القائد السابق لقوات الصحوة في منطقة العامرية ببغداد ينتهي في الأردن.. ملاحقا

أبو العبد يحكي عن الخيانة والأكاذيب من مخبئه في عمان

أبو العبد يري صورة تجمعه مع الجنرال ديفيد بترايوس
TT

منذ عام، قاد المقاتل السني أبو العبد ثورة ضد «القاعدة» في العراق. وقد قتل قائدها وأحرق مخابئها وأصبح رمزا لمجموعة جديدة تسمى أبناء صحوة العراق ـ وهو الرجل الذي استطاع الوقوف أمام المتطرفين في بغداد عندما كان ذلك يعتبر عملا انتحاريا. واليوم، يجلس أبو العبد يدخن السجائر في عمان، حيث خانه أفضل أصدقائه في وطنه. وقد كان أبو العبد يسير في شوارع بغداد وهو يرتدي نظارة شمسية ويحاط بمجموعة من الرجال لحراسته. لكنه الآن يصيح على قائدي سيارات الأجرة ليتمهلوا في سيرهم، ويرتدي سروالا من الجينز وقميصا له أكمام قصيرة. ويجسد بزوغ وخفوت نجم ابو العبد، تعقيد برنامج أبناء الصحوة العراقية الذي تقوم بدعمه الولايات المتحدة في العراق. وعلى الرغم من نظر الحكومة العراقية التي تمثل الأغلبية الشيعية لقوات الصحوة العراقية على أنها أكثر من مجرد جبهة لمحاربة الجماعات المسلحة في العراق، إلا أن هذه القوات قد ساعدت في إنهاء دائرة العنف والتفجيرات التي تقوم بها الميليشيات الشيعية والتي أحالت الوضع في بغداد إلى حرب أهلية. كما عمل أصدقاء أميركا الجدد على خفض معدل قتل الجنود الأميركيين في العراق. ويلقي وجود أبو العبد في المنفى الضوء على الصراع العنيف على السلطة داخل قوات الصحوة العراقية. ويمكن للانقسامات داخل صفوف هذه القوات أن تفرقها بسهولة ـ وأن يفتح ذلك الطريق لعناصر «القاعدة» في العراق مرة أخرى. والذي يثير الدهشة هو أن التهم المنسوبة إليه لا تتواءم مع التوجه الذي يفترض من الحكومة العراقية أن تتجه إليه في سبيل المصالحة الوطنية بين المواطنين السنة والشيعة. وقد عبر المستشار الأميركي الذي كان يعمل مع العبد حتى شهر يناير (كانون الثاني) الماضي عن ثقته الكاملة في هذا المقاتل. وقال إريك كوسبر، وهو كابتن متقاعد في الجيش الأميركي: «لقد كانت أمامه العديد من الفرص ليقوم بالاختيار الخطأ، ولكنه لم يفعل ذلك. إنني أثق فيه ثقة مطلقة».

وفي شقته المتواضعة في العاصمة عمان، والتي يعيش فيها مع أسرته، يفتح أبو العبد ملفا فيه بعض الصور التي تجمعه مع بعض الضباط الأميركيين مثل الجنرال ديفيد بترايوس وغيره. كما يحتفظ بالميداليات التي تم إهداؤها إليه، والخطابات التي تمتدحه. لكن عينيه حدقتا في صورة لبعض المسؤولين العراقيين خلال مؤتمر للمصالحة خلال منتصف شهر يونيو (حزيران) وقال بغضب: «إنهم يربتون على ظهرك بيد ويطعنونك باليد الأخرى». ويخشى أبو العبد من أن يكون مصيره هو القتل لرغبة عناصر «القاعدة» في أن يكون عبرة لمن يخاطرون ويقاتلون «القاعدة» في العراق. ويقول: «سوف تعود القاعدة وسوف تكون الحكومة العراقية والجيش العراقي عاجزين أمامها. وسوف يفقد الشعب ثقته بالحكومة بسبب الطريقة التي تعاملوا بها معي ومع آخرين غيري».

وتنظر الحكومة العراقية إلى ابو العبد على أنه عنصر سابق من العناصر المسلحة التي تلوثت يدها بالدماء. ويقول تحسين الشيخلي، وهو المتحدث الرسمي باسم الحكومة العراقية لعمليات الجيش في بغداد: «إذا كان قد اقترف ذنبا، فلندع النظام القضائي يأخذ مجراه. وليس هذا الأمر متعلقا به هو فقط، بل بكل أفراد الشعب العراقي. لقد كانت هناك بعض العناصر التي كانت سببا رئيسا في اندلاع أعمال العنف بالعراق».

