الكولومبيون تلقوا دروسا في التمثيل على انقاذ الرهائن

بيتانكور تجرى فحوصات طبية في فرنسا

TT

تلقى ضباط المخابرات الكولومبيون، دروسا في التمثيل للاستعداد لتحرير انجريد بيتانكور ومن معها من الرهائن، حيث ارتدوا قمصانا رسم عليها تشي غيفارا، وتظاهروا بأنهم يساريون خرجوا لمساعدة المتمردين. وبدا قائد مهمة الانقاذ كما لو كان عضوا ايطاليا في جماعة تخيلية تعرض نقل الرهائن بطائرة هليكوبتر الى اجتماع مع زعيم كبير للمتمردين. وجعلته اسابيع من التدريبات الى جانب عناصره الذين تدربوا على ادوارهم كصحافيين ومسعفين، مقنعا لدرجة انه اقنع مسلحا بتسليم مسدسه، قبل ان يستقل الطائرة. وضايق المراسل والمصور الزائفان، قائد وحدة المتمردين، الذي رفض اعطاء مقابلة في ارض مقطوعة الاشجار بالغابة، رغم مناشدتهما له بأخذ مقتطفات صوتية له، بعيدا عن ضوضاء الطائرة الهليكوبتر.

وقال وزير الدفاع ماونويل سانتوس للصحافيين أمس، ان الجيش درس بدقة، افلاما عن اطلاق سراح الرهائن هذا العام، لتحديد الى أي مدى يمكنه دفع المتمردين نحو التعاون مع خطتهم السرية. وقال في عرضه لشريط مصور للعملية: «لقد كانت عملية مخابراتية اكثر منها عسكرية». وطليت طائرات الهليكوبتر باللونين الأبيض والأحمر لتشبه تلك المستخدمة في المهمات السابقة لجماعات المساعدات. وجرى اخضاع المتمردين، اللذين كانا على متن الطائرة فور وجودهما في الجو وقيدا، فيما ابلغ الرهائن ومن بينهم ثلاثة متعاقدين دفاعيين اميركيين و11 جنديا وشرطيا كولومبيا مختطفين انهم احرار. وكان الرهائن هم وبيتانكور الكولومبية من اصل فرنسي، والتي اعتقلها المتمردون خلال حملتها الرئاسية في 2002، اوراق المساومة الرئيسية للمتمردين في عملية تبادل سجناء محتملة، تعثرت خلال المفاوضات مع الحكومة.

من جهةأخرى، يظهر انقاذ انجريد بيتانكور التي كانت رمزا للرهائن المحتجزين لدى المتمردين في كولومبيا، أن أقدم حركة للعصيان المسلح في أميركا اللاتينية، على شفا هزيمة في حربهم الممولة من الكوكايين من أجل السيطرة على البلاد، رغم أن انتهاء أمر الجماعة قد يستغرق سنوات. وترجم انقاذ بيتانكور، وهي سياسية كولومبية من أصل فرنسي وثلاثة أمريكيين و11 كولومبيا احتجزوا لسنوات كرهائن في الأدغال على الفور، زيادة ثقة المستثمرين في الدولة الواقعة في حوض نهر الإنديز، حيث ارتفعت قيمة عملتها البيزو، وكذلك أسعار الأسهم في بورصتها المحلية. الى ذلك وصلت الرهينة السابقة الفرنسية الكولومبية انجريد بيتانكور امس الى مستشفى فال دو غراس العسكري في باريس، حيث ستخضع للفحوصات لتحديد الآثار الصحية الناجمة عن اسرها ستة اعوام في ادغال كولومبيا. ولم تدل بيتانكور، 46 عاما، بأي تصريح عند وصولها إلى المستشفى صباحا، بحسب صحافي في وكالة الصحافة الفرنسية.

ودخلت السيارة التي نقلت بيتانكور بسرعة الى حرم المستشفى، يرافقها رجال الشرطة على دراجات نارية. وستجري بيتانكور فحوصات طبية دقيقة، لا سيما تحاليل دم كاملة، بحسب أحد افراد الوفد المرافق للرهينة السابقة في الطائرة، التي نقلتها الجمعة من كولومبيا الى فرنسا. وأمضت بيتانكور ستة عوام أسيرة تمرد «فارك» في ادغال كولومبيا، وافرج عنها الاربعاء الى جانب 14 رهينة اخرى، اثر عملية للجيش الكولومبي. ووصلت بعد ظهر اول من امس الى باريس، حيث استقبلها الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي.

