السلطات السعودية تسجل نصراً على الإرهاب الإلكتروني بإيقاف خلية إعلامية تثير الفتنة وتدعو للمنهج التكفيري

أكثر من 50 موقعاً إلكترونياً تظهر وتختفي تروِّج للفكر الضال ومعظمها يبث من دول غربية

TT

كسبت وزارة الداخلية السعودية جولتها الأخيرة في حربها المفتوحة والمعلنة ضد المنظمات الإرهابية والمتشددة بجدارة، عن طريق السلاح نفسه الذي حاولت به هذه المنظمات العودة من جديد لتحقيق أهداف مشبوهة وإرهابية وهو شبكة الإنترنت. وكشف خبراء مختصون بمجال أمن المعلومات، بأن الشبكات الإرهابية وأصحاب الفكر التكفيري ينظرون إلى شبكة الإنترنت ووسائل الاتصال الحديثة كسلاح نافذ قوي يمكنهم من تجنيد وتوجيه الرأي العام، دون أن تعرضهم شبكة الإنترنت التي تعد فضاء افتراضياً لخطورة اكتشاف مواقعهم.

وقال باحث في مجال أمن المعلومات لـ«الشرق الأوسط» إن أكثر من 50 موقعا من المواقع التي تظهر وتختفي على المواقع المجانية، مثل مواقع الحسبة، والإخلاص، وغيرها تنقل مقر إقامتها بين فترة وأخرى، وتعد مدينة دالاس الأميركية المصدر الذي تبث منه معظمها حيث تم ضبط أكثر من موقع يبث من هناك. وأضاف «ربما تبث هذه المواقع من أي مكان في العالم، إلا أن معظم المواقع الأساسية تبث من الدول الغربية مثل أميركا وبريطانيا، حيث يحاول الإرهابيون التحايل على القوانين باسم حرية التعبير، وهناك مَنْ يرى أن هذا يأتي ضمن منظومة يصعب فهمها لتقاطع المصالح الدولية». واستطاعت وزارة الداخلية السعودية بحسب البيان الذي أصدرته يوم أمس القبض على أعضاء خلية إعلامية كاملة، تعمل عبر شبكة الإنترنت لإثارة الفتنة والترغيب في المنهج التكفيري، وذلك من خلال الطعن في العلماء والتشكيك في الثوابت وإثارة العواطف باستخدام صور من معاناة المسلمين لإقناع المتلقي بأن الحل يكمن في التكفير والتفجير وتأييد أعمال الفئة الضالة في الداخل والخارج.

