مصادر فرنسية تتحدث عن «إشارات سورية» بشأن إعادة النظر في العلاقة مع إيران

TT

كشفت مصادر فرنسية واسعة الإطلاع عن وجود اختلافات في وجهات النظر داخل الحكومة الإسرائيلية إزاء تسوية ملف مزارع شبعا عن طريق وضعها تحت الوصاية الدولية بانتظار أن يحسم وضعها وترسم الحدود بين لبنان وسورية. وقالت هذه المصادر في لقاء ضيق مع صحافيين عرب في باريس إن وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني «تعارض بتاتا» فتح الملف والعمل بما يتضمنه قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701 «لأسباب سياسية». ويجاريها في هذا الرأي وزير الدفاع إيهود باراك الذي يركز عل أهمية احتفاظ إسرائيل بالمزارع «لدواع أمنية وعسكرية». أما رئيس الحكومة، إيهود أولمرت، فإنه «يرمي الكرة في الملعب السوري» ويطالب الذين يدعونه لإغلاق هذا الملف بـ«التوجه أولا الى السوريين».

وتؤكد المصادر الفرنسية، بشكل عام، أن الجانب الإسرائيلي «لم يعد يمانع في مناقشة الموضوع»، غير أنها ترى أن «الحل ما زال بعيدا». وتتدارس باريس وأطراف في مجلس الأمن «سيناريوهات» محددة للتغلب على الصعوبات «التقنية» لنقل المزارع الى الوصاية الدولية، وأولى هذه الصعوبات تتمثل في توفير «الضمانات الأمنية» لإسرائيل لكي تقبل السير في هذا الحل. وفي هذا السياق، تعتبر باريس أن القوات الدولية المنتشرة في جنوب لبنان يمكن أن تدخل الى مزارع شبعا بحيث تصبح مسؤولة عن الأمن فيها وعما يمر عبرها. وتتوقع باريس أن «تعارض» دمشق انتشار الجيش اللبناني في شبعا «لأنه يعني اعترافا بلبنانيتها وهو ما لم تقبل سورية، حتى الآن، توثيقه رسميا».

وتعتبر فرنسا أن أحد الشروط الإسرائيلية هو منع حزب الله من الوصول الى المزارع المذكورة «لحرمانه من الادعاء بأنه حقق نصرا جديدا على إسرائيل» ما من شانه، وفق النظرة الإسرائيلية، تقويته سياسيا «بينما الغرض المرجو هو نزع ورقة احتلال المزارع من يديه تمهيدا للانتقال الى طرح موضوع سلاحه». وقالت المصادر الفرنسية إن الرد على ذلك «يتم عبر تدويل المزارع ونشر قوات دولية فيها ومنع عناصر الحزب من الوصول اليها»، الأمر الذي تعود مسؤوليته الى القوة الدولية. غير أن العقبات ليست فقط «تقنية» إنما هي «سياسية بالدرجة الأولى». وتتساءل الأوساط الفرنسية عما «يمكن تقديمه لإسرائيل مقابل الانسحاب من المزارع».

والجواب المتداول اليوم هو أن الانسحاب، إذا ما تم وفق «التصور» الإسرائيلي سيكون من نتائجه نزع حجة السلاح من حزب الله الذي سيطرح بقوة على الساحة اللبنانية والدولية وتوفير الأمن على الحدود الشمالية لإسرائيل وتحييد الحزب المذكور عن أي نزاع عسكري قد ينشب بين إسرائيل وإيران بسبب الملف النووي الإسرائيلي. وفي سياق مواز، تعتبر المصادر الفرنسية أن التحالف الاستراتيجي القائم بين طهران ودمشق «يمكن أن يتغير». وأكدت هذه المصادر أنه «ثمة إشارات» تدفع الى الاعتقاد أن سورية «يمكن أن تعيد النظر بعلاقتها مع إيران». وترصد هذه المصادر خمسة عوامل تدفع في هذا الاتجاه: أولها أن العراق أصبح مصدرا للتنافر بين دمشق و طهران «إذ لا تنظر دمشق بعين الرضى لقيام عراق إسلامي تحت التأثير الإيراني الكامل». أما العامل الثاني فيتمثل في الخلاف السوري ـ الإيراني حول لبنان «حيث لا مصلحة لسورية الساعية اليوم لإصلاح علاقتها بالغرب في تفجير الوضع في لبنان» فضلا عن أن سورية «لا تريد استقواء حزب الله الى درجة يخرج معها من الوصاية السورية» بحيث «تصبح له استقلاليته وسياسته وأهدافه الخاصة وهو ما لا تريده دمشق بأي حال».

أما العامل الأهم فهو أن دمشق «لا تريد أن تكون رهينة النزاع الإيراني ـ الإسرائيلي «في حال تطور الوضع الى قيام حرب في الشرق الأوسط بحيث أن الرد الإسرائيلي على أعمال عقابية إيرانية ضد إسرائيل قد يطال سورية. وفي هذا الإطار، تعتبر باريس أن الهدف الأول للنظام في سورية هو استمراريته وسلامته. من هنا، فإن المصادر الفرنسية تقدر أن لسورية «بدائل استراتيجية وسياسية حقيقية» عنوانها الابتعاد عن إيران والتقرب من الغرب والتفاوض على السلام مع إسرائيل. وفي هذا الخصوص، تؤكد المصادر الفرنسية أن الطبقة السياسية الإسرائيلية يمينا ويسارا تعتبر أن التوصل الى اتفاق مع سورية «أسهل من التوصل الى سلام مع الفلسطينيين» خصوصا أن التوصل اليه يعني «تلزيم سورية أمن المنطقة الشمالية علما أن ما يهم إسرائيل ليس الجولان بل أمن هذه المنطقة». أما العامل الرابع فهو «العوائد» التي يمكن لسورية أن تجنيها من تغيير توجهاتها الاستراتيجية في المنطقة خصوصا من الدول العربية الخليجية ومن الاتحاد الأوروبي ومن عودتها الى الأسرة الدولية. وفي هذا السياق، فإن اتفاق الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وسورية «جاهز ولا يحتاج إلا للتصديق» ويمكن أن يكون أولى ثمار الانفتاح على سورية.

وترى المصادر الفرنسية أن العامل الخامس هو الأهم في الحسابات السورية، إذ يتناول عمل المحكمة الدولية المولجة باغتيال الرئيس الحريري ورفاقه. وثمة «قناعة» فرنسية مفادها أنه «إذا حصل تغير جذري في السياسة السورية وتحولت دمشق الى جهة مقبولة ويمكن التعامل معها، فإن ملف المحكمة يمكن أن يدفن بأكثر من طريقة» ليس أصعبها تأجيل عمل المحكمة بذرائع مختلفة. وتؤكد المصادر الفرنسية أن هذه العوامل «من شأنها التأثير على القرار السوري لأنه يعيد دمشق حلقة رئيسية في الشرق الأوسط ويجلب لها المنافع ويقربها من استعادة الجولان.