«طالبان» تفرض سيطرتها على بيشاور.. وشعور بقرب انهيار بوابتها في أية لحظة

قامت ببناء قواعد لها بالمدن المجاورة وأقدمت على خطف السكان

TT

خلال الشهرين الماضيين، عمد المسلحون التابعون لحركة «طالبان» فجأة إلى تشديد قبضتهم على هذه المدينة البالغ تعداد سكانها 3 ملايين نسمة والتي تعتبر واحدة من كبريات المدن الباكستانية. وقام المسلحون ببناء قواعد لهم بالمدن المجاورة، وأقدموا، في وضح النهار، على اختطاف سكان المدن والمطالبة بفدية كبيرة لإطلاق سراحهم.

وتتحرك العناصر المسلحة بحرية كبيرة دونما رادع انطلاقاً من المناطق القبلية التي يغيب عنها حكم القانون، الواقعة على بعد 10 أميال، داخل شاحنات مصفحة. وظهر المسلحون داخل دور القضاء بالمدن المجاورة، وأمروا القضاة بالتنحي جانباً وعدم اعتراض طريقهم. ويوم الخميس، اقتحم المسلحون مركزا مخصصا لإدلاء النساء بأصواتهن بضواحي المدينة، ويعمدون في الوقت الحاضر إلى اختطاف الأفراد من أسواق المدينة ومن داخل المنازل. ويسود شعور عام بأن بوابات المدينة قد تنهار بأية لحظة.

ويمثل الخطر الذي يتهدد بيشاور مؤشراً على أن «طالبان» تخترق باكستان بعمق وأن دائرة التهديد الناشئ عن المسلحين تمتد لتشمل الإقليم بأكمله، بما في ذلك خطوط الإمدادات القريبة الخاصة بقوات حلف الناتو والقوات الأميركية المرابطة في أفغانستان.

بالنسبة للولايات المتحدة، يمر الطريق الرئيس لإمدادات الأسلحة الخاصة بقوات الناتو من ميناء كراتشي حتى ضواحي بيشاور وعبر درة خيبر حتى ميادين القتال داخل أفغانستان. وسيكون من العسير للغاية الحفاظ على هذه الطريق حال تعرض المدينة لاختراق شديد من قبل العناصر المسلحة الراغبة في إلحاق الهزيمة بجهود الناتو العسكرية عبر الحدود الباكستانية ـ الأفغانية.

من ناحيتهم، اشتكى القادة العسكريون الأميركيون على مدى شهور طويلة من أن سياسة الحكومة الباكستانية القائمة على التفاوض مع المسلحين أسفرت عن وقوع المزيد من الهجمات عبر الحدود ضد أفغانستان من جانب مقاتلي «طالبان» المتمركزين بالمناطق القبلية الباكستانية.

بيد أن حملة الترويع الفجة التي تتعرض لها بيشاور، الواقعة على بعد 90 دقيقة باستخدام الطرق السريعة، من إسلام أباد العاصمة، تكشف أن التهديد الناشئ عن «طالبان» قائم بقوة على كلا جانبي الحدود، ولا يعتمد فحسب على التفجيرات الانتحارية وإنما أيضاً على الوجود المستمر للعناصر المسلحة بين السكان. وتسود مشاعر الخوف بشكل ملموس داخل هذه المدينة التي تعد عاصمة الإقليم الحدودي الشمالي الغربي، حيث فر الكثير من الأثرياء من منازلهم متجهين إلى دبي، بينما تستعد الأسر الأخرى المنتمية إلى الطبقة الوسطى للرحيل إلى أماكن أخرى داخل باكستان. أما الفقراء فمعرضون للسقوط ضحايا لمخططات المسلحين في أي لحظة. ومع حشد المسلحين لقواتهم، دعت الحكومة الوطنية لعقد اجتماع خاص في إسلام أباد يوم الأربعاء لتناول الوضع الأمني الآخذ في التردي بسرعة كبيرة. وفي اليوم السابق، أثار «فضل الرحمن»، وهو أحد المتعاطفين مع «طالبان»، صدمة المجلس الوطني عندما قال، إن الإقليم الحدودي الشمالي الغربي بأكمله، بما في ذلك بيشاور، على وشك السقوط في هوة التطرف.

