البغداديون يشترون الكهرباء.. ويحفرون الآبار في حدائقهم للحصول على المياه

العواصف الترابية تربك حياة العراقيين وأكبر المتضررين طلبة البكالوريا وحركة الطيران

بائع متجول يبيع كمامات خلال عاصفة ترابية في بغداد (أ.ب)
TT

التراب سيد الموقف العراقي، سيد الحياة البغدادية، عواصف ترابية حمراء تغير كل معالم والوان وطعم وتقاليد بغداد التي ما ان تهدأ فيها عمليات التفجير ويكاد الناس يشعرون بالهدوء والاطمئنان حتى تكتسح ايامهم تلك العواصف التي تحمل معها غبارا ناعما، ناعما للغاية، احمر اللون تقريبا، يتسلل من بين مسامات الجلد الى كل مكان، حتى لتبدو تلك الكمامات البيضاء التي يضعها العراقيون، وخاصة افراد شرطة المرور في الشوارع، غير مجدية للغاية.

اهم الارباكات التي احدثتها تلك العواصف الترابية، وما تزال في الاقل حتى اليوم (امس)، هي إغلاق مطار بغداد الدولي بوجه الطائرات القادمة من القاهرة ودمشق وعمان، حيث حطت هذه الطائرات في مطاري اربيل والسليمانية الدوليين بدلا من بغداد.

وبالرغم من الاعلان عن اغلاق مطار بغداد الدولي وتوقف الرحلات الجوية فان غالبية المسافرين يصرون على التوجه الى مطار بغداد الدولي متحملين مشاق الرحلة الى هناك حيث زحام السيارات وتحت درجة حرارة تصل الى 45 مئوية في ساعات الصباح الاولى، لتبلغ ذروتها القصوى في ساعات الظهيرة عندما تكون الشمس عمودية على الرؤوس. مثل هذه الرحلة تبدو متعبة ولا تطاق لا سيما طابور السيارات المنتظرة في ساحة بن فرناس قبيل المطار والتي يجري فيها تفتيش المسافرين وفتح أمتعتهم، والسماح للكلاب المتخصصة بشم رائحة المتفجرات من فحص الاشخاص والحقائب.

قاعة بابل التي افتتحت قبل ايام في مطار بغداد الدولي، والتي خصصت لمغادرة المسافرين، تزدحم تدريجيا بالمسافرين بالرغم من ان التعليمات المذاعة عبر مكبرات صوت المطار تؤكد توقف جميع الرحلات الجوية بسبب الظروف الجوية الصعبة، لكن يبقى الامل هو سيد الموقف بالنسبة للمتشبثين بالمغادرة، متأملين تحسنا ولو طفيفا في الاحوال الجوية يسمح بتحليق الطائرات او هبوطها، لكن هذا لم يحدث.

يشرح موظف في مطار بغداد الدولي، ببساطة، قائلا «لن نسمح بتحليق او هبوط الطائرات حفاظا على ارواح المسافرين»، مشيرا الى ان «هذه التعليمات المشددة تأتي تطبيقا لقواعد وقوانين سلامة الطيران وسلامة المسافرين الدولية. لكن حركة الطيران لم تتوقف في مطاري اربيل والسليمانية باستثناء الرحلات الى بغداد.

المتضرر الاكبر من هذه العواصف الترابية هم طلبة صفوف السادس العلمي والادبي الذين يخوضون هذه الايام اصعب امتحانات (البكلوريا) او الوزارية التي يتقرر على اساس نتائجها ودرجاتها قبولهم في الجامعات والمعاهد والاختصاصات التي سيدرسونها.

الطالبة شيماء في السادس ادبي ومن سكنة حي الحارثية بجانب الكرخ من بغداد اكدت «صعوبة الاسئلة لهذا العام»، وقالت «انا من المتفوقات في المدرسة ومع ذلك وجدت الاسئلة فوق مستوى الطلبة خاصة مادة التاريخ الاوروبي». واشارت شيماء الى الظروف الصعبة التي يعيشونها داخل قاعات الامتحانات «حيث تفتقر تلك القاعات الى ابسط الظروف الحياتية من اجهزة تبريد او ماء بارد يطفئ عطشنا، يرافق ذلك انقطاع التيار الكهربائي خلال الامتحانات بينما نحن نخضع لوقت محدد للاجابة عن اسئلة مطولة لا تتفق مع مستوى التدريس الذي تلقيناه خلال العام». وتشكو هذه الطالبة التي تتمنى دراسة القانون في جامعة بغداد من «الظروف الجوية التي جاءت هذا العام بهذه العواصف الترابية حيث صعوبة التنفس سواء داخل القاعة الامتحانية او في البيت».

وزارة الكهرباء تطلق التيار الكهربائي للبيوت بواقع 3 ساعات انقطاع ومثلها تجهيز الطاقة الكهربائية، وبطاقة 10 امبير التي لا تسمح بتشغيل اجهزة التبريد (الايركونديشن)، لهذا يلجأ العراقيون الى استخدام مبردات الهواء التي يستخدم فيها الماء المار عبر شبابيك الحلفاء الجافة او الياف الخشب لتبريد المكان، وهنا تبرز معضلتان، الاولى شحة المياه التي تزود هذه المبردات البدائية الفكرة، والثانية هي ان هذه المبردات صارت ترشق البيوت برذاذ من الطين حيث يمتزج الغبار مع الماء. ويعتمد الناس فيما تبقى من ساعات انقطاع على شراء الطاقة الكهربائية من مولدات خاصة بسعر يصل في احيان كثيرة الى 10 الاف دينار عراقي للامبير.

واذ يجد العراقيون علاجا لانقطاع التيار الكهربائي عن طريق شراء الامبيرات، فان المشكلة الاكبر التي تواجههم وفي ظل العواصف الترابية هي شحة المياه التي تعالجها غالبية من العوائل التي لبيوتها حدائق واسعة عن طريق حفر الآبار والاعتماد على المياه الجوفية، ولنتخيل ان سكان عاصمة العراق الغني بثرواته النفطية يعتمدون على الابار وكأنهم يعيشون قبل قرنين او ثلاثة. ويقول الدكتور زياد الطائي، من سكنة الحارثية ايضا «نحن محظوظون لان لنا حدائق ونستطيع حفر الابار فهناك غالبية عظمى من البغداديين الذين يسكنون الشقق او البيوت التي ليست فيها حدائق»، منوها الى ان «نظافة المياه الجوفية غير مضمونة ونحن نستخدم هذه المياه لأغراض الغسيل بعد تعقيمها، بينما نشتري قناني مياه الشرب بأعداد كبيرة».

ويضيف الطائي قائلا «هناك متعهدون يحفرون تلك الابار وباسعار تختلف مع اختلاف عمق البئر وتتراوح ما بين 150 الى 200 الف دينار عراقي، من غير ان يضمن لك هذا المتعهد ان هذه البئر تحتوي على مياه او لا لهذا يحفر بئرا أخرى في منطقة اخرى من الحديقة لنضمن الحصول على المياه الجوفية».