غليان في الأنبار بسبب التناحر بين مجموعات الصحوة والحزب الإسلامي

خلاف حول قائد الشرطة ينذر بتفجير نزاع سني واسع النطاق

TT

بعد زيارته لأحد السجون، رجع قائد الشرطة طارق يوسف العسيلي إلى مكتبه الفسيح، حيث يجتمع معه ضباط في الجيش الأميركي ورجال السلطة البارزون في العراق طلبا للنصح. وقبل أسبوع، قام مجلس الحكم المحلي في الرمادي، عاصمة إقليم الأنبار، بإصدار قرار بفصله من منصبه. لم يول العسيلي القرار اهتماما، وذهب إلى مكتبه. جلس خلف مكتبه الكبير وعلى وجهه ابتسامة تحد، ثم قال: «ليس من حق مجلس الحكم المحلي إصدار قرار بفصلي».

إصرار قائد الشرطة على البقاء في منصبه يدل على حركة سياسية جديدة في مناطق العرب السنة في العراق، فثمة تقدم لمجالس الصحوة، التي بدأها زعماء القبائل وتدعمها الولايات المتحدة، وقد تمكنت تلك المجالس من محاربة المتطرفين وكانت عنصرا مهما لتحقيق الاستقرار في الكثير من المناطق. ويخطط قادة مجالس الصحوة للمنافسة كقوة سياسية خلال الانتخابات المحلية المزمع إجراؤها خلال الخريف المقبل، حيث سيختار العراقيون مجالس الحكم المحلية في محافظات العراق البالغ عددها 18 محافظة. ومن المحتمل أن تتنافس مجالس الصحوة مع المجموعات السنية القائمة، ومن بينها الحزب الإسلامي العراقي، وهو أكبر حزب سني سياسي، يتزعمه سياسيون سنة عاش عدد كبير منهم في المنفى خلال فترة حكم صدام حسين. ويدير الحزب الإسلامي العراقي بكفاءة مجلس الحكم المحلي في محافظة الأنبار، في الوقت الذي تسيطر فيه مجالس الصحوة على شرطة المحافظة. والعسيلي هو أحد مؤسسي مجالس الصحوة في المحافظة. ويقول العسيلي، الذي يبلغ من العمر 44 عاما، تعليقا على قرار فصله: «إنه قرار سياسي، فهم يعتقدون أن الشرطة سوف تؤثر على الانتخابات. لا توجد مصداقية للحزب الإسلامي العراقي في الشارع، فلا أحد يدعمهم. يريدون قائد شرطة تابعا لهم كي يتمكنوا من تزوير النتائج».

وعلى الجانب الآخر، نفى خضير مرزوق، وهو عضو بارز بالحزب الإسلامي العراقي، تلك الاتهامات، حيث قال: «تريد مجالس الصحوة منا أن نترك مقاعدنا، ولكنهم لا يمتلكون المؤهلات، فهم لم يأتوا عن طريق الانتخابات».

ومنذ غزو العراق تحت قيادة الولايات المتحدة الأميركية عام 2003 تفتقر الأقلية السنية، التي كانت فيما مضى تحظى بامتيازات كبيرة، إلى قيادة منسجمة مع بعضها، حيث يتنافس المتمردون ورجال الدين والسياسيون الذين كانوا يعيشون في المنفى وزعماء القبائل على تولي القيادة. وفي محافظة الأنبار، شارك الحزب الإسلامي العراقي في الانتخابات واستحوذ على عدد من المراكز المهمة، من بينها مكتب المحافظ ومجلس الحكم المحلي ومناصب إدارية مهمة. ولكن، كانت شرعية فوز الحزب الإسلامي العراقي محل تساؤل بسبب نسبة المشاركة المنخفضة للغاية، التي كانت أقل من 2 في المائة ممن يحق لهم الانتخاب. وفي عام 2006، تحول زعيم قبلي بارز، وهو عبد الستار أبو ريشة ومعه آخرون ضد تنظيم «القاعدة» حيث رفض سياسات التنظيم الملطخة بالدماء. وفي سبتمبر (أيلول) الماضي، اغتيل أبو ريشة، ولكن استمر انتشار مجالس الصحوة في الكثير من المناطق الأخرى في العراق، حيث حاكت الكثير من القوات المدعومة من الولايات المتحدة ما بدأه أبو ريشة في محافظة الأنبار. وقد عززت النجاحات التي حققوها من وضعهم على الصعيد السياسي. وهناك توقعات كبيرة بأن تتسبب الانتخابات المحلية المقبلة في زيادة تمثيل السنة في العراق. ولكن في الوقت الذي يتراجع فيه العنف بين الشيعة والسنة، تزداد حدة المنافسة داخل صفوف السنة على السلطة. ويقول عبد الكريم العسيلي، وهو مسؤول بارز في مجالس الصحوة وأخو قائد الشرطة: «لا نريد أن توكل إلينا بعض الوزارات، بل نريد أن يتم ذلك عن طريق الانتخابات».

