العراقيون اللاجئون إلى أميركا يخاطرون بأمنهم الاقتصادي حفاظا على أرواحهم

أحدهم شاكيا: بعد مآسي الماضي الآن المستقبل هنا.. 4 أفراد في غرفة واحدة

TT

قبل عامين، كان فراس الصفار عاملا متميزا في إحدى مطابع بغداد، وكان قد حصل على عقد مع السلطات الأميركية يقوم بموجبه بطباعة منشورات خاصة بعمليات المساعدة وملصقات لوحدات الجيش وملايين النسخ من الدستور العراقي الجديد. واليوم، يعيش الصفار، الذي يبلغ من العمر 31 عاما، لاجئا عاطلا عن العمل في مدينة تاكوما بارك بولاية ماريلاند، وهو من ضمن عدد كبير من الحرفيين العراقيين، الذين حصلوا على امتيازات هجرة خاصة لتعرضهم للتهديدات أو العنف بسبب عملهم مع السلطات الأميركية. وبالنسبة للكثيرين، مثل الصفار، فإنهم بهذا يخاطرون بأمنهم الاقتصادي من أجل الحفاظ على أنفسهم. انتقل الصفار مع زوجته وابنتيه، إلى شقة صغيرة، وأكثر شيء يحرص عليه الرجل هو جهاز كومبيوتر محمول به صور من عمله في العراق وصور يأمل من خلالها في أن يتمكن من الحصول على وظيفة جديدة في الولايات المتحدة. يقول الصفار: «أستطيع القيام بالعديد من الأشياء، فلدي الكثير من الأفكار». يوجد على مائدة المطبخ تذكار بالأخطار التي تركها وراءه، ومن بينها كتاب تعليمي ساخر صممه لابن عمه الصغير، الذي قتل بعد إطلاق الرصاص عليه في فناء إحدى المدارس العراقية. يقول الصفار: «هذا من مآسي الماضي، والآن المستقبل هنا، أربعة أفراد في غرفة واحدة».

حصل الصفار على أكثر مما حصل عليه عراقيون كثر، فحسب منظمات في الولايات المتحدة، فان آلافا من العراقيين مؤهلون للهجرة، ولكنهم لم يتمكنوا من السفر للولايات المتحدة حتى الآن، ومازالوا عالقين في العراق عرضة للانتقام من المنظمات المناوئة للولايات المتحدة. ويقول مسؤولون في وزارة الخارجية إن التأخير يرجع جزئيا إلى الأعباء الكبيرة على مكاتب القنصلية في العراق والدول القريبة، بالإضافة إلى المعوقات التي تظهر بسبب الحاجة إلى دراسة ماضي هؤلاء العراقيين من قبل وزارة الأمن الداخلي. ويقول كيرك جونسون، وهو عامل إغاثة أميركي كان يعمل في العراق ويدافع عن قضية اللاجئين، إن الحكومة لم تقم باللازم حتى الآن. ويضيف أن إجراءات أسرع وأكثر فاعلية كان يجب أن تتخذ لمساعدة العراقيين على العيش الآمن، لاسيما من قاموا بخدمات جريئة مثل المترجمين في مناطق القتال أو من قاموا بوظائف فيها الكثير من المخاطر. وقد كتب جونسون، الذي يدير «ليست بروجكت» وهي مؤسسة غير ربحية، قائمة تضم نحو 1000 عراقي مؤهلين للذهاب للولايات المتحدة لم يصل منهم سوى 31 شخصا للأراضي الأميركية. وفي محاولة لدفع المسؤولين لاتخاذ قرار للتعجيل بإعادة توطينهم، قام جونسون بإحضار الوافدين الجدد إلى واشنطن للشهادة أمام الكونغرس وللتحدث مع الصحافيين. وقال جونسون خلال ورشة عمل حول اللاجئين أقيمت الشهر الجاري: «الكثير من هؤلاء تعرضوا لتهديدات وللتعذيب، وتعرض أقاربهم للاغتصاب والقتل لأنهم ساعدوا الولايات المتحدة». والجزء الثاني من قضية جونسون هو توفير وظائف مناسبة للحرفين النازحين بدلا من العمل سائقين للسيارات او غير ذلك، وهو ما يعد المصير المتكرر للاجئين الأجانب المتعلمين. وكانت ورشة العمل التي أقيمت حديثا تهدف إلى تدريبهم على مهارات البحث عن الوظائف. جلس نحو 40 شخصا، يرتدون ملابس مهندمة ومعظمهم في منتصف العمر، أمام 40 متطوعا يتعاملون بصرامة وهم يراجعون سيرهم الذاتية ويمطرونهم بالأسئلة باللغة الإنجليزية. كان العراقيون يجيبون بأدب على أسئلة تتعلق بتاريخهم الوظيفي ومؤهلاتهم والأماكن التي يرغبون في العمل بها، ولكنهم كانوا يجدون صعوبة في التحدث بالإنجليزية. تحدث مترجم سابق لوزارة الدفاع الأميركية، يعيش الآن في مدينة ناشفيل الأميركية، باستفاضة حول خبرته مهندسا مدنيا وحول الجسور والمكاتب التي ساهم في بنائها في العراق. كان أسلوبه رسميا وإجاباته فنية جدا. يقول المهندس، الذي يدعى هاشم عباس: «إنه أمر صعب للغاية، فأنا أعمل سائق تاكسي وأعمل في الليل، وفي النهاية أحصل على 50 دولارا في اليوم، وهذا لا يكفي. لدى ابني الكثير من المشاكل، فهو لا يمشي ويصرخ طوال الليل. نعيش في قلق طوال الوقت، ولا نتمتع بالتأمين، ونضطر لطلب الصدقات. هذه فضيحة. أحب أن أفعل شيئا في الولايات المتحدة، أتمنى أن أعمل مهندسا من أجل مستقبل أولادي».