من جهته قال ألفارو خيمينيز، وهو عضو سابق في جماعة ام 19 الثورية المسلحة، التي جرى حلها: «هذه أعنف ضربة وجهت للمتمردين الى الآن». لكنه استطرد قائلا: «ان ذلك لا يعني أن الحرب انتهت. فآلام الاختضار في هذا الصراع قد تدوم لفترة طويلة جدا». وبهذه الضربة وضربات أخرى تلقتها جماعة التمرد اليسارية، التي تعرف باسم القوات المسلحة الثورية لكولومبيا (فارك) يتوج الرئيس الكولومبي الفارو أوريبي حليف الولايات المتحدة، نجاحه في تحسين الأمن في شمال البلاد الصناعي، الذي يجتذب استثمارات أجنبية لا مثيل لها.

لكن الأوضاع في مناطق أخرى في الدولة، التي يبلغ عدد سكانها 44 مليونا، قد تظل تفيد المتمردين، الذين يترنحون لسنوات أخرى، حيث تغذيهم تجارة الكوكايين، والتخلف في الريف الذي يولد معينا متواصلا من الشبان الساخطين، الذين يمكن تجنيدهم. ويعتمد الاستقرار الحقيقي على هزيمة اقتصاد المخدرات المزدهر. وزادت زراعة نبات الكوكا الذي يستخدم في صناعة الكوكايين بنسبة 27 في المائة في العام الماضي، ولا تزال كولومبيا المصدر الاول للكوكايين على الرغم من ضعف المتمردين. وأدت المساعدات العسكرية الاميركية التي تقدر بمليارات الدولارات والهجوم المتواصل، الذي يشنه أوريبي الى ترنح فارك، ومن غير المحتمل أن تعود كقوة قومية متماسكة قادرة على تحدي الدولة. وأنهى مقتل اثنين من أعضاء أمانة الجماعة في وقت سابق من هذا العام ـ أحدهما قتل بعدما خانه حراسه وقطعوا أوصاله طمعا في مكافأة حكومية ـ أربعة عقود من فشل الحكومة في ضرب القيادة العليا للجماعة. ثم كانت وفاة مانويل مارولاندا زعيم الجماعة لأسباب طبيعية. وقال خيمينيز الذي يعمل الآن محللا سياسيا الشيء الوحيد الذي يمكن لـ«فارك» أن تتفاوض عليه الان، هو هزيمتها وهم ليسوا مؤهلين أيديولوجيا لعمل ذلك. وتابع قائلا «انه لخداع أن نعتقد أن فارك ستنهار. لكن عملية الانقاذ التي تظاهر خلالها ضباط من الدولة، بأنهم أعضاء في جماعة صديقة لفارك ووعدوا بنقل الرهائن بطائرة هليكوبتر الى موقع جديد تكشف الى أي مدى أصبح جيش المتمردين غير منظم». وقالت بيتانكور انه بمجرد أن أصبحت الطائرة في الجو، أبلغ الرهائن بأنه تم تحريرهم مما أدى الى احتفال صاخب، كاد يسقط الطائرة. وأصبحت بيتانكور أشهر شخصية في قضية الرهائن المحتجزين في كولومبيا على الساحة الدولية، وكانت ورقة التفاوض الرئيسية في يد «فارك» لتبادل الاسرى.

وحث الرئيس اليساري لفنزويلا المجاورة هوغو تشافيز، وهو أكبر حليف دولي للمتمردين جماعات المتمردين على اطلاق سراح على اطلاق سراح جميع الرهائن وبدء محادثات للسلام. لكن المتمردين يحصلون على تمويل جيد، من خلال فرض ضرائب على 600 طن من الكوكايين، يتم تصديرها سنويا من كولومبيا، حتى بعد أن جذبت سياسات أوريبي استثمارات للمناطق الشمالية المتقدمة في كولومبيا، بينما المناطق الجنوبية الريفية قد تظل معرضة للخطر.

ويريد أورويبي الذي يطالبه كثير من أنصاره بتغيير الدستور للترشح لفترة رئاسة ثالثة في عام 2010 تحويل الجنوب الى منتج كبير للغذاء، والوقود الحيوي. لكن هذه الخطط لا تزال في مراحلها الاولى، وتعتمد على تحقيق مزيد من التقدم في مجال الأمن. وقبل عشر سنوات كان المتمردون يسيطرون على بلدات تطوق المدن، وكثيرا ما ينسفون منشآت للطاقة مما دفعه المستثمرين لهجر كولومبيا. لكن «فارك» أصبحت الآن تبدو وعلى نحو متزايد كجماعة مثل جماعة الدرب المضيء، التي كانت تشن هجمات في بيرو متى شاءت، لكن لم يتبق لها الآن سوى عدد قليل من الوحدات المعزولة. وقال مايكل شيفتر من مركز أبحاث الحوار بين الاميركتين ومقره العاصمة الاميركية واشنطن من المرجح أن تتفكك «فارك» تدريجيا الى جماعات أصغر تظل متورطة في تجارة الكوكايين وجرائم أخرى.