دارفور: الإدارة الأهلية والتقاليد القبلية هي الحل في غياب سلطة الحكومة

اجتماع لزعماء القبائل يؤكد أن قبائلهم تعيش معا منذ 400 عام بلا مشاكل.. ولكن هناك صراع مصالح

أحد شيوخ القبائل يستمع الى محاضرة خلال اجتماع لزعماء القبائل في دارفور («واشنطن بوست»)
TT

تجمع عدد من زعماء القبائل في الخيام وسط الرمال بقلب دارفور العربية، وشاركهم عدد كبير من الشيوخ والعمد والمفكرين ورجال الأعمال والمرشدين الروحيين. جلسوا تحت حرارة شمس الظهيرة يناقشون الأوضاع السياسية والصراع الذي تشهده المنطقة الغربية من السودان. وكانت هناك فرق موسيقية ترحب بالشخصيات البارزة وقت حضورها وانصرافها. يمثل هذا التجمع إحياء لمهرجان عرفي كان يجمع قادة القبائل المختلفة للوصول إلى حلول للمشاكل المطروحة، ولكن لم يكن له مهابة التجمعات السابقة، عندما كانت القبائل هي التي تحكم دارفور فعليا. كان يحضر في السابق ضيوف بارزون، مثل الملك فيصل من المملكة السعودية وإمبراطور إثيوبيا هيلاسيلاسي، ليشاركوا في التجمع الذي كان يستمر لـ40 يوما. ولكن هذه المرة كان الضيف البارز هو مسؤول بالأمم المتحدة من الدرجة الثانية واستغرق المهرجان ثلاثة أيام فقط.

يقول سعيد محمود موسى ماديبو، مضيف التجمع وهو الناظر الحالي أو كبير قبلية الرزيقات العربية: «عندما كان أبي ناظرا، كانوا يعقدون هذا التجمع كل عام، ولكن في الوقت الحالي يلعب الوضع الأمني دورا حيويا، وبات ذلك صعب في ضوء الوضع المالي». تراجعت أيام عز زعماء دارفور على مدى عدة عقود، حيث قامت المؤسسات الحكومية بالاستيلاء على سلطات القبائل، كما أضعفت خمسة أعوام من النزاع النظام المجتمعي القديم لتلك المنطقة، مما ترك فراغا يمكن لقوى أخرى ملؤه. فشلت الدبلوماسية الأجنبية في الوصول إلى حل للصراع في دارفور، ويروج بعض الأكاديميين السودانيين والناشطين السياسيين للعودة إلى الادارة الاهلية والزعامات القبلية للمساعدة في عملية المصالحة ورأب الصدوع التي تعاني منها دارفور، ولذا أقيم هذا التجمع القبلي الذي استمر لثلاثة أيام. يقول وليد مادبو، وهو القائم على تنظيم التجمع وأحد أقارب الناظر: «يحاول الجميع الضغط عليهم، وقد أصبحوا الآن غير مؤهلين تقريبا، ولكن من الممكن أن يحوزوا ثقة قبائلهم. إذا ما اتصلوا بالعامة، سيمكنهم بسهولة الوصول إلى قلوبهم». ارتدى زعماء القبائل الذين تجمعوا للمرة الثانية خلال 40 عاما، ملابس بيضاء وعقدوا اجتماعهم في سوق بجنوب دارفور، في ضيافة قبيلة الرزيقات، وهي أكبر قبيلة عربية في السودان.

