الصين مصدر إلهام لمحققي غوانتانامو

أساليب لجأ إليها الحزب الشيوعي الصيني أثناء الحرب الكورية.. منها وقوف السجناء لفترات طويلة وحرمانهم من الطعام والنوم

TT

صاغ المتدربون العسكريون الذين التحقوا بالعمل داخل معسكر غوانتانامو في ديسمبر (كانون الأول) 2002، أساليب التحقيق الخاصة بهم بناءً على رسم بياني يكشف التأثيرات المترتبة على «أساليب الإدارة القسرية» تحسباً لاحتمالات استخدامها على المحتجزين، بما في ذلك «الحرمان من النوم» و«التقييد لفترات طويلة». بيد أن الأمر الذي لم يكشف عنه المتدربون، بل وربما لا يعلمون بشأنه، أن هذا الرسم البياني بأكمله تم نسخه من دراسة أصدرتها القوات الجوية عام 1957 حول الأساليب التي لجأ إليها الحزب الشيوعي الصيني أثناء الحرب الكورية بهدف الحصول على اعترافات من المحتجزين الأميركيين، والتي كان الكثير منها اعترافات زائفة. ويعد هذا الرسم البياني أحدث الأدلة حول كيفية تحول أساليب التحقيق التي اتبعها الحزب الشيوعي الصيني والتي دأبت الولايات المتحدة على امتداد فترة طويلة بوصفها كونها تعذيبا، إلى الأساس الذي تقوم عليه التحقيقات الجارية من قبل كل من أعضاء المؤسسة العسكرية داخل غوانتانامو بكوبا ووكالة الاستخبارات المركزية.

يذكر أن بعض هذه الأساليب جرى استخدامها ضد عدد ضئيل من المحتجزين في غوانتانامو قبل عام 2005، عندما حظر الكونغرس استخدام المؤسسة العسكرية للقمع. أما وكالة الاستخبارات المركزية فلاتزال تتمتع بتصريح من الرئيس «بوش» باستخدام عدد من أساليب التحقيق السرية «البديلة». وقد تم الكشف عن العديد من الوثائق المتعلقة بغوانتانامو، بما فيها هذا الرسم البياني الذي يوضح الأساليب القسرية، خلال جلسة استماع عقدتها لجنة الخدمات المسلحة التابعة لمجلس الشيوخ في 17 يونيو (حزيران) بهدف فحص كيفية اللجوء إلى مثل هذه التكتيكات في التحقيق.

