الكتاب الذي رسم الطريق إلى «التوحش» في أدبيات الإرهاب

المختصون الأميركيون اهتموا به ومركز مكافحة الإرهاب في كلية ويست بوينت العسكرية قام بترجمته إلى الإنجليزية

كتب تم ضبطها في إحدى المداهمات (تصوير: صادق الأحمد)
TT

كان لافتا في بيان وزارة الداخلية السعودية أمس عن القبض على مجموعات من «تنظيم القاعدة» الإشارة إلى كتاب عنوانه «إدارة التوحش» عثر عليه في مواقع المقبوض عليهم، ووصف بيان الداخلية هذا الكتاب بأنه:»يفضح أحلامهم المريضة ورؤاهم الحاقدة».

وليست هذه أول مرة يحتل فيها كتاب أو بحث أنتجه منظرو القاعدة وتيارات العنف الديني، موقع الصدارة، بداية من كتاب «معالم في الطريق» لسيد قطب في الستينات، ثم تطور الأمر إلى كتاب «الفرضية الغائبة» لعبد السلام فرج، منظر المجموعة المصرية التي قامت باغتيال الرئيس السادات، وقبل ذلك رسائل جهيمان العتيبي، قائد المجموعة التي اقتحمت واحتلت الحرم المكي 1979، ثم كتاب أيمن الظواهري «فرسان تحت راية النبي» الذي مثل مرجعا معنويا للجماعات المصرية الأصولية المقاتلة، خصوصا جماعة «الجهاد». وبلغ الأمر ذروته مع ثلاثة كتب هامة هي: «العمدة في إعداد العدة» لشيخ الأصوليين العسكريين في مصر وغيرها عبد القادر عبد العزيز أو سيد إمام كما هو اسمه الحقيقي، والذي يقبع في سجون مصر الآن، وكتاب «التجربة السورية» لأبي مصعب السوري، أو مصطفى الست مريم كما هو اسمه الحقيقي (اختلف أبو مصعب مع أطروحة كتاب إدارة التوحش،التي تركز على إحياء التنظيم المركزي للقاعدة، ورأى أن المركزية فكرة خاطئة، ويجب بعثرة المركز إلى خلايا تعمل بطريقة خاصة، وليس عن طريق المعسكر التدريبي التقليدي في كتابه الضخم الأخير: الدعوة إلى المقاومة الإسلامية العالمية). ثم تأتي كتب الأردني الشهير أبو محمد المقدسي: «ملة إبراهيم»، و»الكواشف الجلية في تكفير الدولة السعودية».

كل هذه المصادر النظرية والأدبيات، تمثل أبرز المراجع التي «تثقف» بها شباب العنف الديني السني والإرهاب طيلة السنوات الماضية. ولما نشط تنظيم القاعدة في السعودية مدشنا مرحلة العنف القاعدي بتفجير المقرات السكنية المختلطة في مايو (أيار) 2003، سرعان ماصدرت مجموعة الكتب والأدبيات الداخلية للتنظيم الإرهابي، تشرعن لعمله، وتضخ الأدلة الدينية لإسباغ الشرعية عليه، ولشحن النفوس بالعاطفة الدينية، ثم لتعليم الأتباع كيفية المواجهة والعمل، والرد على حجج الخصوم. ولم يكن هناك كتاب واحد «نجم» أو مرجع رئيسي، بل مجموعة من الكتب لمجموعة من مؤلفي القاعدة ومنظريها، سواء الشرعيين أو الحركيين أو العسكريين، ويأتي في مقدمة الفئة الشرعية، الثلاثي المسجون، علي الخضير وناصر الفهد ثم احمد الخالدي، وبعدهم، السجين: فارس آل شويل، والقتلى:عبد الله الرشود وعيسى العوشن، وفي مقدمة الحركيين القائد الأول للتنظيم السعودي، يوسف العييري، والمغربي يونس الحياري، وأما الناحية العسكرية ففي المقدمة عبد العزيز المقرن، أبو هاجر، وبعض المغاربة والمصريين.

كتاب «إدارة التوحش» المذكور في بيان الداخلية، يستوقف المراقب لعدة أمور، منها غرابة اسمه، إذ جرت العادة أن يكون اسم الكتب الأصولية من هذا النوع ذا طابع تراثي أو سجعي، وكذلك لا يتبنى مصطلحات إعلامية او أجنبية عنه مثل: الإرهاب أو التوحش، ولكن وحسب بعض التقارير فإن الكتاب اهتم به المختصون الأميركيون وقام مركز مكافحة الإرهاب في كلية (ويست بوينت) العسكرية بترجمته إلى الإنجليزية بعنوان «إدارة الوحشية» وتم توزيعه على المسؤولين في الدوائر السياسية للحكومة الأميركية، والمسؤولين في وزارة الدفاع. الكتاب يقع في أكثر من خمسين ألف كلمة، موزع على عدة فصول وأبواب، وهو بالفعل بهذا العنوان في أصله العربي:»إدارة التوحش». واسم المؤلف هو «أبو بكر ناجي» ويدور الكتاب في جل مادته على كيفية بعث التنظيم الإرهابي في أنحاء العالم، وطريقة إدارة المعركة مع الغرب والأنظمة العربية كلها، ويركز على التنظير لمرحلة مابعد 11 سبتمبر 2001 ويرى أن هدف الضربة قد تم، وهو إخراج القوات الأميركية من الولايات المتحدة، وتوزيعها في العالم، وإشغالها في كل مكان، من خلال عمليات متفرقة.