وحذر من أن السيطرة الحكومية «غائبة تقريباً» داخل الإقليم، الذي يعد جزءاً لا يتجزأ من باكستان وواحداً من الأقاليم الأربعة التي تتألف منها البلاد. وبذلك يتضح أن شبح سقوط بيشاور يهدد كيان الدولة الباكستانية بأكملها. في أعقاب الاجتماع، أصدرت الحكومة بياناً أعلنت فيه أنها تسلم مسؤولية حفظ الأمن في الإقليم بصورة مباشرة إلى الجيش. وأضاف البيان أنه داخل المناطق القبلية، ستظل الشرطة وجماعة «فيالق الحدود» شبه العسكرية خط الدفاع الأول، وأن سياسة عقد اتفاقات سلام مع المسلحين سوف تستمر. أما المؤسسة العسكرية فستشكل الملاذ الأخير. ويوم الجمعة، قام عدد أكبر من ضباط الشرطة بتنفيذ دوريات على الطرق الرئيسة في بيشاور ونقاط الدخول إلى المنطقة القبلية. ووردت تقارير حول أن «فيالق الحدود» خططت لتنفيذ عملية خلال الأيام القادمة بمنطقة خيبر، المتاخمة للمدينة، لتطهيرها من نفوذ المسلحين الإسلاميين تحت إمرة «منجال باغ»، وهو سائق سابق تحول إلى واحد من أكبر القيادات المتطرفة ويتبعه الآلاف من الأنصار. إلا أن الجدال دائر حول مدى عزم الحكومة القضاء على المكاسب التي جناها المسلحون داخل المدينة. ورغم قربها من العاصمة، شكلت بيشاور دائماً عالماً مستقلاً بذاته، وكثيراً ما عانى الإقليم والمناطق القبلية فيه من التجاهل على يد الحكومات الباكستانية المتعاقبة، حيث حصل الإقليم على نسبة هزيلة من اعتمادات الميزانية الفيدرالية واتسمت بحد أدنى من حكم القانون. حتى الآن، كان هذا الوضع يروق كثيراً لسكان بيشاور والذين اعتمدوا على أنفسهم في إعالة أنفسهم أو حققوا الثراء اعتماداً على طرق التهريب، خاصة أن المدينة تشكل المدخل إلى المناطق القبلية المتمتعة بوضع أشبه بالحكم الذاتي.

كما مثلت المدينة منذ أمد بعيد مركزاً للكثير من المخططات، ففي الثمانينيات، استغل الأميركيون المدينة كقاعدة خلفية للمجاهدين، الذين أمدتهم واشنطن بالدعم لمحاربة السوفييت داخل أفغانستان. وعام 1985، أتى «أسامة بن لادن» إلى المدينة للمساعدة في هذه الجهود، ومنذ قرابة 20 عاماً، وتحديداً في أغسطس 1988، عقد بن لادن اجتماعات داخل أحد المنازل هنا تمخض عن ظهور تنظيم «القاعدة»، طبقاً لما أشار إليه «ستيف كول» في كتابه «أبناء لادن: أسرة عربية في قرن اميركي». يذكر أن مقاتلي طالبان يمثلون خليطاً من جماعات متنوعة، حسبما يؤكد مسؤولو فرض القانون والمسؤولون المحليون. وعند استعراض المدن القريبة من بيشاور، يتجلى هذا الخليط . ففي الجنوب، في منطقة «درا أدام خيل»، بسطت جماعة «تحريك طالبان الباكستانية»، وهي جماعة مظلية لـ«طالبان»، سيطرتها الفعلية على المدينة منذ فترة. ويترأس الجماعة «بيت الله محسود»، والمتهم من قبل الحكومة الباكستانية بالتخطيط لاغتيال رئيسة الوزراء السابقة «بي نظير بوتو» في ديسمبر (كانون الأول) وقيادة العشرات من التفجيريين الانتحاريين على جانبي الحدود. وإلى الشرق، يقود أحد المسلحين ويدعى «منجال باغ» جماعة تطلق على نفسها «عسكر الإسلام». يتمتع باغ بالكثير من الأموال والرجال بدرجة ساعدته على شن حرب ضد جماعة إسلامية أخرى بوادي تيرة، حسبما أشار مسؤولو فرض القانون. في الشمال، أقامت جماعة «تحريك طالبان» سجناً بمدينة ميتشيني منذ عدة شهور. وقال المسؤولون إن «طالبان» أنشأت معسكر تدريب في مدينة وارساك. وأوضح «أحسن الدين خان»، مسؤول الشرطة في شابكادار، الواقعة على بعد بضعة أميال، أن أعضاء «طالبان» ظهروا بالميدان الرئيسي بقلب المدينة ووضعوا ملصقات تحث المواطنين على اللجوء إليهم، بدلاً من المحاكم، لتسوية خلافاتهم.

* خدمة نيويورك تايمز