طرابلس: عمليات حرق وسرقة «على الهوية» للمنازل والمتاجر

عاصمة الشمال اللبناني لا تزال أسيرة التشنج والإشاعات

جنديان لبنانيان يوقفان أمس شابا في شارع سورية في مدينة طرابلس والذي يعتبر الخط الفاصل بين منطقتي باب التبانة وجبل محسن اللتين كانتا ساحة لمعارك ضارية قبل يومين (أ ف ب)
TT

اذا كان أزيز الرصاص قد توقف على خطوط التماس بين منطقتي التبانة وجبل محسن في مدينة طرابلس منذ الرابعة من بعد ظهر الاثنين الماضي عقب انتشار الجيش، مدعوماً بقوى الامن الداخلي، في مناطق القتال، فان اجواء التشنج والتوتر ما زالت تتفاقم ساعة بعد ساعة وتنذر بأوخم العواقب اذا لم تتم المعالجات بشكل سريع وحاسم. الامر الذي دفع مفتي طرابلس والشمال الشيخ مالك الشعار الى دعوة جميع الافرقاء السياسيين الى الاجتماع في منزله امس ملوحاً بإعلان مواقف حادة وقاسية، وفق مصادر قريبة منه.

وفي الواقع، سجلت الساعات الـ24 الماضية المزيد من المؤشرات التي يؤدي كل منها الى العودة الى نقطة الصفر. ففيما كان المواطنون يستعدون لتفقد منازلهم ومتاجرهم المتضررة، كانت الشائعات تلعب دورها، ولاسيما لجهة هذا المسؤول الامني الذي يتولى امن منطقة التبانة او العكس. وهذا الامر ترجم ظهوراً لتجمعات من الشبان عند مداخل الشوارع والازقة، ما يعني انهم مستعدون لمعاودة حمل السلاح لحظة تلقيهم الاشارة بانهيار الاتفاق. وقد تولت مجموعات اخرى استهداف منازل ومتاجر تعود ملكيتها لمواطنين من خارج المنطقة. وعمد افراد هذه المجموعات الى سرقتها واحراقها لمجرد ان اصحابها ينتمون الى طائفة اخرى. وفي هذا الاطار سجل امس احراق محطة وقود عند المدخل الشمالي لشارع سورية الذي يفصل بين جبل محسن والتبانة، ومنزل لشخص من آل تيشوري وسط الشارع نفسه، وآخر في الشارع الجديد في القبة. وعمد شبان الى القاء زجاجات حارقة (قنابل مولوتوف) ما ادى الى اشتعال حرائق في عدد من الاماكن. وجرى تحطيم زجاج اكثر من سيارة في محيط مناطق التوتر.

ووسط هذه الاجواء، صدرت مواقف عن بعض القيادات المسؤولة عن المسلحين. فقال رفعت عيد، نجل النائب السابق علي عيد، وأحد كبار المسؤولين في «الحزب العربي الديمقراطي» ذي النفوذ القوي في منطقة جبل محسن: «ان التوتر لا يناسبنا اطلاقاً. وكل التوترات والاستفزازات التي استهدفت منطقتنا او التي ستستهدفها لن نرد عليها لأن المشكلة هي عند الطرف الآخر الذي يوجد عنده مائة رأس ورأس، حيث ان كل مجموعة مسلحة لها مسؤول وله مرجعية بعيدة عن الاخرى. ونؤكد ان كل ما يطلبه منا الجيش لتسهيل مهمته نحن مستعدون لتنفيذه» مشيراً الى ان ما بين اربعين وخمسين عائلة في منطقة جبل محسن ومحيطها تنتمي الى الطائفة السنية و«لم ولن يتعرض لها أحد».

