ماكليلان يصف الرئيس الأميركي بـ«صاحب القرارات المتهورة» التي لا يستطيع حسمها

قال في كتابه «ماذا حدث»: حاول بوش تقديم نفسه على أنه قائد منظم ويفوض المسؤوليات بحكمة

TT

يصور سكوت ماكليلان، المستشار الصحافي السابق في عهد بوش في كتابه «ماذا حدث»، السياسة الخارجية للرئيس جورج دبليو بوش الذي كان يدعو نفسه دائما بصاحب القرار، قد فشلت، بسبب أن «صاحب القرار» ـ حسنا ـ حاسم للغاية. ويذكر الكتاب ان قرار بوش المتهور باحتلال العراق قد فتح الباب على مصراعيه للتدخل الإيراني وازدياد نفوذه، كما أنه قد عمل على تقويض الجهود التي تقوم بها الولايات المتحدة من أجل تتبع عناصر القاعدة بفعالية أكبر في كل من أفغانستان وباكستان، وعمل كذلك هذا القرار على جذب انتباه الغرب بعيدا عن تدهور العلاقات مع روسيا، وغير ذلك الكثير والكثير. وحسب ماكليلان، لا يستطيع المرء فهم سجل بوش دون فهم مشكلة أخرى لبوش، ألا وهي: فشله المتكرر في اتخاذ القرارات أو تطبيقها عندما يتم التوصل إليها. ففي كل مشكلة بعد أخرى، بدءا من الشرق الأوسط إلى كوريا الشمالية وقسم الأمن القومي، أثبت بوش أنه متوان ويضيع وقته سدى، ولا يستطيع اتخاذ قرارات حاسمة أو الضغط على فريق العمل الخاص به من أجل تنفيذ أوامره. ويمكنك أن تدعوه بالرئيس غير الحاسم. ويذكر ماكليلان في كتابه: لا يجد المرء صعوبة في تخيل هذه الصورة لبوش الذي كانت صورته دائما تدل على أنه «لاعب شجاع» ويمتاز بالعزم الذي لا يلين وبوضوح الرؤية للوصول إلى تحقيق أهدافه. وفي سيرته الذاتية المؤلمة «ماذا حدث» يكتب سكوت ماكليلان، وهو المستشار الصحافي السابق في عهد بوش، أن الرئيس حاول تقديم نفسه على أنه «قائد منظم يركز على اتخاذ القرارات الصعبة ويفوض المسؤوليات بحكمة، مثلما يفعل المديرون التنفيذيون الناجحون في الشركات الكبرى».

ولكن كما أوضع العديد من العاملين في إدارة بوش، فإن أسلوب المديرين التنفيذيين الذي يتبعه الرئيس تنتابه حالات غضب فيما يتعلق بالمحافظة على المواعيد (فقد منع كولن باول وزير خارجيته السابق من حضور اجتماع لمساعديه بسبب تأخره، حسبما يقول ماكليلان) بدلا من ممارسة الحسم الحقيقي. وهذه الصورة لهذا القائد غير الحاسم وغير الفعال، لم يقم برسمها الكارهون لبوش، بل قام برسمها مساعدوه السابقون. ويتساءل ماكليلان، لماذا يبدو بوش مترددا بهذه الصورة؟ إليكم بعض زلاته الإدارية المشهورة:

ترك الاختلافات الجوهرية حتى تكبر. فمع إصراره الواضح على الوضوح الأخلاقي، إلا أنه قد فشل في لفت الانتباه وتأسيس سياسات واضحة. وقد جعل ذلك من إدارته فريسة للاختلافات الحادة في وجهات النظر والعداءات الشخصية. وحسب الكتاب، فالمثال البارز هنا هو إيران. فبعد سبع سنوات من تولي بوش لمنصب الرئاسة، مازال من غير الواضح ما إذا كان يتبنى خيار تغيير النظام في إيران أم أنه يفضل إجراء المباحثات من أجل إيقاف البرنامج النووي للزعماء الدينيين في إيران. إن الفشل في اتخاذ القرار يعني الفشل على كل صعيد. وعلى أية حال، فإنه لا يمكننا إنجاز الأمرين معا: فمن الواضح أن الإيرانيين متشددون فيما يتعلق بوقف جهودهم في مجال الحصول على الأسلحة النووية، لاسيما إذا أدركوا رغبتنا في تغيير النظام. ولكن ذلك هو ما تتوقع إدارة بوش تماما من الإيرانيين فعله. فقد شاركت الولايات المتحدة الدول الأوروبية في بدء سلسلة من المباحثات مع إيران، رغم أن واشنطن قد خصصت 75 مليون دولار من أجل برامج تطوير الديمقراطية في إيران ودعم معارضي النظام هناك. ولا شك أن ذلك يعني أن الإيرانيين يدركون جيدا رغبة واشنطن في تغيير النظام. وقد زاد الموقف احتداما خلال الشهر الماضي، حيث سخرت إدارة بوش من المفاوضات مع القادة الإيرانيين، رغم أن مستشار الأمن القومي ستيفين هادلي قد أصر على أن الإدارة الأميركية مصرة على التوصل إلى «استراتيجية دبلوماسية» مع إيران. ويقول المستشار الصحافي لبوش إن الحال سار على نفس المنوال في التعامل مع أزمة كوريا الشمالية. فبعد سنوات من نقد نظام كيم يونغ، نجد أن البيت الأبيض قد تحول تماما وفوض مساعد وزير الخارجية كريستوفر هيل في محاولة التوصل إلى اتفاق حول برنامج بيونغ يانغ النووي. ويبدو أن هيل على وشك تحقيق نجاح متأخر في السياسة الخارجية، ولكن ذلك في مقابل تكلفة كبيرة. فإذا كانت الإدارة قد بدأت من حيث انتهى فريق كلينتون عام 2001، فما كان لكوريا الشمالية أن تمتلك من المواد النووية ما يكفي لصنع نحو ستة أسلحة نووية. ويبدو أنه كان على هيل أن يتغلب على المزيد من العراقيل التي وضعها مكتب نائب الرئيس تشيني، أكثر من تلك التي فرضها آخر أنظمة العالم تبنيا لمنهج ستالين. وحسب ماكليلان، فإن إدارة بوش لم تكن قادرة على اتخاذ قرار بشأن الصراع العربي الإسرائيلي. فقد تولى بوش منصبه بعد فشل اجتماع كامب ديفيد عام 2000 الذي استضافه كلينتون، وكانت إدارة بوش حريصة على إيضاح أن الإدارة لن تغامر بوقت أو مجهود الرئاسة على عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية. وقد كان هناك بعض إبداء الاهتمام من آن لآخر ـ ومن ذلك تلك الخطة التي كان من المفترض أن تقود إلى دولة فلسطينية، ولكن لم يتم تنفيذها، حتى إن البعض تساءل عما إذا كانت «خارطة الطريق» قد طوتها صفحات النسيان. وفي عام 2007، وبعد سنوات من جلوس هذه الإدارة على مقعد البدلاء خارج الملعب السياسي، حسب ماكليلان، فاجأتنا هذه الإدارة بالتحول الغريب في موقفها. فقد أعلنت وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس أن الإدارة الأميركية قد عادت إلى لعبة التوصل إلى السلام وأنها قررت إبرام اتفاق سلام بين إسرائيل والفلسطينيين قبل انتهاء مدة رئاسة بوش. لكن بوش نفسه بقي غير مبد ما يكفي من الاهتمام، بل إن الإدارة قد توقفت عن الحديث حول الوصول إلى اتفاق سلام بنهاية هذا العام. فبوش لم يكن قادرا في أي وقت على اتخاذ قرار حول ما إذا كان يقوم بدور في لعبة السلام.

* خدمة «نيويورك تايمز»