ديالى الأكثر عرضة للتفجيرات الانتحارية النسوية.. واليأس والفقر أول أسبابها

من بين 20 هجوما نفذته نساء هذا العام 11 كان في المحافظة

TT

في 22 يونيو (حزيران)، سارت ونزة علي مطلق بخطى مترددة قليلاً على امتداد شارع طويل بالقرب من المكاتب الحكومية الرئيسة بالمدينة، بينما حركت الرياح الحارة عباءتها السوداء. وأثناء سيرها مرت عبر مجموعة من المتاريس الأسمنتية التي تم وضعها بهدف الحماية ضد السيارات المفخخة التي يقودها انتحاريون، ثم مضت في طريقها بصورة بدت عفوية. وفجأة، دوت سيارة شرطة، ونزل منها رجل شرطة للتحدث إليها. وفي هذه اللحظة، انتهت حياتهما وتمزقت أشلاؤهما، إلى جانب 14 شخصا آخرين جراء انفجار ضخم انطلق من حزام ناسف كانت تخفيه تحت طيات ملابسها. واصبحت ونزة وكانت في الثلاثينات من عمرها، الانتحارية الثامنة عشرة في إطار الحرب بالعراق، وتعد محافظة ديالى الاكثر عرضة لهجمات من قبل الانتحاريات من أي محافظة عراقية اخرى، حسبما أوضحت سجلات الشرطة العراقية والقوات الأميركية. ومن بين التفجيرات الانتحارية العشرين التي نفذتها نساء داخل العراق خلال هذا العام، وقعت 11 منها في ديالى. والسؤال الذي يفرض نفسه الآن، ما السر وراء إقدام هذا العدد الكبير من النساء على التفجيرات الانتحارية؟ على ما يبدو، نبعت هذه الظاهرة، بصورة جزئية على الأقل، نتيجة النجاح في احتجاز وقتل الأعضاء المحليين في تنظيم «القاعدة» في العراق.

وغالباً ما تكون النساء اللائي يتحولن إلى انتحاريات قد فقدن أقارب ذكور من الدرجة الأولى في القتال الدائر، وعليه يتحولن إلى تنفيذ تفجيرات انتحارية بأنفسهن، أو لتعرضهن للاحتجاز على يد القوات الأميركية أو العراقية. وأعربت سجار قدوري، عضو المجلس المحلي لديالى والمرأة العضو الوحيدة بلجنتها الأمنية، عن اعتقادها بأن دور التابع الذي تقوم به المرأة داخل العائلات السنية القروية المحافظة في ديالى يجعلهن عرضة بصورة خاصة للتأثر بالضغوط. وأضافت سجار قدوري، «رغم أن كل واحدة منهن تقدم على تفجير نفسها وترمي لقتل آخرين، فإنني أشعر بأن هؤلاء النسوة ضحايا للإرهاب. فقط النساء اللائي يشعرن باليأس هن اللائي سيقدمن على القيام بذلك. والواضح أنه ليس من السهل التعامل مع مثل هذه الظاهرة». يذكر أن قدوري شيعية سبق أن تعرض زوجها للاختطاف منذ عامين، ولم ترد عنه أي أنباء منذ ذلك الحين. يذكر أن النساء الانتحاريات لا يشكلن ظاهرة جديدة داخل العراق أو غيره، لكنها كانت ظاهرة نادرة الحدوث نسبياً. وتكشف الإحصاءات الصادرة عن المؤسسة العسكرية الأميركية أنه منذ عام 2003، نفذت 43 امرأة تفجيراً انتحارياً داخل العراق، وهي نسبة ضئيلة للغاية من الإجمالي. ورغم أن أول تفجيرين انتحاريين على يد نساء وقعا خلال العام الأول من الحرب، لم يتحول الأمر إلى ظاهرة واضحة حتى عام 2007، عندما شهد العراق ثمانية تفجيرات انتحارية على يد نساء. وجميع الانتحاريات، باستثناء واحدة، شابات عراقيات تتراوح أعمارهن بين 15 و35، حسبما يشير المحللون العسكريون الأميركيون وآخرون تابعون للشرطة العراقية. وقد تم نسب جميع هذه الهجمات تقريباً إلى تنظيم القاعدة داخل بلاد الرافدين. جدير بالذكر أن ديالى شكلت معقل التنظيم منذ طرده من إقليم الأنبار في الغرب في عام 2004. ومن الواضح أن أعضاء التنظيم انجذبوا إلى ديالى تحديداً لوجود أماكن اختباء سهلة داخل البساتين الكثيرة المنتشرة بها، وبين سكانها الذين ينتمي معظمهم إلى السنة، وبينهم الكثير من مؤيدي صدام حسين والمتعاطفين مع حركة التمرد. من جهته، أوضح غانم القريشي، قائد قوات الشرطة في ديالى، أن «القاعدة تميزت دوماً بالابتكار، حيث دائماً ما تجد أساليب جديدة للعمل. عندما سحقناهم في القتال، بدءوا في استخدام أساليب جديدة. ونظراً لمعرفتهم بأن النساء ستجري معاملتهن بلطف أكثر عن الرجال، بدءوا في استغلالهن. وعادة ما لا يتعرضن لتفتيش دقيق حتى داخل نقاط التفتيش». وداخل قرى ديالى، يصعب على غالبية النساء تخيل العالم الواقع وراء النخيل الذي تراه ممتداً في الأفق. وتفتقر هذه المناطق إلى الهواتف العادية، بينما الأخرى الجوالة غالباً ما لا تعمل. كما تنتشر الأمية بين صفوف النساء.

