حكومة لبنان تبصر النور قريبا بعد حل «العقدة العونية».. وتباينات طفيفة داخل الأكثرية تؤخر إعلانها

السنيورة صاحب الرقم القياسي في المسافة بين التكليف والتأليف

TT

ساعة بعد ساعة يتأكد في العاصمة اللبنانية أن الدخان الابيض سيصعد قريبا من القصر الجمهوري، معلنا ولادة الحكومة اللبنانية الجديدة التي تزايدت المؤشرات على اقتراب اعلانها المتوقع اليوم أو غدا على ابعد تقدير، مع ترك هامش لتعقيدات اللحظات الاخيرة التي قد تربك المسعى الحكومي.

وفي حال تأليف الحكومة، أو لم يتم، فان الرئيس المكلف فؤاد السنيورة حطم رقما قياسيا لبنانيا في الفترة التي فصلت بين تكليفه تأليف الحكومة وتأليفها، اذ سيبلغ الفارق بين التكليف والتأليف – اذا تشكلت الحكومة الاثنين كما هو متوقع – 49 يوما وهو رقم لم يسبق له مثيل في تاريخ تأليف الحكومات اللبنانية.

فقد انتقل «الطباخون» من البحث في توزيع الحقائب، خصوصا بعد حل «العقدة العونية»، الذي ترجم بلقاء ضم السنيورة الى رئيس تكتل التغيير والاصلاح النائب العماد ميشال عون إلى مائدة الاخير، تبلغ خلالها الاسماء المقترحة للوزارات التي ستسند الى التيار، الاتصالات للمسؤول عن العلاقات السياسية في التيار جبران باسيل والطاقة للوزير السابق الان طابوريان (الطاشناق الارمني) والزراعة لرئيس الكتلة الشعبية المتحالف مع عون ايلي سكاف والشؤون الاجتماعية للنائب نبيل نقولا، اضافة الى منصب نائب رئيس الحكومة وزير الدولة اللواء عصام ابو جمرا. وحسمت حركة «أمل» التي يرأسها رئيس مجلس النواب نبيه بري اسماء وزرائها وهم وزير الخارجية الحالي فوزي صلوخ للمنصب نفسه ووزير الصحة الحالي محمد جواد خليفة المنصب نفسه ووزير الزراعة الحالي طلال الساحلي لمنصب وزير الصناعة. وتبلغ السنيورة من وفد من حزب الله زاره أمس اسمي وزيريه محمد فنيش (للعمل) والنائب حسين الحاج حسن على الارجح، فيما سيذهب المقعد الشيعي السادس الى تيار المستقبل، حيث سيكون النائب غازي يوسف، بعدما أمن الحزب مقعدا في وزارة المهجرين لحليفه الدرزي النائب السابق طلال ارسلان. وبالتالي ستقتصر حصة النائب وليد جنبلاط على وزيرين درزيين هما وزير الاعلام غازي العريضي للمنصب نفسه وأحد النائبين وائل ابو فاعور وأكرم شهيب لوزارة الاشغال العامة والنقل، بالاضافة الى تعويضه بوزير كاثوليكي هو وزير المهجرين الحالي نعمة طعمة (وزير دولة)، مما يعني ان وزير الاتصالات الحالي مروان حمادة، عميد وزراء جنبلاط، سيصبح خارج التشكيلة بشكل مؤكد.

أما رئيس الجمهورية فقد حسم مقعد وزير الدفاع لصالح الوزير الحالي الياس المر، أما وزارة الداخلية فستكون لماروني هو أحد عضوي اللجنة الوطنية لقانون الانتخاب ميشال تابت أو زياد بارود، مع احتمال توزير الاعلامية الهام فريحة وزيرة دولة.

وسيحتفظ رئيس الحكومة فؤاد السنيورة لنفسه بوزارة المال بعدما تعذر توزير الوزير الحالي جهاد ازعور في هذا المنصب بسبب توزيع الحقائب السيادية بين الطوائف الكبرى (نال الموارنة وزارة الداخلية). وسينال تيار المستقبل ايضا وزارتي العدل التي سيشغلها النائب سمير الجسر والتربية التي سيشغلها، أما النائبة بهية الحريري أو الوزير الحالي خالد قباني. وجرى حديث أمس عن تباينات بشأن توزيع بعض الحقائب بين مسيحيي «14 اذار»، اذ تطالب القوات بوزيرين يحمل احدهما حقيبة الاشغال العامة، كما ان الرئيس امين الجميل يتمسك بحقيبة الصناعة لوزير ماروني كتائبي والا فالسياحة. وتوقعت مصادر حكومية متابعة ان يصار الى حل عقدة التوزيع داخل فريق 14 آذار في وقت سريع من خلال اتصالات يجريها رئيس كتلة المستقبل النائب سعد الحريري الموجود في الخارج مع الاقطاب او بعودته الى بيروت في الساعات المقبلة.

