خطب نصر الله تعلو وتهبط في إيقاعاتها وفقا لمتطلبات المرحلة.. والأكثرية ترى إيجابيات في كلامه الأخير

آخرها الألطف وخطب حرب يوليو الأغزر وما بعدها.. الأخطر

TT

لا يختلف اثنان على ان ألامين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله هو من ابرز خطباء لبنان، فهو، اضافة الى شعبيته في اوساط مؤيديه، لديه الكثير من المستمعين في لبنان والعالم. وعندما يتكلم يستمع الجميع، بدءا من تل ابيب ـ حيث تقول استطلاعات الرأي إن الاسرائيليين يستمعون اليه أكثر مما يستمعون الى رئيس وزرائهم ـ مرورا بالعالم العربي وصولا الى لبنان.

يلقي «السيد» خطابات مفصلية، وهناك محطات ثابتة لكلامه: يوم الاسرى يوم شهيد «حزب الله» ويوم القدس والعاشر من محرم. وهناك محطات متنقلة تبعا لضرورات الموقف وتدخل السيد المباشر لتوجيه الرسائل أو شرح المواقف. في حرب يوليو (تموز) التي دامت 33 يوما القى نصر الله 8 خطابات وأدلى بحديثين متلفزين لعل ابرزهما كان ذلك الذي اعطى فيه كلمة السر على الهواء مباشرة لضرب البارجة الاسرائيلية قبالة الشاطئ اللبناني، وذلك الذي توعد فيه بضرب «ما بعد حيفا وما بعد بعد حيفا»، فاصبحت كلمته هذه موضع تندر عند الخصوم وموضع تقدير عند الانصار.

كان نصر الله يتحدث بايجابية مطلقة خلال هذه الحرب عن الجبهة الداخلية اللبنانية وعن الحكومة، لكنه غيّر بعد ذلك وجهته، في خطابه الشهير الذي دعا فيه انصار المعارضة الى النزول الى الشارع للتظاهر حتى إسقاط «حكومة فيلتمان» ـ نسبة الى السفير الاميركي السابق في بيروت جيفري فيلتمان. وهو الخطاب الذي تضمن أقسى عبارات التخوين ضد الاكثرية التي اتهمها بالتواطؤ مع الاسرائيليين والاميركيين لضرب المقاومة. وكانت هذه الخطبة إعلانا للطلاق مع فريق الاكثرية، اصبح بعدها الكلام تخوينيا من الطرفين وصولا الى الموقعة الاخيرة التي مهّد لها السيد بخطاب آخر أسقط فيه وعده بعدم «استعمال سلاح المقاومة في الداخل» ليحمل شعار «السلاح لحماية السلاح». أما الخطاب الاخير لنصر الله فقد كان الأهدأ منذ أن وقعت الواقعة بين اللبنانيين. وهو ربما يؤشر الى بداية هدنة طويلة أو قصيرة تبعا لمتطلبات الوضعين الاقليمي والدولي وتبعا للتطورات المقبلة.

وفيما تلقت أوساط الاكثرية البرلمانية خطاب نصر الله بإيجابية، إلا انها تحفظت في الكلام عنه وحوله. يقول الاعلامي فارس خشان إنه لا توجد لدى نصر الله «اي معايير ثابتة في ما يتعلق بالخطاب السياسي» مشيرا الى انه (نصر الله) يعرض ما يريده بهدوء فاذا لم يقبل عرضه يرفع سقفه ولهجة خطابه. ويرى ان نصر الله «لم يقدم عمليا اي تنازلات في خطابه الاخير». فهو كان يدعو دائما الى «التلاقي على مشروع المقاومة، واتى هذه المرة ليقول انه يوافق على كل ما يقبل به اهل الجنوب الذين ينطق باسمهم الان، اي انه عمليا يقول للجميع تعالوا الي فاذا وافقت أوافق!».

ويرى النائب الياس عطا الله من فريق «14 اذار» ان تحولا استراتيجيا طرأ على خطابات نصر الله وخطاب «حزب الله» منذ العام 2006، حيث توجه الحزب الى الداخل اللبناني بعدما كان يتصرف على انه غير معني بهذه الملفات. ويشير الى ان الحزب بدأ يتقدم نحو الداخل بعد الانسحاب السوري من البلاد «كأن هناك دورا داخليا قد رسم للحزب منذ ذلك التاريخ بديلا عن الدور السوري، فقد كان السوري هو ضابط الايقاع واصبح نصر الله هو الضابط المرئي».

واعتبر منسق الامانة العامة لقوى «14 آذار» النائب السابق فارس سعيد أن نصر الله عاد الى خطاب بنت جبيل في 26/5/2000 بعد لحظة التحرير عندما قال ان هذا الانجاز هو انجاز لجميع اللبنانيين وان المقاومة لن توظف هذا الانجاز كمشروع غلبة في الداخل او في السياسة الداخلية. ثم أتى كلامه في 14 اغسطس (آب) 2006 عندما اكد توظيف صموده أمام الآلة العسكرية الاسرائيلية في الداخل وبدأ بتصنيف اللبنانيين خونة ووطنيين، مشيرا الى ان «خطاب امس (الاول) هو ثالث خطاب مفصلي له ويأتي بعد احداث بيروت واجتياح الجبل وبروز حالة رفض لحزب الله، لم تقتصر فقط على الجو السني اللبناني والمسيحي اللبناني والدرزي اللبناني انما تجاوزت لبنان. واصبح هذا الرفض، بعد سلوك حزب الله، رفضاً عربياً واسلامياً جامعاً. ويحاول اليوم، رغم الانفتاح الذي اظهره امس (الاول)، العودة الى حالة استيعابية للجو الداخلي اللبناني وان يطرح عملية الحوار كآلية للعودة الى التطبيع الداخلي مع كافة الافرقاء».

الى ذلك توقفت مصادر حكومية بارزة عند كلام نصر الله حول مزارع شبعا وقوله: «لا نمانع ان يخرج الاسرائيليون من مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وان يعطوها للأمم المتحدة وتكون تحت سيادتها» واعتباره ان التحرير في هذه الحالة «يكون منقوصا والتحرير الكامل هو أن تعود الارض الى السيادة اللبنانية». واعتبرت ان هذا الكلام يدخل النقاش الى الموضوع الفعلي بخصوص مزارع شبعا ما يعني ان «حزب الله» مستعد لأن يتعاون بكل الوسائل لانجاح هذا الاحتمال مع ما يتطلبه من جهود وتسهيلات. وهذا يشكل تقدما كبيرا على هذا الطريق الذي يمكن ان يوصل البلاد نحو إخراج الاحتلال الاسرائيلي من المزارع.

وتوقفت المصادر الحكومية ايضا أمام كلام نصر الله عن موضوع السلاح وخصوصا قوله: «نحن لم نقل يوما ان مقاومتنا أبدية وأننا متمسكون بسلاحنا الى أبد الآبدين» وقوله في مكان آخر «نحن لسنا متمسكين بسلاحنا. نحن لا نعبد هذا السلاح ولا السلاح هو القضية، السلاح هو لخدمة القضية» ثم قوله: «نحن مستعدون للنقاش حول وظيفة السلاح بعد تحرير الارض من ضمن نقاش الاستراتيجية الدفاعية». ورأت المصادر ان أهمية هذا الكلام تكمن في استعداد الحزب للمشاركة والتشارك مع بقية اللبنانيين في النقاش في كيفية حماية لبنان والدفاع عنه.