إلا أن المحققين التابعين للجنة لم يكونوا على دراية بمصدر الرسم البياني الذي اتضح أنه ورد في مقال صدر بدورية «نشرة أكاديمية نيويورك الطبية»، حسبما أوضح أحد الخبراء المستقلين بشأن تحقيقات غوانتانامو والذي رفض الكشف عن هويته لصحيفة «نيويورك تايمز». حمل المقال الصادر عام 1957 والذي تم نسخ الرسم البياني منه عنوان «المحاولات الشيوعية لاستخلاص اعترافات كاذبة من أسرى الحرب التابعين للقوات الجوية» وكتبه «ألفريد دي. بيدرمان»، وهو عالم اجتماع كان يعمل آنذاك لدى القوات الجوية وتوفى عام 2003. وكان «بيدرمان» كان قد التقى بالأسرى الأميركيين العائدين من كوريا الشمالية، والذين جرى تصوير بعضهم على يد المحققين الصينيين وهم يدلون باعترافات حول استخدامهم أسلحة جرثومية واقترافهم أعمالا وحشية أخرى. وأدت هذه الاعترافات الملفقة إلى تصاعد الادعاءات بأن الأسرى الأميركيين تعرضوا لـ«غسيل مخ»، ودفع المؤسسة العسكرية لصياغة برنامج تدريبي من أجل تعريف بعض الأفراد العسكريين بالأساليب القاسية التي يلجأ إليها العدو بهدف تحصينهم ضد الاستسلام سريعاً حال سقوطهم في الأسر. عام 2002، تحول البرنامج التدريبي، الذي حمل اسم «إس إي آر إي»، وهي بدايات حروف كلمات البقاء والمراوغة والمقاومة والهرب باللغة الانجليزية، إلى مصر للتعرف على أساليب التحقيق بالنسبة لكل من وكالة الاستخبارات المركزية والمؤسسة العسكرية. وفي إطار ما يعتبره النقاد حالة فقدان ذاكرة تاريخي مثيرة للاهتمام، يبدو أن المسؤولين الذين اعتمدوا في صياغة أساليب التحقيق على برنامج «إس ي آر ي» (SERE) لم يدركوا ان هذا البرنامج تم وضعه في الأساس انطلاقاً من مشاعر القلق حيال الاعترافات الكاذبة التي يدلي بها الأسرى الأميركيون. من جهته، أكد السيناتور «كارل ليفين»، عضو الحزب الديمقراطي بولاية ميتشغان ورئيس لجنة الخدمات المسلحة التابعة لمجلس الشيوخ، بعد مراجعته للمقال الأصلي، أن: «كل أميركي سيشعر بالصدمة» إزاء أصل وثيقة التدريب تلك. واستطرد موضحاً أن: «ما يضاعف الشعور بالصدمة، أن هذه الأساليب هدفت لاستخلاص اعترافات كاذبة. الكثيرون يقولون إننا بحاجة إلى معلومات استخباراتية، وهذا صحيح. لكننا لسنا بحاجة إلى استخبارات كاذبة». في المقابل، قال المتحدث الرسمي باسم وزارة الدفاع، المقدم «باتريك رايدر»، إنه ليس بمقدوره التعليق على الرسم البياني التدريبي المرتبط بغوانتانامو، مشيراً إلى أنه: «ليس بإمكاني التكهن بشأن قرارات سابقة تم اتخاذها قبل إقرار السياسة الراهنة لوزارة الدفاع بشأن التحقيقات. لكن ما يمكنني التأكيد عليه أن سياسة الوزارة الراهنة واضحة ـ نحن نعامل جميع المحتجزين بصورة إنسانية». ووصف المقال الذي وضعه «بيدرمان» عام 1957 «أحد صور التعذيب» التي استغلها الصينيون باعتبارها إجبار الأسرى الأميركيين للوقوف «لفترات طويلة للغاية»، وفي بعض الأحايين في ظل طقس «بالغ البرودة». وكتب «بيدرمان» أن مثل هذه الأساليب كانت أكثر شيوعاً عن اللجوء بشكل مباشر إلى العنف البدني. جدير بالذكر أن الوقوف لفترات طويلة والتعرض لدرجات حرارة بالغة الانخفاض من بين الأساليب التي يستخدمها المحققون التابعون للمؤسسة العسكرية ووكالة الاستخبارات المركزية ضد الإرهابيين المشتبه فيهم. وأشار المقال إلى أساليب أخرى اتبعها الصينيون، بينها الحرمان من الطعام لفترات طويلة ونكأ الجروح ووضع المحتجزين بأماكن قذرة، مشيراً إلى أن من بين التداعيات المترتبة عليها «جعل الضحية معتمداً على المحقق» و«إلحاق الضعف بالقدرة الذهنية والبدنية على المقاومة» و«تقليص اهتمامات الأسير بحيث تقتصر على الحاجات الحيوانية». وتضمنت الوثائق التي عُرضت على اللجنة التابعة لمجلس الشيوخ رسالة بريد إلكترونية من اثنين من المدربين في إطار برنامج «إس ي آر ي» تتناول زيارة قاما بها إلى غوانتانامو في 29 ديسمبر (كانون الأول) 2002 وامتدت حتى 4 يناير (كانون الثاني) 2003، بهدف تعريف المحققين «بنظرية وكيفية تطبيق الضغوط البدنية التي يجري استخدامها في تدريباتنا». وأوضح المدربان أنهما قدما «دروساً متعمقة في مبادئ بيدرمان»، في إشارة إلى الرسم البياني الوارد بمقال «بيدرمان» الصادر عام 1957.

يذكر أن أقسى عمليات التحقيق المعروفة التي شهدها غوانتانامو كانت تلك التي تعرض لها «محمد القحطاني»، عضو تنظيم القاعدة المشتبه في أنه كان من بين منفذي هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001. وتضمن التحقيق مع القحطاني الحرمان من النوم والتعرض للبرد وأساليب أخرى سبق أن استخدمها الصينيون.

* خدمة «نيويورك تايمز»