استمع المشاركون إلى محاضرات تتناول حلولا للنزاع وتركز على أهمية الثقافة في حصر المشاكل القائمة. قضوا وقتا طويلا يتحدثون وهم يحتسون الشاي في مجمع الناظر. وأدوا الصلاة وقت الغروب معا، وبعد ذلك رقصوا تحت أضواء النجوم. يقول الزعماء والنخبة التي شاركت في التجمع، ومن بينهم رجال أعمال بارزون وأستاذة جامعيون ومحررون صحافيون، إنهم يرون أن الحكومة السودانية تحاول استخدام القومية العربية لحشد ميليشيات الجنجويد ضد سكان دارفور من ذوي الأعراق الأفريقية. ويقول عبد المجيد إبراهيم محمد، وهو زعيم قبلي بارز من قبيل الفور الأفريقية، ان «المشكلة بين سكان دارفور والحكومة، وليست بين العرب والأفارقة». ويضيف: «الحكومة هي التي تقوم بطبخ هذه الأمور، أنا لا أومن بوصف عربي وغير عربي. بعض أفراد قبيلة الفور متزوجون من العرب وهناك امتزاج اجتماعي بين الاثنين». ويتفق الناظر مع هذا الرأي حيث يقول: «لا يعد هذا نزاعا قبليا أو عرقيا، ولكنه صراع مصالح، فنحن نعيش معا منذ 400 سنة». منذ أن نشب الصراع في دارفور، ونادرا ما نسمع تلك الآراء علنا على لسان زعماء القبائل العربية. ويقول البعض إنهم يعتقدون أنه سيتم إلقاء القبض عليهم أو قد يتعرضون للقتل إذا تحدثوا بشيء ضد الحكومة التي تتوقع دعم العرب لها. ويقول حسن مكي أحمد، مدرس، في إشارة إلى الزعماء العرب: «مارست الحكومة الكثير من الضغوط عليهم. وهم يشعرون بالأسف لما حدث، ولكنهم يشعرون بأنهم إذا قالوا شيئا لن يجدوا آذنا تسمعهم. يقول الناس إن هؤلاء الزعماء ضعفاء جدا، فهم لا يستطيعون أن يقدموا لهم ما يحتاجون، وفي المقابل تستطيع الحكومة القيام بذلك».

كان الناظر واحدا من قلة رفضت دعوة الحكومة لتكوين ميليشيات، وفي المقابل يعيش زعماء آخرون من قبيلة الرزيقات في غنى بعد أن فضلوا الاستجابة لدعوة الحكومة. يقول الناظر ماديبو: «كل شخص له وضعه الخاص وأتباع عليه أن يتعامل معهم»، مشيرا إلى أنه في أيام أبيه، كان للزعماء القبليين سلطة فرض ضرائب. وكان الناظر يجمع الطعام للمواطنين، ويحفظه في أحد المخازن ويوزعه على المحتاجين في الظروف الصعبة. ولكن أصبح هذا المخزن فارغا. ويقضي الناظر ماديبو معظم وقته في حل بعض المشاكل البسيطة على الأراضي، وعلى الرغم من قراره بعدم الالتحاق بالميليشيات الحكومية، فقد التحق الكثير من شباب الرزيقات بتلك الميليشيات. ويضيف الناظر بتحسر: أصبح المواطنون مختلفون، فقد أصبحوا أكثر مادية. ومع ذلك، ما زال مسقط رأس الناظر يدلل على كيف يمكن أن يكون الوضع إذا استعاد زعماء القبائل وضعيتهم. على حافة منطقة الضعين، على سبيل المثال، يوجد مخيم للنازحين الأفارقة، الذين يقولون إنهم فروا لأنهم أحسوا بأن المدينة أكثر أمنا. أعطاهم الناظر مساحة من الأرض كي يعيشوا فيها.

وهناك زعماء قبليون عرب حول مجمع الناظر، وهؤلاء الزعماء هم من اتحدوا اتجاه الحكومة. كان هناك مسؤول في حزب معارض رئيسي، مع عدد قليل من شباب الرزيقات الذين التحقوا بإحدى الجماعات المتمردة في دارفور. وكان هناك نائب الناظر، وهو عضو في الحركة الشعبية لتحرير السودان، التي دخلت في حرب أهلية لمدة 20 عاما ضد الحكومة. جلسوا معا حول موائد وتناولوا الطعام، وعزفت الفرق الموسيقية. خلال اليوم الأخير من التجمع، التحق بهم مسؤول من بعثة الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي لحفظ السلام في السودان، التي تحاول الوصول إلى نهاية للنزاع في المنطقة. يقول هنري أنيدوهو، نائب الرئيس السياسي للبعثة: «نحن ندعم استخدام الوسائل التقليدية لحل النزاعات. انظر في كافة أنحاء أفريقيا، تظهر المشاكل عندما يعاني النظام من عيوب».

وفي اليوم الختامي، نُظم سباق للخيول على حافة المدينة بهدف إعادة بناء الصلة بين المواطنين والزعماء القبليين. عندما غربت الشمس، جلس الزعماء القبليون تحت مظلة حمراء على امتداد الطريق. وعلى الجانب الآخر، كان هناك ما يقدر بـ8000 شخص، منهم مزارعون ورعاة ماشية وتجار وشباب. قال العديد من المتفرجين إنهم لم يأتوا لتكريم الزعماء ولكن ليتمتعوا بسباق الخيل. كان الحدث الأساسي هو سباق بين حصان مجهول واثنين من الخيول الأصيلة التي تمتلكها عائلة الناظر. وفي النهاية فاز الحصان المجهول.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»