جماعات مسلحة «تدافع عن الكرامة» وانتقادات للحريري لـ«تقاعسه» عن مدها بالسلاح

حكاية جبل محسن وباب التبانة «ليس رمانة... بل قلوب مليانة»

TT

لا يعكس الهدوء الحذر الذي يشوب الوضع الامني الضاحية الشمالية - الغربية لمدينة طرابلس حقيقة الغليان القائم في المنطقة والذي يتهدد بانفجار كبير في اي لحظة، خصوصا ان الاحتقان البادي بين «الجيران» في منطقتي «التبانة» حيث الوجود السني و«جبل محسن» حيث الوجود العلوي، يتغذى بأحقاد تاريخية وتنافر مؤهل للانفجار في اي لحظة.

في باب التبانة لاتزال المتاريس قائمة، القيمون على الشوارع قبلوا بازالة المتاريس الخارجية، وأبقوا «الداخلية»، فالمسألة بالنسبة اليهم هي قضية وجود. لم تعد المسألة مرتبطة بتيار سياسي يقاتل تيارا آخر، فهناك العديد من الحركات التي نشأت بفعل «الفراغ الامني» القائم في المنطقة والناجم اساسا عن عدم وجود قرار لدى القوى السياسية الاساسية في المدينة بالتسلح - كما يقول أحد القادة الميدانيين لتجمع محلي يقوده نجل خليل العكاوي الذي قتل مع نحو 150 من انصاره في الثمانينات لحظة الدخول السوري الى المنطقة. ويتهم أبو أحمد الاسود رئيس كتلة «المستقبل» النائب سعد الحريري بـ«التقاعس» حاملا عليه لعدم «مده الاهالي بالسلاح أو على الاقل بالمال لشرائه». ووصف التجمع الذي ينتمي اليه بانه «محلي» قائلا: «نحن نريد ان ندافع عن منطقتنا التي تتعرض لاخطار كبيرة جراء ما تقوم به جماعات «الحزب العربي الديمقراطي». معتبرا ان «العلويين الاصيلين من أهالي المنطقة يعيشون خارج منطقة جبل محسن بأمان»، مشيرا الى ان المقيمين في المنطقة سوريون، او سوريون مجنسون». ويتحدث الاسود الذي كان يتصدر مجلسا يضم نحو 20 شابا يحمل بعضهم اجهزة اتصال لاسلكية ويغيب منهم السلاح، عن قرار لدى أهالي المنطقة بـ«الدفاع» عنها وعدم السماح بتكرار التجاوزات التي حصلت بحقهم طوال عهد الوجود السوري في لبنان والتي كان خلالها انصار الحزب العربي الديمقراطي «يعيثون فسادا» بالمنطقة وتجارها. وذكر ان الاهالي يبيعون مصاغ نسائهم وسياراتهم لشراء السلاح من اجل الحفاظ على كرامات السكان والاهالي التي انتهكت مرات عدة في الثمانينات. واشار الى انه قضى 12 سنة في السجون السورية، فيما يكشف أحد الشبان المحيطين به عن ساقه المصابة وانحاء اخرى من جسمه تظهر عليها جليا اثار الندوب، قائلا انها ناجمة عن اصابة تعرض لها بنيران مصدرها جبل محسن في العام 1986، تاريخ آخر المعارك بين التبانة وجبل محسن.

