انفجار في طرابلس يسقط قتيلا و21 جريحا ويعزز المخاوف من استهداف المدينة

كرامي يعتبر الجيش «الملاذ الأخير» وميقاتي يندد بحروب «الأخوة»

جانب من المبنى وقد هدمت واجهته جراء التفجير الذي وقع بداخله (أ.ف.ب)
TT

هزّ عند الخامسة والنصف من صباح أمس انفجار منطقة باب التبانة في مدينة طرابلس في الشمال اللبناني، التي شهدت اشتباكات وتوترات في الايام القليلة الفائتة. فقد وضعت عبوة ناسفة عند مدخل مبنى الحاج احمد عيد المؤلف من خمس طبقات، ادى انفجارها الى سقوط قتيل واصابة اكثر من 21 شخصا بجروح، بالاضافة الى سقوط قسم كبير من الطبقة العليا الاولى واضرار كبيرة في المبنى والمباني المجاورة والسيارات. واحدث التفجير هلعا شديدا في المنطقة، حيث نزل مئات المواطنين الى الشوارع، وعمل قسم كبير منهم على مساعدة الجرحى ونقلهم الى المستشفيات، فيما نشطت فرق الدفاع المدني لاخماد الحريق الذي نتج عن الانفجار، واجلاء المواطنين الذين علقوا في الطبقات العليا من المبنى، فيما بدأت تسمع رشقات نارية ما لبث ان توقفت.

وقد وقع الانفجار على مسافة بين 150 مترا الى مائتي متر من شارع سورية الذي يعتبر خط التماس بين المنطقتين المتناحرتين منذ ثلاثة عقود ونصف العقد، حتى ان الكثير من المباني في هذا الشارع لم يرمم وما زال شاهداً على ما سجل طوال تلك المدة من صراعات.

وازدادت حال البلبلة والتوتر بين المواطنين في ظل موجة الشائعات التي بدأت باتهام منطقة جبل محسن بالوقوف وراء الانفجار، لكن رفعت عيد المسؤول في «الحزب العربي الديمقراطي» سارع الى اصدار بيان استنكر فيه ما حصل وما يتعرض له الاهالي في باب التبانة من اعمال شغب واعمال مشبوهة من الطابور الخامس، متمنياً على الاهالي عدم الانجرار لما يُخطط له من فتن. وناشد الجيش الضرب بيد من حديد لوأد الفتنة.

ولاحقا، وجّهت الشائعات باتجاه جهات حزبية اخرى، وتحديدا «الحزب السوري القومي الاجتماعي». وقرابة التاسعة قبل الظهر، وفيما كان احد مسؤولي «افواج طرابلس» القريبة من «تيار المستقبل»، ويدعى محمود الاسمر الملقب بـ«ابو عبد الله»، يتفقد مكان الانفجار مع عدد من ابناء المحلة تصدى لهم بعض المسلحين في محيط المبنى، ولاسيما منهم المدعو شادي عيسى بحجة ان الاول يحمي متاجر عائدة للطائفة العلوية من آل شمسين. وتم تبادل اطلاق نار اصيب خلاله الاسمر واحد ابنائه وشخصان آخران احدهما يدعى ابو جمال الراعي والآخر ابو احمد ضباب.

وكان قد سُجّل ليل الجمعة ـ السبت احراق احد المحلات في شارع سورية نتيجة توجيه اطار مطاطي مليء بالمواد الملتهبة. وعندما حاول البعض اطفاء الحريق رميت قنبلة باتجاههم فأصيب ثلاثة منهم عرف منهم: خالد صالح وأسعد عبد الله. وحتى ساعات بعد الظهر كان الوضع بين المنطقتين يشهد توتراً ملحوظاً رغم الانتشار المكثف لوحدات الجيش وقوى الامن الداخلي. كما سجل خلال الليلة نفسها محاولة احراق احد المقاهي الذي يملكه شخص من آل بعيني من الطائفة العلوية في شارع قاديشا وسط مدينة طرابلس، لكن المحاولة باءت بالفشل نتيجة تصدي بعض سكان المحلة لهم.

وفي هذا الاطار، اعتبر وزير الاشغال العامة والنقل محمد الصفدي ان «طرابلس تمر بظروف دقيقة جدا، إذ أن الفتنة الأهلية أطلت برأسها وكادت تشعل حربا مذهبية لولا تدارك القيادات الواعية وتجاوب الأكثرية الساحقة من الأهالي مع مساعي التهدئة».