الملاحظ هو قسوة اللغة وبرودة الدم في التنظير لكيفية تنفيذ عمليات إبادة شاملة وتفجير ضخم لمواقع التجمعات المدنية، مثل تفجير بالي، وهو يدعو إلى الاستفادة من المرحلة السابقة في بناء خطة جديدة للقاعدة.

كما يلاحظ على الكتاب كثرة الإحالة على كتب أخرى سابقة لرموز تنظيرية شهيرة للقاعدة والتنظيمات الإرهابية، مثل الفلسطيني المسجون في لندن عمر محمود عمر (أبو قتادة).

كما نصح المؤلف من يقرأ كتابه من «الشباب» بأن يرجعوا إلى مصادر أخرى تغذي فيهم «ثقافة القاعدة»، وذكر بالنص: «مجلة البتار الصادرة عن معسكرات الجهاد بجزيرة العرب.(يعني نشرة البتار التي كان تنظيم القاعدة في السعودية ينشرها على الانترنت شارحا فيها فنون قتال العصابات والتفجير والتفخيخ واستخدام الأسلحة والسموم والاغتيالات).

كما ذكر كتابات أبي عبيد القرشي في مجلة الأنصار، كذلك له ولغيره كتابات أخرى قديمة بموقع «الأسوة الحسنة»، إضافة إلى الكتب العامة في فن الحرب خاصة حروب العصابات «ما دام في استطاعة الدارس تلافي ما بها من أخطاء شرعية» حسب عبارة الناجي.

بيان وزارة الداخلية السعودية أشار إلى استهداف هذه المجموعة الجديدة للمنشآت النفطية، ونرى في هذا الكتاب تركيزا واضحا على أهمية ضرب المصالح والشركات البترولية، وجدال مع من يقول بأن هذا إضرار بمصدر الثروة الأساسي لبعض الدول العربية، وجداله يقوم على تهميش هذا الضرر، من أجل «النكاية» بالعدو، والعدو هنا يعني به الدول العربية.

في هذا الصدد يقول مؤلف الكتاب: «ينبغيعلينا ضرب جميع أنواع الأهداف الجائز ضربها شرعاً إلا أننا يجب أن نركز على الأهداف الاقتصادية وخاصة البترول».

ومن أهم الفقرات في الكتاب، تلك الفقرة التي جاءت تحت المبحث الثاني بعنوان «طريق التمكين» حيث يشير مؤلف الكتاب إلى خطة نشاط القاعدة، ومناطق الاستهداف الأساسية لعملها الإرهاب، أو «الجهادي» كما يصف، ويقول المؤلف:» تم نشر هذه الدراسات في الثلاثة أعوام السابقة لأحداث سبتمبر، أما بعد الأحداث وما تلاها من تطورات فقد أعلنت القيادة بعض التعديلات فاستبعدت بعض المناطق من مجموعة المناطق الرئيسية على أن يتم ضمها لتعمل في نظام بقية الدول وأدخلت بلدين أو قل منطقتين إضافيتين ألا وهما بلاد الحرمين (أي السعودية) ونيجيريا ومن ثم أصبحت الدول المرشحة مبدئياً لتدخل في مجموعة المناطق الرئيسية هي مناطق الدول الآتية: الأردن وبلاد المغرب ونيجيريا وباكستان وبلاد الحرمين واليمن».

ربما هذا مايفسر عودة النشاط القاعدي في اليمن مجددا، وكذلك اضطرابات نيجيريا الأخيرة، وأحداث المغرب.

ويرى خبير أمني سعودي تحدثت إليه «الشرق الأوسط» أن شخصية أبي بكر ناجي، «قد تكون شخصية غير حقيقية لشخص محدد، وهو في نهاية الأمر إسم مستعار وليس اسما حقيقيا لشخص معروف، ولذلك فإنني أميل إلى أن هذا الكتاب هو من صنع «مجموعة عمل» وليس بالضرورة أن يكون شخصا واحدا محددا». ويضيف الخبير: أعتقد أن أهم وأخطر ما في الكتاب هي الفقرات التي خصصها للبحث في كيفية إحداث النكاية وتحقيق الشوكة للتنظيم، حيث كان مسرفا في التنظير للعنف والوحشية».

شخصية مؤلف الكتاب بقيت موضع جدل، وفي بعض المواقع الحوارية الأصولية، هناك شخص مسجل بهذا الإسم، وناقشه أعضاء آخرون باعتباره صاحب الكتاب، وأنه طارئ على المشهد التنظيري للقاعدة، وكله كتاب آخر بعنوان «الخونة» شن فيه حملة على علماء الدين والدعاة الذين لم يساندوا القاعدة، ورجح البعض أن يكون ناجي هو نفسه سيف العدل، منسق الشؤون الأمنية والاستخباراتية للقاعدة، وهو الضابط المصري الذي يرجح انه يقيم في إيران الآن تحت عين وبصر الحرس الثوري الإيراني.