قبل سبعة أشهر، أرسل مجلس الحكم المحلي أربعة ترشيحات لقائد جديد للشرطة لوزارة الداخلية العراقية، ولم يكن طارق يوسف العسيلي ضمن الأربعة. ومع ذلك، قامت وزارة الداخلية التي تشرف على قوات الشرطة العراقية بتعيينه، اعترافا من الحكومة التي يتزعمها الشيعة بتنامي قوة مجالس الصحوة. وبعد أن تولى العسيلي قيادة الشرطة، تراجعت معدلات العنف في الرمادي وازدهرت الحياة التجارية في المدينة بعد أن كانت تشبه إلى حد كبير مدن الأشباح. وعلى الرغم من ذلك، ففي نهاية مايو (أيار) صوّت مجلس الحكم المحلي على قرار لفصله من منصبه. وقد قال مرزوق أن قائد الشرطة أرسل رجاله خارج المحافظة وفصل ضباطا في الشرطة واتخذ قرارات أخرى من دون الحصول على إذن من مجلس الحكم المحلي. ويتساءل مرزوق: «من الأعلى هنا؟ المحافظ أم قائد الشرطة؟، المحافظ كالرئيس داخل المحافظة». وكان المحافظ، وهو عضو في الحزب الإسلامي العراقي، قد وافق على قرار فصل طارق العسيلي. وهناك الكثير من الكلام حول التغيير السياسي المرتقب في الانبار. يقول هيثم عبد الحميد ذنون، وهو مدرس يبلغ من العمر 37 عاما، إنه يشعر بالإحباط لغياب الخدمات الأساسية والاستثمارات، ويضيف: «لم يفعل الحزب الإسلامي العراقي أي شيء للمدينة والمواطنين الذين يعيشون فيها، بل قاموا بتعيين مؤيديهم في مناصب حكومية».

وتعد الروابط القبلية عنصر قوة بالنسبة لمجالس الصحوة. تقول أم أحمد، وهي ربة منزل رفضت أن تعطي اسمها بالكامل: «إنهم (أي مجالس الصحوة) أقرب إلينا، ونشعر بأنهم قاموا بالكثير لصالح المواطنين».

لكن مرزوق يؤكد أن الحزب الإسلامي العراقي يحظى بكثير من الدعم في مختلف أنحاء العراق، وأضاف مبتسما: لا نشعر بالقلق. وخلال الأشهر الأخيرة، تبادل قادة مجالس الصحوة الاتهامات مع الحزب الإسلامي في مناطق أخرى بالمحافظة. وقد سمى أحد الزعماء القبليين البارزين وهو حميد الهايس بعض المرشحين لشغل المناصب الخالية في الحكومة بعد أن قاطعت الكتلة الإسلامية الحكومة المركزية بسبب خلافات سياسية. وفي العام الحالي، طلب الهايس من سياسيين تابعين للحزب الإسلامي العراقي أن يتركوا مناصبهم في الأنبار وتعهد بحمل السلاح ضدهم. ووصفهم في الصحف بأنهم جناح سياسي لـ«القاعدة». ورد الحزب بأن رفع دعوى قضائية ضد الهايس وأحد الشخصيات البارزة في الصحوة. وقد أصدرت المحكمة العليا أمرا بالقبض عليهما. وتتزايد التوترات بينما تعد الولايات المتحدة لتسليم المسؤولية الأمنية لمحافظة الأنبار للعراق. وقد أصبحت التفجيرات الانتحارية متكررة في الأشهر الأخيرة، البعض منها كان له طابع سياسي، ففي الشهر الماضي تم تفجير مقر الحزب الإسلامي العراقي في مدينة الفلوجة. ويخاف الكثيرون من أن يتحول الخلاف حول قرار فصل العسيلي إلى نزاع سني واسع النطاق، فبدون شرطة قوية للحفاظ على الوضع الأمني، قد يستأنف المتمردون هجماتهم. ويقول رجال الشرطة أنهم لا يقبلون بأي حال قرار فصل قائدهم. ويقول سكرتير العسيلي، الذي طلب عدم ذكر اسمه لمخاوف أمنية: «سنحارب أي شخص يوافق على هذا القرار»، مشيرا إلى أن مجلس الحكم المحلي يوفر الظروف التي ستفضي إلى المزيد من العنف. وقال العسيلي إنه يشك في أن تقوم الحكومة المركزية بإصدار قرار بفصله، مضيفا: «لا أعتقد أن الحكومة مستعدة للتضحية بأمن الأنبار، فالشيء الوحيد الذي تفخر به الحكومة في الوقت الحالي هو محافظة الأنبار. والنجاح الرئيسي للولايات المتحدة هو في الأنبار. إذا تم فصلي، ستضعف الروح المعنوية للكثير من رجال الشرطة وسينهار الوضع الأمني مرة أخرى».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»