وأضاف: «رهان أبناء طرابلس كان ولا يزال على مؤسسات الدولة وقواها الشرعية عن اقتناع وليس عن ضعف. أما اعتراضهم فهو للمطالبة بحقهم في الإنماء وهم مستحقون. وبصراحة أقول، نحن أهل طرابلس والمدن الساحلية وأهل السنة بالتحديد، لم نشعر يوما بالحاجة إلى الميليشيا والأمن الذاتي، لأننا تشبعنا بروح الديمقراطية والمؤسسات الشرعية التي أرساها نمط الحياة في المدن سياسيا وثقافيا وتجاريا. وأبعد من ذلك أقول ما من يوم إلا وكان السنة حاضنين للأقليات الدينية والعرقية، فنحن أهل هذه المنطقة، نحن الغالبية التي لم تشعر يوما بعقدة الأقليات». وشدد على ان «الناس يريدون حكومة تطمئنهم إلى أن سلاح المقاومة يرفع في وجه إسرائيل فقط ويحرم استخدامه في الداخل. الناس يريدون حكومة يلتزم وزراؤها بالمصلحة العامة دون سواها، فلا يشترطون على الناس الولاء مقابل الإنماء ولا يرهنون إرادة الناخب مقابل حصوله على الخدمة. الناس يريدون حكومة تكون الموالاة فيها للوطن، والمعارضة لكل ما يهدد وحدة الوطن». وفي المقابل، رفض الرئيس السابق عمر كرامي «اعتبار الشمال وحده مستهدفا، لأن لبنان كله مستهدف. فثمة أيد تحاول بكل الطرق خلق الفتن. وهذا يحتاج الى تدابير أمنية حازمة في التعامل مع المخلين». ورأى «انه لو تألفت الحكومة لكانت نفست الضغط الأمني». ودعا الجيش الى «عدم التساهل والتهاون مع أحد لأنه الملاذ الأخير«. وشدد على «ان المشكلة لا تحل إلا بمؤتمر وطني عام. فالطائف انتهك ومن مسؤولية رئيس الجمهورية الدعوة لمؤتمر وطني شامل يضع أسسا جديدة لإعادة صياغة الحكم في لبنان».

أما رئيس الوزراء السابق نجيب ميقاتي فأعرب عن «ألم شديد ممزوج بالأسى لما تشهده مدينتنا الحبيبة طرابلس حالياً من صراع بين ابناء وأخوة، اندفعوا غرائزياً الى معركة خاطئة في المكان والزمان. فالوقت بالتأكيد هو لتوحيد الصف الوطني في مواجهة تحديات خطيرة يشهدها لبنان والمنطقة، وليس لحروب الاخوة العبثية التي يدفع ثمنها الابرياء وتلحق الدمار بمدينتنا وتسيء الى صورة طرابلس وابنائها». وقال: «المواجهة الحقيقية اليوم، ايها الاخوة، ليست للسيطرة على ميادين طرابلس وازقتها، بل للتغلب على التدهور الاقتصادي الذي يزيد شعبنا بؤساً وحرماناً وهجرة. الصراع الحقيقي هو ضد الفقر والتخلف. المواجهة الفعلية هي لتحقيق مشروع بناء الدولة المستقرة». من جهته، رأى عضو كتلة «المستقبل» النائب مصطفى علوش «ان هناك استهدافا للمدينة من ضمن استهداف لبنان بأجمعه. وهناك اتجاه لوضع مدينة طرابلس تحت التهديد الأمني المستمر حتى تصبح في حالة شديدة الصعوبة، خصوصا ان الوضع الاقتصادي متردّ». واعتبر ان «ما يحدث الآن استمرار لما بدأ في بيروت وأي شيء آخر هو خارج عن الحقيقة». وعن التحرك المطلوب من المسؤولين في الشمال للجم الاعتداءات المتواصلة في طرابلس، اوضح «ان هناك دوراً للجيش لم يستكمله بعد وهو أن يقبض على المجرمين والمعتدين. هناك نوع من الميوعة في الحقيقة لتنفيذ هذا الدور ولسنا ندري حتى الآن لماذا يحدث كل ذلك. لقد شجّعنا الجيش وقوى الأمن من خلال كل الاجتماعات التي أجريناها معهم على ان يكونوا حازمين مع كل الجهات وان يرفعوا الغطاء عن الجميع. وهناك في الوقت نفسه نوع من التعاون اللفظي من جهة القيادة المسؤولة عن بعل محسن، أما عمليا فنسمع كلاماً ولكن على الأرض هناك توتير دائم واعتداءات دائمة». وأعرب عن اعتقاده بأن «هناك توجهاً واضحا من المعارضة او ما يُسمى المعارضة وأعوانهم لاستمرار التوتير وذلك للضغط الدائم على كل اللبنانيين». وفيما استنكر نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان في تصريح له الانفجار، معتبرا انه استهداف لمسيرة السلم الأهلي، رأى ان أفضل رد على هذه الجريمة البشعة يكون بالإسراع في تأليف حكومة الوحدة الوطنية لتكون سقفا سياسيا لحماية السلم الأهلي من الخروق الإرهابية التي تسعى لبث الفتن الطائفية. ودعا الجيش اللبناني والقوى الأمنية اللبنانية إلى تكثيف التحقيقات لكشف منفذي التفجير وإنزال العقوبات بحقهم. وتحدث عن اتصاله بالرؤساء الثلاثة ومع النائب العماد ميشال عون، فقال: «طلبت منهم السرعة في حل العقد وتسهيل تأليف الحكومة، لذلك علينا ان نتقارب في ما بيننا ونتنازل بعضنا لبعض (...) فهذا الوضع المعيشي الصعب لا يمكن الاستمرار به، لذلك علينا ان نعمل لإنتاج حل ينهي الأزمة القائمة. فلا يجوز ان يستمر البعض في عنادهم، بل يجب ان يتحركوا لحل الأزمة الحالية».

وفي هذا السياق، طالب مفتي طرابلس والشمال الدكتور مالك الشعار المستجدات في اتصال مع الرئيس المكلف فؤاد السنيورة بـ«زيادة عديد الجيش لضبط الامن في طرابلس والاماكن الساخنة».