القرن الأفريقي المضطرب: المجاعة تهدد الملايين في إثيوبيا والصومال

عدد الأطفال المعرضين لسوء التغذية ارتفع بنسبة 400 في المائة

TT

لم يمر زمن طويل منذ أن كان حسين علي يعتبر نفسه إنسانا محظوظا. فقد كان يشرب اللبن عدة مرات في اليوم. وكان يطهو اللحم عدة مرات في الأسبوع. وكان يقضي فترات الصباح وبعد الظهيرة في سهول الريف الفسيحة، حيث كان يرعى بقراته الخمسين وعشرات من الماعز في السهول الغنية. ويقول علي الذي يبلغ من العمر 72 عاما: «لقد كنت ثريا جدا».

كان ذلك قبل أن يحل الجفاف في هذه المنطقة التي تقع في غرب الصومال خلال العام الماضي، كما حل الجفاف هذا العام كذلك. ومنذ ذلك الحين، جفت حقول الذرة واختفت الأعشاب الخضراء ونفقت كل الماشية التي كان يمتلكها علي، وتركته وحيدا يعتمد على حفنة من الذرة يعيش عليها كل يوم. في نهاية العام الجاري، يتوقع المسؤولون أن يحتاج نصف سكان هذا البلد أو حوالي 3.5 مليون نسمة إلى مساعدات غذائية، وقد جاء ذلك نتيجة لانعدام الأمن السياسي والارتفاع الجنوني لأسعار الغذاء على مستوى العالم، وانخفاض قيمة العملة المحلية وعدم هطول الأمطار. وتتوافر هذه العوامل كذلك عبر الحدود مع إثيوبيا حيث حذرت جماعات الإغاثة من أن مساحات كبيرة من القرن الإفريقي توشك على التعرض للمجاعة. وتأتي الإشارات من كل الاتجاهات، لا سيما بالقرب من العاصمة الصومالية مقديشو، حيث يشتد القتال بين الحكومة الانتقالية التي تدعمها القوات الإثيوبية والجماعات الإسلامية. وعلى امتداد الطريق التي تقود إلى خارج المدينة، يوجد أكثر من 300.000 نسمة يعيشون لأكثر من عام في الأكواخ وتحت ظلال الأشجار، وليس لديهم إلا ما يكاد يكفي من الطعام، ويوشك الوضع على الوصول إلى نقطة الكارثة، حسبما تفيد جماعات الإغاثة. وخلال الأشهر القليلة الماضية، شهد عمال الإغاثة ارتفاعا بنسبة 400 بالمائة في عدد الأطفال الذين يتعرضون إلى مراحل نقص التغذية: المرحلة الأولى حيث تكون أذرع وأرجل هؤلاء الأطفال نحيلة، كما أن جلدهم يرتخي مع عدم وصول التغذية إليه، وفي نهاية الأمر فإن أجسادهم تتورم نتيجة النقص الحاد في البروتين. وتقول سوزان ساندرز وهي متحدثة باسم المجموعة : «منذ شهر مايو (أيار) تزايد عدد الأفراد المعرضين لخطر المجاعة».

وهذا الموقف الذي تتعرض له مدينة البردي يتكرر في وسط وجنوب الصومال، حيث نزح معظم سكان البلد من دون أن يكون معهم ما يعينهم على حياتهم، ويصل الآلاف غير هؤلاء إلى مقديشو كل يوم. وعلى الرغم من أن العائلات الكبيرة وفرت مأوى لنازحيها إلا أن آلية المساعدات قد وصلت إلى آخر مداها. وعبر الحدود الجنوبية والشرقية لإثيوبيا، يبدو أن الموقف يزداد سوءا، فأعداد الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية في بعض المناطق تضاعفت ست مرات خلال شهرين، حسبما أفادت الرابطة الطبية العالمية، التي تدير مراكز مراقبة هناك. وهناك نحو 3.4 مليون إثيوبي في حاجة عاجلة للمساعدات الغذائية. وقد أفاد سيفو ولد مانويل مدير المجموعة في إثيوبيا بان «الأطفال كانوا في حالة خطرة من مواجهة المجاعة» لولا التدخل الاضافي.

وقد شاهد الرعاة أمثال علي ماشيتهم تنفق بسبب نقص أعشاب المرعى وقد اضطروا للعيش بعدد ضئيل من الحيوانات الهزيلة التي تبقت معهم. لكن البقرة الهزيلة لا تساوي الكثير: حقيبة من الذرة بدلا من ثلاث على سبيل المثال، إذا كان هناك مشتر ما.

وقد أدى الارتفاع غير المسبوق في أسعار الغذاء المستورد بالإضافة إلى انخفاض قيمة العملة الصومالية (بنسبة 125 بالمائة أمام الدولار الأميركي خلال الأشهر الأربعة الأخيرة) إلى صعوبة توافر السلع الأساسية لمعظم الصوماليين الذين لا يستطيعون إلا شراء القليل منها. وأصحاب المحلات الذين كانوا يقدمون السلع ويأخذون ثمنها فيما بعد، أصبحوا في حالة فقر شديد، حتى إنهم يأكلون مخزوناتهم من السلع. ويقول محمد نور، وهو صاحب محل، إنه قد فعل كل ما بوسعه حيث قدم سلعا بقيمة 3000 دولار لأفراد في مدينته على أن يحصل قيمتها فيما بعد دون أخذ فوائد، لكنه وصل إلى آخر منتهاه من الكرم. ويقول: «هناك العديد من الأفراد الذين يأتون الآن، ولا أستطيع أن أعطيهم جميعا. لقد أعطيتهم ضعف ما أعطيت في العام السابق».

وإذا نظرت إلى مدينة البردي من السماء، تراها عبارة عن مجموعة من الأكواخ، مع بعض الامتداد للمراعي الخضراء. وعلى امتداد شوارعها ترى بقايا الشجر المتكسرة والهياكل العظمية للماشية والماعز التي نفقت. ومع تدهور الموقف، فإن نحو واحد من كل أربعة أطفال تحت سنة الخامسة قد وصلوا إلى درجة النحافة الخطرة. وفي أحد مراكز المراقبة، يفيد عمال الإغاثة أن عدد هؤلاء في تزايد مستمر. وفي إبريل (نيسان) كان نحو 25 طفلا كل يوم ينطبق عليهم المعنى الحرفي لسوء التغذية، حيث تصل أوزانهم إلى نسبة 80 بالمائة مما يجب أن يكونوا عليه. وفي هذا الشهر كان عدد هؤلاء الأطفال نحو 60 طفلا كل يوم، ومن بينهم عبدي علي عثمان، وهو طفل يبلغ من العمر 5 سنوات يقف في صف طويل من الأطفال الذين يقاس وزنهم. ويقول حسين مهات، وهو أحد العاملين في الرابطة الطبية العالمية التي تدير مركز المراقبة، حيث يوجد ميزانان وبعض الكراسات لتسجيل أسماء وأوزان الأطفال: «إنه ما زال يعاني من النحافة». وقد أفاد مهات بأن المشكلة المتكررة هي أن الأسر تشترك في تناول طعام الإعانات المخصص للأطفال.

وما زال برنامج الغذاء العالمي يكافح من أجل البقاء، حيث تمت مضاعفة كميات الطعام التي يتم توزيعها في الصومال.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ «الشرق الأوسط»