هاجس الانتخابات النيابية المقبلة يحكم التهافت على «حصص» الحقائب الوزارية

مراقبون: جرى العرف تحديد الحقائب السيادية في الدفاع والداخلية والخارجية والمالية

TT

لم يسبق ان بلغ التهافت على الحقائب الوزارية السيادية والخدماتية في لبنان ما هو حاصل الآن، ولم يسبق لهذا التهافت ان بلغ هذا الحد من الطغيان على الهموم المعيشية التي يعيشها المواطن اللبناني، وعلى المصاعب المالية التي تواجه الدولة اللبنانية، بدءاً بأزمة الديون المتصاعدة والاستحقاقات الداهمة، وتباطؤ وعود مؤتمر «باريس ـ3» وتأخر عمليات الخصخصة لتخفيف اعباء القطاع العام.

ويتفق المراقبون على ان التهافت على الحقائب السيادية (جرى العرف على تحديدها بأربع هي: الدفاع، الداخلية، الخارجية، المالية)، والحقائب الخدماتية مرده الى ان الحكومة المنتظرة ستدير اصعب انتخابات نيابية بعد «وثيقة الطائف» وليس من المغالاة القول ان الاعداد لهذه الانتخابات بدأ قبل «اتفاق الدوحة» بحيث بادر «تيار المستقبل» الى اعداد ماكينته الانتخابية. وحذا «التيار الوطني الحر» حذوه في هذا المجال. وكأن المعركة المقبلة ستكون معركة كسر العظم او معركة الضربة القاضية بالنسبة الى الفريقين المتصارعين. وثمة من يؤكد ان ما توصل اليه «اتفاق الدوحة» هو ترجمة فعلية للاستعدادات الانتخابية، باعتبار ان هذا الاتفاق فرض رئيس الجمهورية التوافقي والحيادي، وكرس مشاركة المعارضة في الحكومة بشروطها، كما كرس العودة الى قانون 1960 الانتخابي، على رغم «المعارضات» المتنوعة التي يلقاها هذا القانون، ولاسيما من الحزب الشيوعي والمعارضة السنية، والى حد ما من مسيحيي «14 آذار» فضلاً عن عدم الارتياح الضمني لـ«حزب الله» وحركة «امل» اليه.

ويتفق الجميع ايضاً على ان السباق الانتخابي لن يتكرس الا بتسلم الحقائب المرتبطة بهموم الناس ومشكلاتهم، وخصوصاً بعدما سلك اقرار قانون الانتخاب 1960 طريقه الى لجنة الادارة والعدل النيابية، ومنها الى الهيئة العامة لمجلس النواب. فوزارة الدفاع، مثلاً، هي المولجة بأمن المواطنين وامن العملية الانتخابية ونزاهتها فضلاً عن الخدمات الكثيرة التي يمكن ان يستفيد منها شاغل الحقيبة لجهة الترقيات والمناقلات والتشكيلات والخدمات الاسكانية وغيرها. والشيء نفسه بالنسبة الى شاغل حقيبة الداخلية الذي يعتبر اكثر التصاقاً بالرأي العام والاكثر تأثيراً في شرائحه، سواء لجهة رؤساء والبلديات والمختارين او التوظيف في قوى الامن، علماً ان وزارة الداخلية اقرت حديثاً تثبيت نحو 8 آلاف عنصر متعاقد في الملاك. ناهيك عن تأثير المخافر في المناطق على ملاحقة مخالفي البناء ومخالفي المقالع والكسارات.

وفيما يتركز تأثير وزير الخارجية على سياسة التواصل مع الخارج والاطلاع على ما يدور في الاروقة الدبلوماسية، وعلى سلك السفراء، تتخذ وزارة المال ابعاداً اكبر بكثير لجهة ارتباطها بكل عمليات الانفاق سواء على مستوى المشاريع الرسمية او مشاريع القطاع الخاص، فضلاً عن سيطرتها على كل المساعدات الخارجية التي تأتي الى الدولة اللبنانية لتوزع على متضرري الحروب والكوارث.