وخلال الأشهر الأخيرة، كان أبو العبد يحشد مناصريه حول بغداد وفي شمال العراق، من أجل الانتخابات المحلية المقرر إجراؤها في الخريف. ويعتقد الضباط الأميركيون أن تحوله للسياسة يمكن أن يمثل القشة التي قصمت ظهر البعير بالنسبة للحكومة العراقية. ويقول أحد الضباط الأميركيين، والذي رفض الإفصاح عن هويته بسبب حساسية الموضوع: «من المؤكد أنه يسعى إلى تكوين حزب سياسي يتألف من مقاتلي صحوة العراق، وقد كانت الحكومة العراقية تعمل على استهدافه دائما. ولست متأكدا من إمكانية أن أوضح الأمر بصراحة، ولكن يبدو أن الأمور تسير في هذا الاتجاه».

وفي وسط هذه الصراعات السياسية، فقد تم تشكيل لجنة لدمج القوات السنية التي تدعمها الولايات المتحدة بقوات الأمن، كما تم توفير وظائف لهم. وقد كان المسؤولون العراقيون غير واضحين حول السبب في القيام بهذه الخطوة. وقد أفاد الشيخلي بأن جهود هذه اللجنة قد تباطأت، لكنه أوضح أن ذلك يرجع إلى أن اللجنة تضم أعضاء مختلفين فيما بينهم. وهناك مسؤولون آخرون أكثر وضوحا. ومنهم الشيخ فاتح كاشف غطاء وهو أحد الشخصيات الشيعية البارزة والذي تربطه علاقات قوية بالحكومة. وقد أفاد بأن رئيس الوزراء نوري المالكي قد قام بتجميد عمل اللجنة بسبب الغضب الشيعي من عدم مواجهة الأميركيين للمقاتلين من أمثال أبو العبد. وقد اتفق أحد المسؤولين الغربيين على أن قرار الحكومة كان متعمدا. وقد تعرض أبو العبد لمحاولة اغتيال في العامرية ببغداد، وقد أصابته بعض الشظايا في رأسه ووجهه وصدره كما تسبب ذلك في ثقب طبلة أذنه. وفي شقته بعمان، يخرج صورة لقدم الانتحاري الذي نفذ الهجوم، حيث كانت متفحمة. وفي منتصف شهر مايو (أيار) وصل إلى الأردن لإجراء جراحة بالليزر. وقد كان يخطط للابتعاد عن العراق لمدة شهر واحد. وقد دعته الحكومة لحضور مؤتمر مصالحة في السويد. وبعد ذلك، يمكنه الرجوع إلى وطنه. ولكن في السويد، علم أنه متهم بقتل ثلاثة أشخاص ودفنهم في أحد المنازل بمنطقة العامرية. ويقول أبو العبد «إن ذلك الاتهام وراءه دوافع سياسية. انهم يتهمونني بالقتل وأنا لا أغادر مكتبي في بغداد من دون مرافقة 30 من حراسي. فهذه الاتهامات باطلة». وقد أرجع أبو عابد هذه الاتهامات إلى العداء الطويل مع الحزب الإسلامي العراقي. ويفيد أبو العبد بأن أعداءه قد استغلوا وجوده خارج العراق للتحرك بسرعة. فقد أمر أحد ألوية الجيش العراقي ممن لهم صلة بالحزب الإسلامي بشن حملة مداهمات على ممتلكاته في بغداد، كما اعتقل أخوه الأصغر لفترة قصيرة، قبل لجوئه إلى سورية. لكن ما أثر فيه كثيرا هو خيانة مساعده الأول أبو ابراهيم، حيث أعلن نفسه المسؤول الجديد عن قوات الصحوة في العامرية. وهو يلوم نفسه على الثقة الزائدة في صديقه. وقد أفاد أبو العبد بأنهما عندما بدءا الحرب ضد «القاعدة» في العراق منذ عام، تخلى عنه أبو ابراهيم وتركه ليموت في مسجد تحت الحصار ولم يكن معه غير عدد قليل من المساعدين. وبعد ذلك، وعندما انتهت المعركة بالانتصار، سامح صديقه على تخليه عنه. ويسمع أبو العبد كل يوم تقارير عن مصادر أبو إبراهيم للأسلحة والملابس والدراجات النارية الخاصة به. كما يسمع عن أن صديقه يلقبه بصدام حسين الآخر. وفي نهاية المقابلة تقوم زوجته بمناولته العلم الأميركي والراية الحمراء للجيش الأميركي التي كان يحارب تحتها في بغداد. ويقوم ببسطهما أمامه وهو يشعر بالحب لهما، ثم يطويهما مرة أخرى. لقد كان ذلك ذكرى من الماضي.

* خدمة «لوس أنجليس تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»