قيادات الجماعة المقاتلة الليبية تستعد لإعلان مبادرة لوقف العنف

نعمان بن عثمان القيادي السابق في الجماعة لـ «الشرق الأوسط» : المعتقلون في سجن بوسليم توصلوا لقناعات فكرية

TT

علمت «الشرق الأوسط» أن تطوراً جديداً طرأ على قضية الاتصالات الجارية بين السلطات الليبية وقادة «الجماعة الإسلامية المقاتلة» الليبية، المحتجزين في سجن بوسليم بطرابلس، إذ انتهى هؤلاء تقريبا للتوصل لقناعات فكرية تدين العنف المسلح، بعد ان قدم الأمن الليبي تسهيلات لأعضاء مجلس شورى الجماعة، للتقارب والحوار والانتهاء من المراجعة الفقهية. وكشف نعمان بن عثمان قيادي الجماعة «المقاتلة» السابق في لقاء اجرته معه «الشرق الأوسط»، اسماء عدد من قادة الجماعة الاسلامية الليبية، الذين شاركوا في الحوار الدائر حتى آخر زيارة له الى سجن بوسليم الاسبوع الماضي، منهم «أميرها» عبد الله الصادق «عبد الحكيم بلحاج» (اعتُقل في تايلاند عام 2004) ونائبه «أبو حازم» «خالد الشريف» (كان معتقلاً في سجن باغرام وسلّمه الأميركيون إلى ليبيا قبل عامين) والمسؤول الشرعي «أبو المنذر» «سامي السعدي» (اعتُقل في 2004 في هونغ كونغ)، والشيخ مفتاح الدوّادي (المعروف باسم «عبد الغفار»، وعبد الوهاب قايد «ادريس» الشقيق الأكبر لأبي يحيى الليبي قيادي «القاعدة» الهارب في الشريط الحدودي، ومصطفى قنفيد «ابو الزبير» المسؤول العسكري لـ«المقاتلة». واشترك ابن عثمان القيادي السابق مع المقاتلين العرب في أفغانستان خلال فترة الثمانينات، وتنقل طوال فترة التسعينات بين إيران وباكستان والسودان، قبل أن يستقر به المقام في لندن. وأكد، في حديثه، أن الجماعة المقاتلة الليبية انتهت عمليا في الوقت الحالي، ولم يعد لها وجود فعلي سواء على الأراضي الليبية أو في المهجر، بعد أن كانت تمتلك قاعدة كبيرة تضم مئات المقاتلين المجهزين بالسلاح في ليبيا، خلال فترة التسعينيات، وكانوا يخططون لقلب نظام الحكم لإقامة دولة إسلامية. ومعلوم ان جلسات حوار جرت بين الطرفين، خلال العامين الماضيين، من نتائجها الإفراج عن ثلث اعضاء الجماعة، وتلعب «مؤسسة القذافي للتنمية» التي يرأسها سيف الإسلام القذافي، نجل الزعيم الليبي معمر القذافي، دوراً محورياً في هذه الاتصالات، وهي لجأت أخيراً إلى الاستعانة بأحد القادة السابقين في الجماعة «المقاتلة» لتحريك الأمور إلى الأمام، من خلال تأمين اتصال مباشر له بالقادة المسجونين.

وعلمت «الشرق الأوسط» أن أمير «المقاتلة» عبد الله الصادق، المحتجز في سجن بوسليم مع قيادات «القاعدة» كتب رسالة خطية منذ ايام الى سيف الإسلام القذافي، يشكره على مبادرة فتح الحوار مع الاسلاميين الليبيين، بغض النظر عن النتائج المرتقبة. وأوضح نعمان بن عثمان، الذي شارك في سنوات القتال ضد الروس في افغانستان «لقد كنت منذ البداية طرفا في هذه القضية، بطلب من مؤسسة القذافي للتنمية، وعن طريق المهندس سيف الإسلام مباشرة، وكذلك بطلب من قيادة الجماعة في السجن، وتحديداً أميرها عبد الله الصادق ونائب الأمير «أبو حازم»، والشيخ «أبو المنذر الساعدي» الفقيه الشرعي. ووصف ابن عثمان الحوار مع قيادات المقاتلة، بأنه طرح جديد في الدولة، التي كانت متشددة ضد الأصوليين بعد مشاركة عناصر من المقاتلة، في محاولة اغتيال الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي. وقال إن المثير في الأمر اليوم أن الذي يشرف على دفة الحوار، هو ابن العقيد نفسه المهندس سيف الإسلام. وكشف عن انه التقى شخصيا داخل سجن بوسليم بعض العناصر، الذين يرتدون البدلة الحمراء، أي انه صادر ضدهم حكما بالاعدام. وقال ان المراجعة الشرعية، تتضمن إعادة توصيف الواقع، وخاصة في ضوء ما وصفه بـ«الهجمة الأميركية على العالم الاسلامي، مع التركيز على أهمية الحفاظ على الأمن والاستقرار في ليبيا». وكشف عن أن الأصوليين من عناصر الجماعة المقاتلة، الذين تم الإفراج عنهم، حصل كل منهم على 10 آلاف دينار، لبدء حياة جديدة كريمة، وحصل كل منهم من ادارة السجن على 300 دينار كإعانة فورية يوم الخروج من السجن». وتعتبر جلسات الحوار، ضربة جديدة موجهة ضد قيادات «القاعدة» وضد ايمن الظواهري نائب ابن لادن، الذي أعلن انضمام «المقاتلة» الى القاعدة، ويرعى هو شخصيا العناصر الليبية في التنظيم. وكشف ابن عثمان عن أن رفاقه في «المقاتلة» المسجونين، طلبوا منه إيصال رسالة إلى عدد من الناشطين الليبيين في الخارج، لإبلاغهم بموضوع الحوار، الذي يُجرونه مع الأمن الليبي، وأيضاً لاستشارتهم في أي قرار يتخذونه. ويعتقد أن هذه هي المرة الأولى التي يحاول فيها قادة «المقاتلة» إشراك رفاقهم في الخارج في موضوع الاتصالات مع السلطات الليبية، خصوصاً أن بعضهم يقود جماعات مسلحة معروفة، تخوض معارك ضد القوات الأميركية في أفغانستان، وعلى رأسهم «أبو يحيى الليبي»، ومعلوم أن «أبو يحيى»، كان أحد أربعة سجناء عرب في باغرام استطاعوا الفرار منه في 2005.