وعلق اللواء عبد الكريم الربيعي، قائد العمليات التي ينفذها الجيش العراقي داخل ديالى، على الأمر بقوله «تنتمي غالبية النساء اللائي قتلن أنفسهن إلى القرى. وهن نساء يعشن حياة تقليدية للغاية، ولا يتمتعن بأي حقوق. لذا، فإن أفكارهن تتسم بمحدوديتها البالغة».

من جانبها، أوضحت سجار قدوري أن عنصر التعرض للامتهان الجنسي ربما يكون قائماً أيضاً، موضحة أن الكثير من العائلات تقدم على تزويج بناتها في سن 14 أو 15 إلى زعماء القاعدة المحليين. وفي بعض الحالات، تجبر الفتيات على التورط في عقود زواج يتزوجن بمقتضاها «أميرا» محليا، لكن حال قتله أو احتجازه تجبر على الزواج من خليفته، وهكذا. في الوقت ذاته، يقول سكان ومسؤولو ديالى إن مسلحي القاعدة عملوا على نشر رؤيتهم الراديكالية بين السكان. ومنذ انتقالهم إلى المحافظة منذ أربع سنوات ماضية، بدأ أعضاء القاعدة في عقد دروس دينية للرجال والنساء. ولا يقتصر الأمر على مجرد استقطاب أو إقناع للنساء، حيث يقول قائد الشرطة في أبريل (نيسان) جاءت امرأة إلى قسم الشرطة تطلب الحماية، حيث كان هناك من يريد إجبارها على القيام بعملية انتحارية وتم تدريبها بالفعل على استخدام الحزام الناسف بمساعدة اثنين من تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين، وكان أحدهم قريب لها. وقد قامت الشرطة بنقلها إلى مكان آمن واعتقل اثنان يعتقد أنهما أعضاء في التنظيم. ويقول مسؤولون بالشرطة العراقية إن بعض التفجيرات القليلة تورط فيها نسوة كن يرتدين أحزمة ناسفة تم تفجيرها عن بعد، ولكن لا يوجد عدد واضح لتلك الحالات لأن التفجيرات تتسبب في المعتاد في تدمير كل التفاصيل المرتبطة بجهاز التفجير. ويقول العقيد أسمري «هناك وسيلتان لتفجير الحزام الناسف الانتحاري، حيث يمكنهم الضغط على زر معين بأنفسهم، كما يمكن تفجيره عن بعد. حيث يقوم البعض بتعقب الانتحارية وإذا أحسوا أنها قد تشعر بالخوف، يقومون بالتفجير بدلا منها».

وتعتقد سجار أن معرفة ملف النساء اللائي يملن للقيام بعمليات انتحارية قد يفيد الشرطة، فالنساء اللائي قُتل قريب لهن في عملية لتنظيم القاعدة في بلاد الرافدين أو أي من المنظمات الشبيهة، يجب الانتباه لهن، حيث يمكن أن يقمن بعمليات انتحارية. وتتمنى المسؤولة بدء برنامج يتم في إطاره إبعاد تلك النسوة عن منازلهن ووضعهن في أماكن أمينة، بحيث لا يتمكن من إلحاق الضرر بأنفسهن أو أي شخص آخر. وتؤكد: «يمكن أن نتوقع أن مثل تلك المرأة جاهزة كي تقوم بعملية انتحارية، ولكن في نفس الوقت لا يوجد لدينا أي دليل ملموس يبرر اعتقالها».

* خدمة «نيويورك تايمز»