اما أحد مسؤولي المجموعات المسلحة في منطقة التبانة، فقال في اتصال اجرته معه «الشرق الاوسط» واصرّ على عدم ذكر اسمه، ان سبب الارتباك «هو عدم وجود مرجعية واحدة» طارحاً علامات استفهام عدة حول المهمة الموكلة الى القوى الامنية «التي سجلت انتشاراً كثيفاً في اليوم الاول ثم بدأ يتراجع. ويرافق ذلك المزيد من الشائعات المغرضة التي لا نستطيع تحديد مطلقيها او مروجيها». هذا، وعقد رئيس «جمعية الدعوة والعدل والاحسان» الشيخ حسن الشهال مؤتمراً صحافياً في مقر الجمعية في ابي سمراء شدد خلاله على ضرورة سعي كل القيادات الى «اطفاء الفتنة». ووجه انتقادات عنيفة الى «حزب الله» والوزير السابق وئام وهاب داعياً المعارضة الى التوقف عن اتهام السلفيين «ظلماً وعدواناً بأخطر الاتهامات التي هم منها براء»، وتمنى تفعيل دور الدعاة (من سلفيين وسواهم) من اجل تنقية الاجواء من الفتنة وبواعثها». ودعا «من يوجهون التهم الباطلة الى المملكة العربية السعودية، ملكاً وحكومة وشعباً، الى الاعتذار لما صدر ويصدر عن بعض السفهاء الزعران. لا بل توجيه الشكر لها (المملكة) لما قدمته وستقدمه الى لبنان».

وعلى صعيد مساعي التهدئة، كان لافتاً سلسلة الاتصالات الهاتفية التي اجراها أمس رئيس الحكومة فؤاد السنيورة مع فاعليات طرابلسية بينها الرئيس عمر كرامي، الرئيس نجيب ميقاتي، النائب السابق علي عيد، ومع رئيس هيئة الاركان قائد الجيش بالانابة اللواء شوقي المصري والمدير العام لقوى الامن الداخلي اللواء اشرف ريفي. وقد شكر السنيورة الذين اتصل بهم على جهودهم في العمل على تهدئة الاوضاع في طرابلس للحؤول دون تكرار ما حدث من «مواجهات مؤسفة ومرفوضة» وخص بالتنويه «الدور الذي قام ويقوم به الجيش اللبناني وقوى الامن الداخلي في الشمال وتحديدا في طرابلس»، طالبا العمل على «تطبيق القانون واتخاذ الاجراءات بحيادية بحق المخالفين وأي شخص يعكر صفو الامن».

من جهته، تابع النائب سعد الحريري الاوضاع في طرابلس. وابدى اهتماما خاصا بالجهود المبذولة لمعالجة اثار الاشتباكات واضرارها، وطلب من منسق «تيار المستقبل» في الشمال عبد الغني كبارة زيارة عائلات الضحايا الذين سقطوا جراء الاشتباكات لمواساتها والوقوف الى جانبها وتقديم التعازي الشخصية باسمه. كما كلفه زيارة الجرحى في المستشفيات التي يعالجون فيها والاستفسار عن حالاتهم ومتابعة مراحل علاجهم واوعز بتشكيل فريق مختص لاجراء مسح شامل للاضرار التي لحقت بممتلكات المواطنين تمهيداً لتعويضهم.

وتساءل النائب سمير الجسر، في حديث تلفزيوني أمس، عن سبب قيام بعض التنظيمات بتدريب عناصرها في اماكن معروفة وعن سبب توزيع السلاح. داعيا الجميع الى «الحفاظ على مستوى التخاطب السياسي». وقال: «انا اعتقد ان لا احد يستطيع ان يفرض اي حل سياسي بواسطة الفتن او اعمال الشغب. وما يحدث هو محاولات ضغط على تأليف الحكومة. ولكن، في النهاية، هذا لن يأتي بأي نتيجة على الاطلاق». وقال الجسر: «نحن سمعنا ان هناك تنظيمات كثيرة أرسلت عناصرها لتتدرب في مراكز تدريب معروفة. نحن نسأل سؤالا اساسيا: لماذا وزع السلاح ولماذا ارسل هؤلاء الى التدريب؟ طرابلس ليست مدينة جنوبية تقع على تخوم فلسطين، فلا اعلم لماذا يجري تسليح هؤلاء الناس وتدريبهم؟». من جهته، طالب رئيس جمعية تجار لبنان الشمالي، اسعد الحريري، الجيش والقوى الامنية بالإسراع في ايجاد حل لمشكلة السلاح المنتشر بشكل عشوائي بين ايدي جميع الفرقاء.