاسة الاغلبية في مجلس الشيوخ، أمر مستبعد. فعلى الرغم من ان الشائعات بدأت تتردد فور عودتها الى المجلس من أنها عادت وهي تطمح بمنصب رئيسة الأغلبية، فان وصولها الى هذا المنصب غير مضمون لعدة أسباب: الاول ان ريد، شاغل المنصب الآن، محبوب جدا داخل مجلس الشيوخ، ولا يبدو مستعدا للتنحي عن المنصب قريبا. وفي حال تنحى ريد، فان نائبه ريتشارد (أو ديك) ديربن قد تكون حظوظه اكبر من حظوظ كلينتون بنيل المنصب. فديربن من ولاية ايلينوي، ولاية أوباما، وهما مقربان جدا من بعضهما البعض. ومن المستبعد ان يفضل مؤيدو اوباما هيلاري على ديربن للمنصب. ويقول فورتييه انه على الرغم من ان ديبرن ليس وجها معروفا كثيرا، الا ان اختيار رئيس الاغلبية في مجلس الشيوخ يخضع لاعتبارات أخرى، وقرار اختيار الشخص المناسب يتخذ داخليا بين اعضاء مجلس الشيوخ. ويضيف فورتييه: «هي ليست في موقع قوة لكي تصبح رئيسة الاغلبية في مجلس الشيوخ، فهي لم تنجح في الانتخابات».

ويبقى امام كلينتون خيار ثان وهو الترشح لمنصب حاكم ولاية نيويورك. وفي الولايات المتحدة ثمة جدل دائم حول من هو الأقوى، حاكم الولاية أو عضو مجلس الشيوخ. البعض يجادل بأن حاكم الولاية أقوى وقد تكون حظوظه بنيل منصب الرئيس اقوى لانه في منصب تنفيذي وتحت إمرته مئات الموظفين، وهو يتخذ قرارات متعلقة بسياسة الولاية وعادة ينظر اليهم على انهم قادرون على حل المشاكل واتخاذ قرارات ادارية سريعة وحكيمة. وغالبا ما نرى في الولايات المتحدة اعضاء في مجلس الشيوخ يتركون مناصبهم ليصبحوا حكام ولايات.

اما ترشح كلينتون الى منصب حاكم ولاية نيويورك، فقد يتسبب بجدل واسع وسيتعين على الحاكم الحالي ان يستقيل. والحاكم الحالي هو ديفيد باترسون وكان نائب حاكم الولاية وأصبح حاكما بعد استقالة اليوت سبيتزر من منصبه اثر فضيحة جنسية. وهو رجل كفيف، واول اميركي من اصل أفريقي يتولى المنصب. ويستبعد فورتييه هذا الخيار امام كلينتون أيضا، ويقول: «ترشحها سيتسبب ببعض الخلافات وسيتعين على الحاكم ان يستقيل، وهناك احتمال ان يترشح عمدة نيويورك مايك بلومبيرغ للمنصب». الا انه يقول ان هذا الاحتمال يبقى مطروحا امامها اذا ضمنت فوزها بالمنصب واذا أرادت فعلا الخروج من مجلس الشيوخ بشدة. اما في حال خسر اوباما وبقي الجمهوريون في البيت الابيض، فان خطط هيلاري ستتسارع وحظوظها ستكون اسهل واقرب. فهنا لا تعود بحاجة الى الترشح لمنصب حاكم نيويورك، وكذلك فان حصولها على رئاسة الاغلبية لن تعود ضرورية جدا لها، وبالتالي ستبقى في منصبها بانتظار ان تترشح من جديد بعد انتهاء ولاية الرئيس بعد اربع سنوات. في كل الأحول، يبدو ان هيلاري كلينتون في حالة انتظار. وفي هذا الوقت، من المرجح أن تبقى في مكانها في مجلس الشيوخ، تلعب دورا مؤثرا، وتنتظر اما ترشحيها الى جانب اوباما على «التذكرة الحلم» أو «الكابوس»، أو نتائج الانتخابات الرئاسية.