هيئة الأركان الأميركية تؤكد: «جبهة ثالثة» تشكل ضغطا علينا.. وطهران «الناعمة» تدهش سولانا

المتحدث باسم مولين لـ«الشرق الأوسط»: بيان هيئة الأركان ليس ردا على إيران.. وقرار الحكومة الإسرائيلية بيدها

متقي خلال مؤتمره الصحافي في نيويورك أمس (أ.ب)
TT

تباينت اللغة بين الاميركيين والإيرانيين أمس بخليط من اللغة «الدبلوماسية ونبرات التهدئة» و«امكانات التسوية» و«الشكوك» في التصريحات الإيرانية المعتدلة المفاجئة. ويأتي ذلك فيما ظهرت تباينات بين النخبة الإيرانية حول طريقة التعامل مع الملف النووي الإيراني، فبعد يوم من انتقاد علي أكبر ولاياتي مستشار المرشد الاعلى لإيران، آيه الله علي خامنئي، للتصريحات الاستفزازية لبعض المسؤولين الإيرانيين، قال ولاياتي أمس ان الدستور الإيراني يمنح المرشد الاعلى «صلاحية اتخاذ القرار النهائي في القضايا الاستراتيجية الاساسية». ومع ان هذا البيان ليس الا تقرير أمر واقع في إيران، إلا أنه فهم على أنه رسالة مباشرة وصريحة الى الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد لكي يحد من تصريحاته حول الملف النووي الإيراني وأن يترك ادارة الملف الى مكتب المرشد الاعلى ومستشاريه المقربين ومن بينهم ولاياتي، وهو معتدل برغماتي شغل منصب وزير الخارجية خلال حكم الرئيس الإيراني الأسبق هاشمي رفسنجاني. كما ان من ضمن مستشاري خامنئي في الملف النووي علي لاريجاني الامين العام لمجلس الأمن القومي الإيراني سابقا، بالاضافة الى حسن روحاني مستشار خامنئي للأمن القومي وهو بدوره دبلوماسي معتدل له باع طويل في الملف النووي الإيراني. وكان لافتا أمس بيان من رئيس هيئة أركان الجيوش الاميركية الاميرال مايك مولين قال فيه ان فتح «جبهة ثالثة» سيضع «ضغوطا شديدة للغاية» على الجيش الاميركي المنخرط بالفعل في جبهتين اخريين هما العراق وافغانستان، داعيا الى حوار حكومي موسع بين واشنطن وطهران، مضيفا أن ذلك قد يقلل المخاطر في الخليج.