ونفى النائب وائل ابو فاعور أن يكون البحث قد وصل الى حدود البيان الوزاري، لكنه اشار في اتصال مع «الشرق الاوسط» الى أن الاجواء السياسية الاخيرة لا سيما بعد الخطاب الاخير للامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله تنتج أجواء وفاقية يمكن الاستفادة منها. وتوقع ولادة قريبة جدا للحكومة بعد تذليل معظم العقبات ويبقى أمامها اللمسات الاخيرة.

واعلن السنيورة، بعد انتهاء لقائه وعون في الرابية، ان التشكيلة الحكومية لن تعلن اليوم، لكنه طمأن الى ان السبب لا يعود الى تعقيدات، بل للبحث في الاسماء مع الاطراف الاخرى. وقال بعد انتهاء غداء العمل مع عون: «كانت جلسة فيها الكثير من الود ولكن في آن واحد كان فيها الكثير من المواضيع التي جرى البحث فيها وتطرقنا الى امور مختلفة تتعلق بنظرتنا الى طبيعة المرحلة المقبلة وكيفية التعامل معها والتعاون لتكون هذه التجربة التي سنخوضها معا تجربة الحكومة الوطنية، والتي هي استثنائية اقتضتها ظروف استثنائية في لبنان نأمل في ان تكون ناجحة وسنعمل لتكون كذلك ان شاء الله، لنعود بعد ذلك الى التجربة العادية التي قام عليها النظام اللبناني وهي تجربة الديمقراطية، حيث هناك اكثرية واقلية. وفي النظام هذا تستقيم الامور، الاكثرية تعمل وتنشط للبقاء في الحكم والاقلية تعمل من اجل ان تصبح اكثرية». وأضاف: «تداولنا ايضا بمشاركة العماد عون في هذه الحكومة من خلال الحقائب الاربع، وبالتالي كان هناك تفاهم. وكما قلت قبل اقل من ثلاث سنوات عندما زرت العماد عون هنا وقلت انه عندما نصل في نقاش الامور الى التفاصيل للقضايا نجد ان هناك كثيرا من التوافق في الافكار التي تتعلق بسياسة الحكومة وبالمسائل التي سنتعرض لها».

ودعا السنيورة اللبنانيين الى «الاستفادة من التجارب التي مررنا بها ولنحاول ان نبني على هذه الفرصة المستجدة امكان التعاون في ما بيننا حتى نتوجه حقيقة الى معالجة ما يعاني منه اللبنانيون، ان من فقدان للامل او للأمن الى عدم الاطمئنان الى المستقبل، الى شعور بأن هناك تدنّياً في قدرتهم ومستواهم المعيشي». واضاف: «لا يمكن ان نواجه هذا الامر وهذا التحدي الا من خلال التعاون بداية في السلطة التنفيذية ومن خلال هذه الحكومة التي سنعمل على ان يكون توجه جميع الوزراء هو نحو التعاون. مجلس الوزراء ليس المكان للمناكفات ولا للخلافات لان في ذلك مزيدا من الخسائر ومزيدا من ضياع الفرص، وتاليا اللبنانيون سئموا من ذلك ويريدون ان يحسنوا مستوى معيشتهم ويريدون ان يجدوا فرص عمل بدلا من ان يقفوا على ابواب السفارات باحثين عن فرص العمل».

وفي دردشة مع الصحافيين، عبّر العماد عون عن ارتياحه للتشكيلة الحكومية المطروحة، مشيراً الى انه لم يكن قلقا في اي مرحلة، بل كان هناك ذهنية تريد اقصاءه منذ 18 سنة، معتبراً ان «العقدة العونية» هي «عقدة في النفوس».

وقال عون ان تطييف الحقائب يجب الا يكون موجودا، والى انه سوف يشرح للناس مشكلة وزارة الطاقة ويحضر الملفات لان الشعب لا يعلم ماذا يوجد في وزارة الطاقة. واوضح انه «حصل على تعهد من رئيس الوزراء الا يوقف اي مساعدة تصل من قطر لمصلحة وزارة الطاقة».

