أقمار صناعية أميركية ترصد تحركات الجيش العراقي.. وسط مؤشرات على أزمة ثقة

مسؤولون: العمليات العسكرية العراقية في البصرة ومدينة الصدر فاجأت البنتاغون

TT

يقول مسؤولون أميركيون إنه بعد أن فوجئت الولايات المتحدة بعمليات للجيش العراقي في الفترة الأخيرة، بدأت في استخدام أقمار التجسس، التي ترصد عادة تحركات مناوئيها، وفي مراقبة تحركات قوات الجيش العراقي المدعوم من أميركا. وتعكس عمليات الاستطلاع أزمة ثقة وتنسيق بين القوات العراقية والأميركية. ويقول مسؤولون إن تلك العمليات جزء من أنشطة استخبارية أوسع، دشنها القادة الأميركيون بعد أن فوجئوا بتوقيت عمليات الجيش العراقي العنيفة قبل ثلاثة أشهر في مدينة البصرة. ويعد ذلك وضعا غير طبيعي، حيث تقوم الولايات المتحدة بتوظيف بعض تقنيات التجسس المتقدمة لديها لتعقب جيش حليف ساعدت القوات الأميركية في بنائه واستمراره، وتقوم بتقديم المساعدات له، وغالبا ما تقاتل بجانبه. ويقول مسؤول سابق في الجيش الأميركي إن الأقمار الصناعية تقوم بتصوير منشآت عسكرية لقوات الجيش العراقي، ويضيف: «تقوم (الأقمار الصناعية) بتصوير مناطق للتدريب يستخدمها الجيش العراقي، حيث يقومون بتصوير طرق تمر فيها السيارات المدرعة العراقية والقوافل الكبيرة».

ويضيف مسؤولون عسكريون وخبراء، أن تلك الخطوة تظهر مخاوف من جانب القادة العسكريين الأميركيين بخصوص ما إذا كان نظراؤهم العراقيون يتبعون الإرشادات الأميركية ويطلعون شركاء التحالف على كل المعلومات أم لا. ويقول جون بايك، مدير موقع «غلوبال سيكيوريتي» المتخصص في قضايا الجيش والاستخبارات، «يدل هذا الإجراء على أننا لا نثق بصورة كاملة في القيادة (العراقية) أو في رغبتهم في إطلاعنا على ما يفعلون لأنهم يخشون من أن نمنعهم من القيام به». ولكن، ينظر إلى هذا التطور ايضا على أنه علامة على أن الجيش العراقي قد وصل إلى مستوى من الاستقلالية والكفاءة التي كان ينشدها مخططو الجيش الأميركي. ويقول المسؤول السابق بالجيش: «السيئ هو أننا نتجسس على العراقيين، ولكن الجيد هو أن علينا أن نقوم بذلك». وقد رفض البنتاغون وهيئات الاستخبارات الأميركية التعليق على هذا الأمر. وتأتي عمليات الاستطلاع الموسعة باستخدام الأقمار الصناعية، في الوقت الذي بدأ فيه الجيش العراقي سلسلة من العمليات واسعة النطاق للتأكيد على سيطرة الحكومة على بعض المناطق، ومنها مدينة الصدر ببغداد ومدينة الموصل، وكلاهما تعد ملاذا للميليشيات المعادية والمتمردين. وكانت العملية الأولى في مارس (آذار)، وتضمنت هجمات في مدينة البصرة الجنوبية على عناصر «جيش المهدي» التي يقودها رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، وكان من بين القوات التي عبأها رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي وحدات كانت قد أنهت للتو دورات تدريبية ولم يُوكَّل بهم فريق أميركي، ويوضح ذلك لماذا فوجئ القادة الأميركيون. وتأتي الأقمار الصناعية ضمن ترسانة استخباراتية واسعة عبأتها الولايات المتحدة في العراق، ومن ضمنها المحطة الأكبر لوكالة الاستخبارات المركزية خارج الولايات المتحدة، بالإضافة إلى أجهزة تنصت ومراقبة وطائرات استطلاع وأخرى بدون طيار. ويؤكد مسؤولون استخبارتيون أميركيون أنه لم يتم تحويل الأقمار الصناعية عن مهام أخرى لها أولوية كبرى، مثل تعقب الأنشطة الإرهابية وحركات المتمردين، ولكنها أصبحت تلتقط صورا إضافية كجزء من عمليات المسح الروتينية. كما يؤكد المسؤولون أن عمليات الاستطلاع لا تعكس علاقات عدائية بين الطرفين، فما زال الجيشان ينسقان في ما بينهما ويقومان بعمليات مشتركة، وتتحرك فرق تدريب تابع للجيش الأميركي مع وحدات الجيش العراقي. وتساعد الأقمار الصناعية المسؤولين الأميركيين على تعقب تلك التحركات. ولكن، يعكس هذا المنحى تحولا تدريجيا، حيث يشير إلى أن الحكومة العراقية باتت مستقلة عن الرعاية الأميركية وأن مصالح العراق والولايات المتحدة بدأت في الاختلاف. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة هي من نصبت فعليا الحكومة في العراق وساعدتها على بناء مؤسساتها، فقد بدأت هيئات التجسس الأميركية عملها في البلاد من البداية، لتراقب عن قرب السياسيين العراقيين والمجموعات المؤثرة. ويقول مسؤولون إن عمليات الاستطلاع باستخدام الأقمار الصناعية تستهدف بدرجة كبيرة أن يكون القادة العسكريون الأميركيون على علم بأماكن عمليات الجيش العراقي حتى لا تحدث مصادمات بين الجانبين. ويقول مسؤول بارز في الاستخبارات الأميركية: «لديك جيش مستقل لبلد مستقل يقوم بعمليات مستقلة، ومن المفيد أن تعرف مكان هذا الجيش لتلافي أي عواقب غير مقصودة».

ويدير أقمار التجسس الأميركية مكتب الاستطلاع القومي، وهو هيئة استخبارات أميركية بمدينة تشانتيلي بولاية فيرجينيا، وكان ذلك أمرا سريا للغاية، وقد رفض ريك أوبورن، وهو متحدث باسم مكتب الاستطلاع القومي، التعليق. وقال أوبورن: «من سياستنا ألا نناقش المهام».

ويقول خبراء إن عمليات الاستطلاع في العراق قد تشتمل على ما يعرف باسم أقمار «كي هول»، وهي سفينة فضاء في حجم حافلة تدور على بعد ما يقرب من 170 ميلا من سطح الأرض ومزودة بعدسات بصرية وأخرى تستخدم الأشعة تحت الحمراء ويمكنها التقاط صور ذات مستوى عال من النقاء في النهار والليل. ويعتقد أن مكتب الاستطلاع القومي يدير ستة من تلك الأقمار، التي تطير فوق العراق بصورة متكررة لالتقاط صور جديدة أربع مرات على الأقل في اليوم، حسب جيفري ريتلسون، وهو خبير في الأقمار الصناعية وزميل بارز في معهد أرشيفات الأمن القومي بجامعة جورج واشنطن. ويقول ريتلسون إن صورا من آخر إصدارات «كي هول» تغطي نحو ثلاثة أميال من سطح الأرض، وتظهر صورا مفصلة لمساعدة المحللين على رؤية لوحات أرقام السيارات، ولكن قد لا يستطيعون قراءة الأرقام الموجودة عليها.

*خدمة: «لوس أنجليس تايمز»

*خاص بـ«الشرق الأوسط»