وأوضح الاميرال مولين «من منظور الجيش الاميركي، فان فتح جبهة ثالثة الان سيشكل ضغوطا هائلة علينا» مشيرا الى أن فتح جبهة مع إيران «مغامرة كبيرة يمكن ان تؤدي الى عدم استقرار منطقة الشرق الاوسط». وقال مولن، الذي عاد حديثا من رحلة الى اسرائيل «لم يتغير موقفي في ما يتعلق بالنظام الايراني. انهم ما زالوا قوة لزعزعة الاستقرار في المنطقة». واستدرك قائلا للصحافيين في البنتاغون «لكنني مقتنع بأن الحل ما زال يكمن في استخدام عناصر اخرى من القوة الوطنية لتغيير السلوك الايراني، بما في ذلك الضغط الدبلوماسي والمالي والدولي». ويرفض المسؤولون الاميركيون استبعاد استخدام القوة ضد ايران وسط مخاوف بشأن برنامجها النووي، إلا ان الجيش الاميركي يعاني من ضغوط بسبب مشاركة آلاف من جنوده في الحرب في افغانستان والعراق. وقال مولين ايضا إن ايران يمكنها تعطيل حركة الملاحة في مضيق هرمز ولكنها لا تستطيع الابقاء على ذلك لفترة طويلة، مؤكدا موقف واشنطن بأنها لن تسمح لطهران بقطع خطوط تصدير النفط. وتابع «التحليل الذي وصلني يشير بالتأكيد الى أنهم يملكون القدرات التي تعرض للخطر مضيق هرمز.. واعتقد أن القدرة على إبقاء الامر على هذا النحو غير موجودة». وتتزامن تصريحات مولين مع تصريحات أدلى بها الرئيس الاميركي جورج بوش قال فيها ان الدبلوماسية هي الخيار الأول في مواجهة البرنامج النووي الايراني، لكنه كرر أن جميع الخيارات مطروحة على الطاولة. وأضاف متحدثا للصحافيين أمس قبل قمة الدول الثماني في اليابان الذي يعقد الاسبوع المقبل «قلت دوما إن جميع الخيارات مطروحة على الطاولة ولكن الخيار الاول بالنسبة للولايات المتحدة هو حل المشكلة دبلوماسيا». وتركت تصريحات مولين وبوش انطباعا حول اتجاه اميركا أكثر نحو تسوية دبلوماسية للملف النووي الإيراني، غير ان المتحدث باسم الاميرال مولين، الكابتن جون كربي، قال لـ«الشرق الأوسط» أمس ان «بيان الاميرال مولين ليس هدفه استبعاد اي خيار من على الطاولة، او إحضار اي خيار على الطاولة. هو ببساطة كان يقرر أنه في الظروف الحالية والقوات الاميركية منتشرة في العراق وافغانستان، فإن فتح اميركا جبهة ثالثة ضد إيران يمكن أن يتم ويمكن أن ينفذ، لكنه سيشكل ضغطا على الجيش الاميركي». وتابع الكابتن كربي: «لم يكن الاميرال مولين يتنبأ بأي شيء بخصوص اسرائيل. لم يكن يتحدث عن الحكومة الاسرائيلية او الجيش الاسرائيلي وما يمكن ان يفعلوه او لا يفعلوه.. هذا قرار الحكومة الاسرائيلية». وحول ان كان التزامن بين تصريحات بوش ومولين يعكس نوعا من التنسيق بين الجانبين قال كربي:«لا أستطيع الحديث عن البيت الابيض. لكن هذه التصريحات اطلقها مولين من قبل، هذه ليست تصريحات يطلقها للمرة الاولى، لقد اطلق مثلها قبل عدة أشهر». كما نفى المتحدث باسم قائد القيادة المشتركة للقوات الاميركية لـ«الشرق الأوسط» وجود علاقة بين تصريحات الاميرال مولين وبين تصريحات معتدلة لمسؤولين إيرانيين تدعو الى تسوية وحل وسط للأزمة النووية الإيرانية، موضحا: «بيان الاميرال اليوم يقف مستقلا. البيان لم يصدر بهدف ان يكون ردا على تصريحات اطلقت من قادة او مسؤولين في دول اخرى، كما لم يحدد موعد البيان اليوم (امس) على أساس على ما قاله مسؤولون حكوميون اخرون امس. بيان الاميرال اليوم يقف منفردا ومستقلا». وتأتي تصريحات بوش ومولين فيما سادت امس انطباعات بأن إيران قد تكون مقدمة على قبول تسوية من نوع ما توقف بموجبها تخصيب اليورانيوم مؤقتا، وشجع هذه الانطباعات ان وزير الخارجية الإيراني منوشهر متقي، خلال مؤتمر صحافي في نيويورك ليل اول من امس، تحفظ 4 مرات على الرد على سؤال يتعلق بتخصيب اليورانيوم، وذلك خلال تدشينه مقر البعثة الإيرانية في الأمم المتحدة. كما تحدث أمس وزير الخارجية الإيراني عن امكانية للتوصل الى «حل متعدد الجوانب» بالتفاوض مع الدول الكبرى الست حول ملف ايران النووي. وقال انه يرى «نوعا جديدا من الاجواء» في المحادثات النووية مع القوى الست الكبرى في أعقاب تعاملات جرت في الاونة الاخيرة بين طهران والاتحاد الاوروبي. وتابع انه سيرد «قريبا جدا» على خطاب من القوى الست سلمه في ايران منسق السياسات الامنية والسياسية في الاتحاد الاوروبي خافيير سولانا الشهر الماضي. وأضاف متقي عبر مترجم «ان التصريحات والتعاملات البناءة»، المقترنة بالاقتراح النووي، التي تقدمت بها ايران في وقت سابق «مهدت الطريق لخلق نوع جديد ان الاجواء» وأضاف «قريبا جدا سأرد على الرسالة التي تلقيتها من وزراء الخارجية الستة». لكن البيت الأبيض بقي متشككا في نوايا إيران رغم تصريحات متقي. وقالت المتحدثة باسم الرئاسة الاميركية دانا بيرينو «بما أننا غالبا ما نتلقى رسائل مشوشة من جانبهم، اعتقد ان لدينا دوافع للتشكيك». وتابعت «ان افضل وسيلة للرد على ذلك هو ان نقول: دعونا ننتظر لنرى. وان كانوا جادين ومستعدين لقبول هذا العرض، فاننا سنرحب بذلك».