وثمة وزارتان تكتسبان اهمية خاصة في التشكيلة العتيدة، هما وزارتا الاتصالات والعدل. فالأولى هي المعنية بشبكة اتصالات «حزب الله» التي كانت وراء احداث بيروت الاليمة الاخيرة، والمعنية كذلك بخصخصة هذا القطاع الذي «يسيل اللعاب» ـ على حد قول احد النواب. والثانية مرتبطة بالمحكمة الدولية المختصة بكشف حقيقة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، باعتبار ان اموراً عديدة ذات علاقة بالمحكمة لا تزال بحاجة للمرور في وزارة العدل اللبنانية، فضلاً عن اهمية هذه الوزارة في التأثير على الجسم القضائي، على اكثر من صعيد وخصوصاً على صعيد الانتخابات النيابية نفسها. ولا تقل وزارة التربية والتعليم العالي اهمية اذا لم تكن تتعداهما بالنظر الى تأثيرها على آلاف المعلمين في مختلف المناطق واساتذة الجامعات.

وبالانتقال الى وزارة الاشغال نجد انه لم يعد لها نكهة الماضي. ففي السابق كان التنافس شديداً على هذه الحقيبة لما لها من تأثير على الناخبين من باب توفير الزفت للطرق. اما اليوم فلا نجد مثل هذا التنافس «لأن الوزارة ـ كما يقول رئيس تكتل «التغيير والاصلاح» النائب ميشال عون ـ هي اليوم صندوق فارغ. وكل ما يمكن الافادة منه هو بعض الملايين المدورة من سنة الى اخرى».

وما يقال عن وزارة الاشغال يقال مثله عن وزارة المهجرين التي تشكو منذ زمن نفاد الاموال، وان كانت في الفترات السابقة تلعب دوراً تأثيرياً كبيراً في الانتخابات النيابية. ولا تقل صناديق وزارة الزراعة فراغاً عن صناديق الوزارات الاخرى، حيث بالكاد تكفي موازناتها رواتب واجور الموظفين. وكل ما يمكن ان يؤثر في الناخبين ينحصر في بعض المساعدات الاجنبية من اسمدة وابقار وشتول ودورات تدريبية وإرشادية.

واذا كانت حقيبة الشؤون الاجتماعية على قدر عال من الاهمية لاتصالها بالجمعيات والروابط والتقديمات الاجتماعية والمساعدات، فان وزارة الاقتصاد تكاد تكون المحرقة لشاغلها الذي ستكتوي اصابعه بالغلاء المستفحل غير القابل للضبط في ظل الظروف الاقتصادية المحلية والخارجية الصعبة.

وقد يكون من الصعب على شاغل حقيبة وزارة الصناعة ان يسترضي الصناعيين، باعتبار ان تحقيق مطالب هؤلاء المزمنة يفترض ان يمر عبر وزارة المال او وزارة الطاقة، علماً ان هذه الاخيرة لا تقل لهيباً عن وزارة الاقتصاد، باعتبار انها هي التي تصدر جدول تركيب اسعار المحروقات كل يوم اربعاء والذي بات ينهك جيوب اللبنانيين واعصابهم.

وثمة حقائب يمكن ان تنفر الناخبين بدلاً من ان تجتذبهم. وابرزها حقيبة البيئة التي يفترض فيها ان تتصدى لناشري التصحر ومتعهدي تشويه الطبيعة. كما ان هناك حقائب ثانوية لا تحظى بأي تنافس كحقيبة التنمية الادارية، او الثقافة، او الشباب والرياضة، التي تمنح على سبيل «تكملة العدد». ولكن الوزير ميشال فرعون يعتبر انه «لا توجد وزارات ثانوية ووزارات سيادية، فالجميع في مجلس الوزراء على قدم المساواة. وبامكان الوزير ان يجعل من وزارته مهمة او يجعلها ثانوية».