وحسب مسؤولين أميركيين، يحصل بعض العراقيين على مساعدات حكومية قصيرة المدى تتضمن أموالا لاستئجار مكان للعيش وشراء الطعام، ولكن يضطر البعض الآخر للاعتماد على الجمعيات الخيرية الخاصة والدينية. وعلى الرغم من أن الكثيرين يأتون للولايات المتحدة ومعهم تصريح قانوني بالعمل، يضطر آخرون للانتظار لشهور للحصول على مثل هذا التصريح. وبالنسبة لأثير مسلم، الذي يبلغ من العمر 26 عاما ويعيش في الوقت الحالي في إحدى الكنائس مع زوجته وطفلته الرضيعة، فإن العيش الآمن يبدد مرارة الانتظار الطويل من أجل الحصول على أوراق الهجرة وتصريح العمل، بعد الكابوس المرير الذي كانوا يعيشون فيه.

كان مسلم، وهو محلل كومبيوتر، يقوم بالعديد من الوظائف الحساسة للسلطات الأميركية في العراق بدءا من تحليل المعلومات الاستخباراتية إلى العمل وسيطا بين القوات الأميركية والقادة المحليين في مناطق النزاع. ومع أنه كان يحرص على تغطية وجهه خلال أداء مهامه مع قوات الجيش الأميركي، بدأت تصله تهديدات وصلت إلى عدة محاولات لقتله.

ويقول مسلم: «كنت أحلم بالسفر لأميركا ولكن ليس بهذه الطريقة». يعيش الرجل في شقة لا يوجد بها أي شيء سوى سرير وبعض لعب الأطفال وتلفزيون تبرعت به منظمة كواكر. ويضيف، «قضيت الأشهر الثمانية الماضية بلا وظيفة. لن أظل أنوح وأبكي، ولكن سأقوم بأي وظيفة كي أحيا. أعلم جيدا أنني لا أستطيع العودة إلى العراق. كل ما أريده هو وظيفة أبدأ حياتي بها».

* خدمة: «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»