وبحسب فايز الشهري، الكاتب والباحث في استخدامات الإنترنت، فإن شبكة الإنترنت اصبحت ركناً أساسياً في عمليات الجماعات المتطرفة، «ويتضح من البيان ومن متابعة شبكة الإنترنت في السنوات الأخيرة، ظهور العديد من المواقع والمنتديات التي تدعم وتتعاطف مع بعض الجماعات التكفيرية وبعض الجماعات المتطرفة، التي عمدت إلى إصدار بعض المجلات والنشرات الإلكترونية بشكل دوري، وعرفنا أن القاعدة أصدرت سابقاً صوت الجهاد، وبعدها صدى الجهاد، وأصدر القسم النسائي مجلة تسمى الخنساء وغيرها من الإصدارات». ويقول الشهري إنه يبدو أن أجهزة الأمن في المملكة العربية السعودية «تقوم بمتابعة دقيقة على شبكة الإنترنت كما في الميدان، وهو ما جعلها تسجل نجاحات واضحة في مسألة اكتشاف الخلايا التنظيمية التي تعمل على شبكة الإنترنت وتروج للفكر والجماعات المتطرفة، عبر البريد الإلكتروني ومواقع المنتديات، وهو ما أضعفها كثيراً، وبالتالي أظهر بوضوح العامل الخارجي الذي يدل على أن الجماعات التي كانت تجيش وتجند السعوديين أصبحت لا تجد نفس الحماس الذي كان في السابق، فأصبحت ترسل عناصرها وتبحث عمن يتعاون معها من بني جنسيتها وقوميتها لمحاولة استغلال الوضع». وأضاف «أن تراكم الخبرة الأمنية للمتابعة الفنية على شبكة الإنترنت أصبح واضحاً. وتعد المملكة إحدى الدول القلائل التي تتمتع بخبرات فنية عالية جداً لأجهزتها الأمنية، إضافة إلى أن الكثير من العمليات التي تمت كان من الواضح جداً من خلالها بأن العامل التقني والفني والرصد الإلكتروني كان حاسماً»، إلا أنه يستدرك بأنه من المهم جداً التنبه إلى أن هذه الجماعات «تسترخي أو تكمن، ثم تحاول الظهور بشتى الوسائل، وأول بروز يتضح من محاولات العودة هو عبر شبكة الإنترنت، كونها شبكة الاتصال والتنسيق بين الداخل والخارج، التي يظن الإرهابيون أنه ربما تصعب مراقبتها والتأكد من السيطرة عليها». وأكد أن التشتت وعدم وضوح الرؤية لدى هذه الجماعات أمر واضح أخيراً من خلال مواقعها على الإنترنت حيث أصيبت بضربة قوية نتيجة للمجهودات العلمية والدينية التي قضت على الحجج الواهية التي كانت تعتمد عليها هذه التنظيمات في الشحن العاطفي والتحريض الفكري، خاصة أن بعض كبار العلماء والمشايخ الذين لم يكن موقفهم واضح، أظهروا مواقفهم بشكل صحيح، وبالتالي لم تعد تجد هذه الأفكار أرضية»، إلا أنه يعود ليؤكد بأن هذا لا يعني نهاية هذه الجماعات «لأنها تحاول دائما البحث عن أي مناطق للاسترخاء الفكري أو الاجتماعي لتنشط من جديد». وذكر الباحث التقني السعودي أن الوضع في العراق يجعل شبكة الإنترنت مجالاً للجماعات المتعاطفة مع الحالة العراقية، وهو يتيح للإرهابيين وأصحاب الفكر المنحرف التغلغل من أجل زعزعة الأمن في البلدان العربية الأخرى، ولا يمكن فصل ما يحدث من مشاكل في فلسطين والعراق لأن هذه هي الشعارات التي إذا رفعت ربما تجد عند الشاب قليل الخبرة بعض التجاوب ومن خلالها يحاولون إثارة المشكلات في البلدان العربية الأخرى.

ولفت الشهري في ختام حديثه إلى أن الأسرة، وهي النواة الأولى في المجتمع، يجب أن تدرك أن الإنترنت هي هدف استراتيجي تأمل هذه المنظمات الوصول من خلالها إلى الشباب السعودي الذي يشكل غالبية المجتمع السعودي.

يذكر أن المواقع التي تستخدمها هذه الخلايا، تقوم على استدرار عطف الشبان وصغار السن، من خلال أناشيد إسلامية وأحاديث ضعيفة يساء تفسيرها وتأويلها، وصور بشعة لحروب العراق وفلسطين وأفغانستان، ومنتديات مفتوحة لمحاولة إقناع المستهدفين بأحقية قضايا المتشددين. ويعد نشر التقارير والبيانات أحد أهم الخدمات التي تضطلع بها على الرغم من افتقادها إلى المصداقية في كثير من الأحيان، وأبرز هذه المواقع منتدى الساحات الذي يعد الأكثر رواجاً بين الزائرين للمواقع الإلكترونية من السعوديين وغيرهم، وتم تأسيسه وإطلاقه من الإمارات العربية المتحدة، وقد تمكنت السلطات السعودية عن طريقه من القبض على بعض المشبوهين والمرتبطين بالمنظمات الإرهابية، أبرزهم عبد العزيز العنزي، وهو موقع أصولي يتضمن إلى جانب محاولة نشر الأفكار المتشددة والإرهابية وتجنيد الشبان، دعوات التكفير والتخوين وتهديدات القتل للكتاب والصحافيين والمفكرين السعوديين.

تجدر الإشارة إلى أن السلطات السعودية اتخذت إجراءات مشددة، وسنت قوانين رادعة أخيراً للحد من خطر المنظمات الإرهابية على شبكة الإنترنت ضمن قانون أقره مجلس الوزراء السعودي في مارس (آذار) 2007، وهو نظام جديد يتضمن عقوبات صارمة على الاستخدام غير القانوني لوسائل نقل المعلومات مثل الإنترنت والجوال.

ومن بينها فرض عقوبة السجن مدة لا تزيد على عشر سنوات وبغرامة لا تزيد على خمسة ملايين ريال أو بإحداهما على كل شخص ينشئ موقعا لمنظمات إرهابية على الشبكة المعلوماتية أو أحد أجهزة الكومبيوتر أو نشره لتسهيل الاتصال بقيادات تلك المنظمات أو ترويج أفكارها أو نشر كيفية تصنيع المتفجرات.