مظاهر الدمار كثيرة في منطقة التبانة، خصوصا على الخط الفاصل مع جبل محسن القريب الذي يطل على المنطقة ويتحكم بها استراتيجيا، و«نتائج» القذائف الصاروخية تترجم بوضوح على جدران المنطقة التي تنبئ وجوه شبانها بالاحتقان الهائل، والاستعداد للأسوأ.أما الطريق الى جبل محسن فتكاد تكون مقفرة والناس تنظر الى المارين عليها بكثير من الريبة. يتطوع صاحب متجر للسمانة من منطقة الشعراني بارشادنا الى منطقة جبل محسن، مع «توصية» مشددة بعدم سؤال اي شخص آخر من المنطقة عن الطريق «فهناك مشاكل والسؤال قد يستفز الناس... احذروا» في جبل محسن أول ما يلفت الزائر البيوت المحروقة التي تظهر علامات الدخان الاسود على جدرانها. وهي بيوت عائدة لسكان غير علويين تركوها خلال الاشتباكات. ويشير أحد عناصر الشرطة الى أحد المباني الذي احرقت فيه نحو 10 مساكن، فيما سلمت أخرى. قائلا ان شباناً اقدموا على حرقها تحت انظار القوى الامنية التي لا تمتلك أوامر بالتدخل.

وفي «الجبل» لا بد من زيارة فيلا النائب السابق علي عيد حيث يقوم نجله رفعت بادارة المعركة والمفاوضات السياسية في وقت واحد. المنزل يعج بعشرات الشبان من انصاره، فيما هو منشغل بمتابعة آخر الاتصالات مع القوى الامنية وبعض السياسيين. وخلفه صور للرئيس السوري الراحل حافظ الاسد، واخرى تجمع والده بالرئيس السوري الحالي بشار الاسد، بالاضافة الى موسوعة من الكتب تحمل صورة الامين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله، واخرى للامام موسى الصدر. النقطة الجوهرية في اتصالات عيد كانت جداراً يطالب «الطرف الاخر بازالته»، يعترف عيد بان الجدار استعمل للقنص، لكنه أكد انه موجود منذ العام 1975 ولا يمكن ازالته لان غيابه يعرض اهالي المنطقة الى الخطر الشديد.. بعد اتصالات مكثفة قام بها عدد من ضباط الجيش الكبار يقبل عيد بان تتم ازالة بعض اجزاء الجدار...

ويؤكد عيد ان «الحزب العربي الديمقراطي» الذي يتزعمه والده «لا يريد القتال مع محيطه»، مشيرا الى ان العلويين اقلية، فهم 50 الفا في الشمال و150 الفا في كل لبنان، نافيا بشدة المعلومات التي ترددت عن ان «حزب الله» يزوده بالسلاح، وقال: «لدينا الكثير من السلاح، ونحن قادرون على مد الحزب بالسلاح اذا اراد». ويشير الى انه لا يعرف من يقاتل «فهناك الكثير من الجهات... ومن بينها اطراف من المعارضة التي نحن منها يقاتلون ضدنا». مشيرا الى انه ابلغ رئيس الحكومة فؤاد السنيورة ان اهالي المنطقة يريدون العيش بسلام ووئام مع محيطهم وانهم يعرفون ان لا مصلحة لديهم بمعاداته. واضعا ما يقوم به في اطار «الدفاع المشروع عن النفس».

ينزل عيد الى الحائط المطل على منطقة التبانة، يستقبله الشبان بالكثير من التهليل والهتافات المرحبة به والمشيدة بوالده. لكن هذه الاشادة تنقلب الى صرخات احتجاج عندما يسر الى انصاره بخبر ازالة الجدار، فيتراكضون الى الجدار متوعدين بعدم التراجع حتى لو سحقتهم آليات الجيش المتوقفة قربه، فيما التزم ضباط وعناصر الجيش جانب الحياد بانتظار نتيجة الاتصالات.

يرى الكثير من سكان المنطقة ان ما يحصل فيها «ليس رمانة... بل قلوب مليانة» على ما يقوله المثل اللبناني. التشنج السياسي – الطائفي القائم بين سكان المنطقتين مرشح للارتفاع في غياب المعالجات السياسية، لكن الأخطر هو لجوء السكان الى «الدفاع الذاتي» الذي انتج الكثير من الميليشيات الصغيرة التي يعترف زعماؤها بان السياسيين قد يتخلون عنهم فيصبحون في نهاية المطاف «رجال عصابات» فيما هم يسعون للحفاظ على كراماتهم وكرامات السكان.