كما توعد أبو يحيى، في شريط مصور، مدته 20 دقيقة، الولايات المتحدة، وقال: «سنمرغ أنف أميركا في التراب.. إما ان نعيش اعزاء، وإما ان يكون مصيرنا جنات النعيم». ويعرف عن محمد حسن قايد (ابو يحيى الليبي) أنه في منتصف الثلاثينات من العمر، واشتهر بكنيتين هما: ابو يحيى الليبي، ويونس الصحراوي، وقد تلقى دروسا في الشريعة الإسلامية والفقه في موريتانيا، ثم التحق بصفوف الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة في أفغانستان، وله كتاب يحمل اسم «الإجماع ومفهومه في الشريعة الإسلامية»، وجرى اعتقاله بعد العملية العسكرية الأميركية في أفغانستان 2001.

ويوضح أن الأمن الليبي يُحمّل قيادة «المقاتلة» في السجن، مسؤولية تصرفات عناصرها في الخارج، خصوصاً إذا كانت تطول أمن ليبيا نفسها. لكنه يشير إلى أن موضوع مشاركة الليبيين في قتال الأميركيين إلى جانب حركة «طالبان» لم يُثر في الحوارات بين الجانبين، وانه يعتقد أن الأمن الليبي يهتم تحديداً بأي عمل يطول الأرض الليبية، مثل محاولة إعادة بناء خلايا للجماعة، أو إعادة الاتصال بمناصرين لها في الداخل.

وشدد الاسلامي الليبي على أن «قيادة المقاتلة في السجن، مصرة على القول، إنه لا أحد يملك حق الحديث باسمها، أو التحدث عن آرائها. ويوضح أن «أجهزة الأمن الليبية متفقة على نقطة واحدة أساسية، وهي منع وإنهاء أي تهديد لأمن الدولة، سواء بالحوار أو بسلطة القانون أو بالقوة».

واشار إلى أن «مؤسسة القذافي للتنمية، في الحقيقة، هي صاحبة قرار المبادرة، ومن خلال تدخلي في الموضوع لمست ذلك بنفسي. لكن، في المقابل، لولا تدخل سيف الإسلام شخصيا، لما كان الحوار قد بدأ، والمؤسسة حريصة على استمراره». من جهة أخرى كشف ابن عثمان عن أن زعيم تنظيم «القاعدة» أسامة بن لادن، كان يرفض القيام بأية عمليات داخل ليبيا، أو ضد نظامها الحاكم، وكان يعتبر القذافي أفضل حليف ضد الأميركيين. وقال كان بن لادن يفضل أن تكون ليبيا «ساحة خلفية للجهاد في أماكن أخرى مثل الجزائر ومصر».

وقال إنه في منتصف الستعينات كانت قياديو «المقاتلة» يستقرون في السودان، بالقرب من مراكز تجمع تنظيم «القاعدة»، حيث وفرت لهم الظروف في السودان عقب تولي جبهة الإنقاذ الحكم، ملاذا آمنا يستطيعون من خلاله التحرك بحرية نسبية.

واوضح ان «المقاتلة» أجبرتها الظروف على الدخول في مواجهة مسلحة مع الحكومة الليبية، وتنفيذ مجموعة من العمليات، انتهت بتفكيك الجماعة، واعتقال معظم أعضائها الموجودين الآن في سجن بوسليم.