أطفال العراق يدمنون ألعاب العنف وسط غياب الاهتمام الحكومي بتنمية قدراتهم

يخوضون معارك وهمية ويستخدمون شتى الأسلحة.. والجماعات المسلحة تستغلهم

طفل عراقي «يواجه» بسلاحين بلاستيكيين جنديا أميركيا في مدينة الصدر ببغداد (أ. ب)
TT

أطفال يحملون السلاح بكل أنواعه.. مسدسات وبنادق بل وحتى قاذفات هاون وأحيانا معارك في الشوارع. انه مشهد مألوف في شوارع المدن العراقية وأحيائها ولكن لحسن الحظ فان الأسلحة هي مجرد ألعاب والمعارك وهمية. ورغم تصاعد الدعوات الحكومية لوقف استيراد الألعاب المحرضة على العنف، إلا أن أطفال العراق يعشقون بشغف اقتناء ألعاب «العنف» ويدمنونها حسب تقرير لوكالة الأنباء الألمانية «د ب أ». وتعج المحال والأسواق والمركز التجارية في أرجاء بغداد بأنواع فاخرة من لعب الأسلحة كالمسدسات والبنادق والمفرقعات من مناشئ غالبيتها من الصين، وبعضها يشبه إلى حد كبيرة البنادق التي يحملها الجنود العراقيون والأميركيون فضلا عن أنواع أخرى كثيرا ما تشاهد في أفلام الخيال العلمي أو أفلام الكرتون.

ولا يقتصر المعروض في الأسواق العراقية على هذه الأنواع، بل إن هناك أنواعا أخرى لا تقل أهمية، وهي تشهد إقبالا كبيرا خاصة تلك التي تأخذ شكل جنود حاملين أسلحتهم أو شكل المركبات التي تتحرك بالبطاريات وهي تحمل جنودا لا تختلف كثيرا عن الجنود الذين يجوبون شوارع بغداد يوميا حاملين أسلحتهم لمطاردة المسلحين والميليشيات الخارجة عن القانون.

ويصبح منظر شوارع وأزقة بغداد لافتا خلال عيدي الفطر والأضحى حيث تنشط تجارة السلاح في المحال وتلقى رواجا كبيرا مع حرص الأطفال على اقتنائها ومن ثم أداء أدوار تمثيلية في الشوارع لمشاهد مواجهات مسلحة أو مشاهد مداهمات أو انتشار كالتي يقوم بها أفراد الجيش العراقي والأميركي يوميا في الشوارع. ويقول ليث الخالدي، 52 عاما، صاحب محل تجاري ببغداد، تعليقا على هذه الظاهرة: «ألعاب الأسلحة والقتال تلقى رواجا بين الأطفال وهم يعشقونها إلى حد الجنون ومن الصعب منعها عنهم بالقوة، لكن يمكن التعامل معها بهدوء حتى تضمحل وتنتهي». وأضاف: «لدينا مخزون هائل (من هذه الألعاب) وهناك طلب متزايد عليها في جميع الأحياء لكنها تنشط في الأحياء الشعبية».

وقالت النائبة نادرة العاني عضو لجنة المرأة والطفولة في البرلمان العراقي: «إن اللجنة ومنذ تشكيلها عملت كل ما في وسعها من أجل أن تشرع قوانين تسهم في إعداد أسرة عراقية صالحة مع العمل على الحفاظ على حقوق ومستحقات الأسرة والمرأة والطفولة». وأضافت: «أن اللجنة تقدمت بمشروع قانون إلى مجلس النواب يقضي بمنع استيراد ألعاب الأطفال المحرضة على العنف.. وهذا القانون يأتي في إطار مساعي اللجنة لبناء طفولة عراقية بعيدة عن الأحداث أو الاضطرابات التي مر ويمر بها العراق». وتابعت قائلة: «إن ثقافة العنف التي انتشرت في المجتمع العراقي بدأت تلقي بظلالها على سلوكيات الأطفال حيث نرى أن الطفل العراقي بدأ ينجذب إلى نوع معين من الألعاب وتحديدا الألعاب التي صممت بشكل يشبه الأسلحة النارية الحقيقية والتي باتت منتشرة في كل مكان في العراق». وأوضحت «أن الكثير من الحوادث سجلت أن القوات الأميركية أو العراقية كانت كثيرا ما تتوهم بمن يحمل هذه الأسلحة فتطلق عليه النار ظنا منها أنه يستهدفها».

ويتعرض الأطفال في العراق إلى انتهاكات خطيرة أبرزها استعانة الجماعات المسلحة بهم لتنفيذ عمليات تفجيرية بأحزمة ناسفة أو باستخدام الدراجات، حيث تمكنت السلطات العراقية الشهر الماضي من اعتقال ستة فتيان تصل أعمارهم إلى 15 عاما تم تدريبهم في مدينة الموصل (400 كم شمالي بغداد) لتنفيذ عمليات انتحارية ضد تجمعات الجيش والشرطة العراقية والجيش الأميركي ومجالس الإسناد «الصحوات» فضلا عن اعتقال خلايا أخرى مشابهة شمال بغداد.

وتسعى لجنة المرأة والطفولة في البرلمان العراقي إلى تشكيل لجنة عليا لرعاية الأطفال في العراق ترتبط برئيس الحكومة لتجاوز كل المنظمات التي فشلت في تقديم الدعم لهذه الشريحة الهامة من المجتمع. وقال جمال حسن العتابي، المدير العام لدار ثقافة الأطفال بوزارة الثقافة العراقية: «لا تزال خطط وبرامج الحكومة العراقية ضيقة لإشاعة ثقافة جديدة بين الأطفال حيث يقتصر نشاط الدار على بغداد فقط فيما تفتقر المحافظات إلى مراكز متخصصة في إشاعة الثقافة بين الأطفال». وأوضح «أن ضعف الدعم الحكومي لفتح آفاق جديدة لتنمية مهارات الأطفال وضعف الرقابة على الاستيراد فسح المجال أمام انتشار ألعاب محرضة على العنف وبيعها بأسعار مقبولة مما ولد إقبالا منقطع النظير وفسح المجال أمام شيوع ثقافة العنف عند الأطفال وهذا أمر خطير وستكون له انعكاسات سلبية في المستقبل». وقال «لا بد من صدور قرار حكومي لمنع استيراد مثل هذه الألعاب القتالية مستقبلا والدعوة إلى استيراد ألعاب وأجهزة تنمي قدرات الأطفال العقلية والجسمانية». وأضاف: «بصراحة لا يوجد أي تنسيق مشترك بين جميع الوزارات والمؤسسات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني بشأن تطوير واقع الطفولة وأعتقد أن هذا الضعف قاد إلى قيام المسلحين باستغلال أوضاع الأطفال ومن ثم زجهم في أعمال العنف».