وعن الخلاف الحاصل ضمن فريق قرنة شهوان حول المقاعد المسيحية، قال: «انتم تحكمون اين الخلاف وسوف تكبر اكثر الخلافات بينهم، فماذا يجمعهم؟».

وكان رئيس مجلس النواب نبيه بري قد قطع جولة خارجية كان يقوم بها وعاد الى بيروت في مؤشر اضافي لقرب اعلان الحكومة. وقد التقى امس المعاون السياسي للامين العام لحزب الله حسين خليل ورئيس لجنة الارتباط والتنسيق وفيق صفا. وقال خليل بعد اللقاء: «ان الأجواء كلها إيجابية وتفاؤلية وقد نكون انتقلنا من مرحلة التشكيل الى مرحلة وضع اللمسات الاخيرة على أسماء الوزراء (...) وقد بحثنا مع دولة الرئيس بري في اللمسات الأخيرة لموضوع الأسماء، خصوصا في ما يتعلق بحصة المعارضة وعلى وجه الخصوص الأسماء التي ستقدمها حركة «أمل» وحزب الله.

وسئل: ما مدى صحة المعلومات عن انكم في صدد فتح خط مع النائب سعد الحريري من خلالكم شخصيا أو ان الخط قد فتح فعلا؟ فأجاب: «أعتقد بشكل عام ان ما تفضل به سماحة السيد حسن نصرالله كان واضحا سواء ما تكلم به عن شخصه الكريم وعن قيادة حزب الله ايضا لقد حدد سماحته ان هذه فرصة، عملية تبادل الأسرى هي فرصة لكي تكون قاسما مشتركا وهي الجامع الوطني لكل اللبنانيين، وان موضوع الانفتاح أصبح قدرا عندنا، وعند كل المجموعات».

ورأى عضو كتلة «التحرير والتنمية» النائب علي خريس، «ان الاجواء الايجابية والتوافق الذي حصل وحسم الكثير من الامور والخلافات عوامل مؤشرة لتشكيل حكومة الوحدة الوطنية»، مشيرا الى ان الاعلان عن هذه الحكومة يمكن ان يكون خلال الساعات القليلة المقبلة، او على ابعد تقدير خلال الايام القليلة المقبلة.

واكد وزير الاشغال العامة والنقل محمد الصفدي امس ان جميع العقد عند المعارضة قد تم حلها في موضوع تشكيل الحكومة، لافتا الى ان اعلانها سيتم خلال اليومين المقبلين. وقال: موضوع تشكيل الحكومة اصبح قريبا، وجميع العقد عند المعارضة قد تم حلها، لاسيما مع الجنرال عون وحزب الله وحركة امل، واعتقد ان هناك بعض العقد البسيطة يعمل رئيس الحكومة على تذليلها ولكن كل الامور المعقدة قد تم حلها ويبقى الامور غير الاساسية.

واشار الى ان طرابلس ستتمثل في الحكومة بوزيرين. وقال: عند تشكيل الحكومة وبداية العهد الجديد، اعتقد ان هذا الامر سيعطي راحة وفرصة للبنانيين ليشعروا بان الحل في لبنان انطلق، ولا نريد ان ننسى موضوع طاولة الحوار الذي هو موضوع قائم بحد ذاته، ولكن متى ستنعقد طاولة الحوار فهذا امر تفصيلي، لانه يمكن ان تنعقد بعد تشكيل الحكومة او قبل قانون الانتخابات او بعده ولكن طاولة الحوار هي طاولة قائمة وان شاء الله ستكون انطلاقة لبنان الجديد في هذا العهد الجديد بعد انعقادها.

ورحب عضو كتلة المستقبل النائب رياض رحال بالاجواء الوفاقية السائدة حاليا حول تشكيل الحكومة، وتمنى ان تنطلق مرحلة جديدة من العمل السياسي ومسيرة العهد بقيادة الرئيس العماد ميشال سليمان، منوها بما قام به من جهود لتحريك عجلة الاتصالات بين الافرقاء كافة للوصول الى التوافق، ومثنيا على ما قام به ايضا النائب الشيخ سعد الحريري من اتصالات ومساع أثمرت ما فيه خير الوطن ومصلحة المواطنين.