وبينما حذرت موسكو أمس من اي عملية عسكرية تستهدف ايران، معتبرة انها ستكون «كارثية» على المنطقة برمتها، اذ قال مصدر في وزارة الخارجية الروسية للصحافيين «كل ذلك سيكون خطيرا جدا.. في حال اللجوء الى القوة سيكون هذا الامر كارثيا على منطقة الشرق الاوسط برمتها»، اعتبر خافيير سولانا ان تصريحات علي اكبر ولاياتي الداعية الى «تسوية» حول الملف النووي الايراني «مثيرة للاهتمام»، على ما افادت المتحدثة باسمه كريستينا غالاش. وقالت غالاش لوكالة الصحافة الفرنسية «من المثير للاهتمام ان يدلي شخص مقرب الى هذا الحد من المرشد الاعلى بتعليقات من هذا النوع». لكنها تابعت «ينبغي الاقرار باننا لم نتلق ردا بعد» على عرض التعاون الجديد الذي قدمته الدول الكبرى الست المعنية بالملف لايران في منتصف يونيو (حزيران).

ويأتي ذلك فيما ظهرت تباينات بين النخبة الإيرانية الحاكمة. فبعد تصريحات ولاياتي ومتقي حول «حلول وسطى»، قال ولاياتي امس ان الدستور يمنح المرشد الاعلى «صلاحية اتخاذ القرار النهائي في القضايا الاستراتيجية الاساسية». ولمّح ولاياتي بذلك الى ان هذه القرارات لا تعود الى الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد الذي دعا مرارا الى القضاء على دولة اسرائيل.

وقال مصدر إيراني لـ«الشرق الأوسط» رفض الكشف عن هويته إن مكتب المرشد الاعلى لإيران هو الذي يأخذ القرارات الاساسية المتعلقة خصوصا بالملف النووي الإيراني، لافتا الى ان دور الرئيس الإيراني محدود عموما فيما يتعلق بالخطوط العريضة للملف النووي والقرارات الاستراتيجية. ووفقا للمصدر الإيراني فإن مكتب خامنئي الذي يتكون من عدة أشخاص لا يتجاوز عددهم اليدين لديهم خلفيات سياسية وعسكرية وجميعهم تعامل بدرجات متباينة مع الملف النووي الإيراني يعكفون حاليا على دراسة حل. وأوضح «القرار الان بشكل واضح في يد مكتب المرشد، لا أعتقد انه خلال الأيام المقبلة سيظهر احمدي نجاد ليقول تصريحاته المثيرة. اعتقد أنه سيقلل ظهوره». وتابع: «من الممكن تصور تسوية. هذه المجموعة في مكتب المرشد الاعلى لن تأخذ القرار بطريقة مبسطة، وهي تعرف المخاطر. ربما نحن مقدمون على تسوية».