عبد المهدي: يجب أن تعود حاكمية البلاد لنا.. وأن نقنن صلاحيات الأميركيين المطلقة

نائب رئيس الجمهورية العراقي لـ«الشرق الاوسط»: حتى رئيس الجمهورية قراره غير نافذ على نقاط التفتيش الأميركية في مقر الحكومة العراقية

عادل عبد المهدي (تصوير: جمال بنجويني)
TT

تجتمع في شخصية الدكتور عادل عبد المهدي، نائب رئيس الجمهورية العراقي وقيادي بارز في المجلس الاعلى الاسلامي العراقي، بزعامة عبد العزيز الحكيم، مفارقات عدة، فهو اسلامي بخلفية ثقافية وسياسية علمانية، وهو مديني (من المدينة) بخلفية اجتماعية ريفية، وهو سياسي بخلفية اكاديمية، حاصل على شهادة الدكتوراه في الاقتصاد من باريس، تلتقي فيه الثقافة الشرقية (العراقية) مع الغربية (الفرنسية)، وهو يلقب بالسياسي الواقعي الذي يترجم طروحاته النظرية التي تأسست عبر اكثر من نصف قرن، الى اساليب عمل لمعالجة الملفات السياسية والاقتصادية العراقية الشائكة بهدوء ومن غير شعارات سياسية او ضجة اعلامية.

عبد المهدي الذي يجعلك، كمتحدث معه، تتأكد بأنه يمتلك الاجوبة المناسبة لكل الاسئلة الصعبة في الملف العراقي بسبب سعة علاقاته وتعمقه في دراسة الملفات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ومعايشتها عن قرب، فهو ايضا كسياسي قريب من العراقيين حيث يعقد كل يوم ثلاثاء مجلسا مفتوحا اطلق عليه تسمية «الديوان» والذي يستقبل فيه العشرات من العراقيين ومن مختلف الفئات والطوائف والأديان والقوميات لمناقشة همومهم الشخصية او العامة، مستمعا اليهم بدقة وموجها في الوقت ذاته على متابعة كل ما يطرح من مشاكل ومقترحات.

في اول حوار مطول لـ«الشرق الاوسط» مع عبد المهدي في مكتبه ببغداد، اجاب نائب الرئيس العراقي عن اسئلتنا بمنتهى الصراحة والوضوح. وفيما يلي نص الحوار:

* تلقب بالإسلامي العلماني، ماذا يعني ذلك؟

ـ الاسلامية اقحمت، الاسلام دين، والإسلامية حراك. لقد اقحم الاسلام في هذا المصطلح. وهناك انحرافات كبيرة باسم الاسلام. الاسلامية كمصطلح نحت في بداية الستينات والسبعينات من القرن الماضي ولم يكن لها وجود في الادب العربي. وهي مستلة من «اسلاميست». فعندما بدأت الحركات الاسلامية، بدأ الغرب يصفها بـ«الاسلاميست». ونحن ترجمناها اسلامي. وبدت كأنها تأخذ حق المسلم وتمارس الوصاية على المسلم. هناك مسلم وهناك اسلام. بالتأكيد من حق الاحزاب ان تكون اسلامية شريطة الا تصادر حق المسلم، وان لا تتكلم عن جاهلية ثانية. هكذا يصبح الاسلام حكراً، بينما يبقى الاسلام ديناً وعقيدة. انا ضد ان يتم الحديث عن علماني وإسلامي، عندما تكون واقعياً يسمونك علمانياً، والاسلام واقعي، والواقعية بها عقيدة. ليست هناك واقعية بلا عقيدة، وليست هناك عقيدة بلا واقعية. اكثر النظريات انغماسا في الوضعية لها جانب عقائدي وايماني ومبدأي. ففي الفكر الاشتراكي والماركسي جانب عقائدي، ولا شك.

* هناك من ينادي بضرورة فصل الدين عن السياسة، ما هو رأيكم بهذا الطرح؟

ـ هذا فصل متعسف، في الدين هناك جانب سياسي، كل الديانات فيها جانب سياسي. اليهودية اسست دولة والمسيحية اسست دول. هذا كله جزء من صراع فكري سياسي زُجّ بنا فيه. السؤال الاصح هو هل يجوز استخدام الدين لتكفير الآخر وعزل الاخر؟.

مصادرة الاخر، ومن ثم احتكار الدولة؟ هذا هو السؤال الاهم. اذا كان الرجل المتدين يعمل لدولة تداولية، والحاكم ينتخب في الانتخابات العامة، وهي فكرة قريبة من البيعة، حيث الامة تبايع الحاكم. لو طورت الفكرة لوصلنا الى هذه النتيجة. وهناك ابحاث كثيرة في هذا الجانب. الفكر الاسلامي فكر متعاقد، يتعاقد مع الرب ومع الاخر، انما الدين المعاملة. هناك فكرة تعاقد كبيرة في الدين، خصوصا في الاسلام. قبل نصف قرن مثلاً وقبل ان تنهض الحركات الاسلامية وتقوم دول اسلامية رأى فيها الاخرون استفزازاً لهم، نقول قبل ذلك كان يوصف الاسلام بانه دين الواقعية والاجتماع. هكذا كان يوصف من قبل الغربيين قبل خمسة عقود، المهم كيف يتصرف رجل الدين؟ الرئيس بوش يقول انا رجل دين. الكثير من رجال الدولة في الغرب يذهبون الى الكنائس ويتمسكون بأكثر عناصر الدين طقسية وايمانية.

* هل هناك سعي لبناء نظام اسلامي في العراق؟

ـ الدستور واضح جدا، الاسلام عكس مفاهيم وقيم وممارسات هذا الشعب وهذه الامة عبر التاريخ. الاسلام في كل مراحلنا وبغض النظر عن النظام كان دائما مرجعية، سواء في فكرة الحلال والحرام والعرفية والشرعية ولم يخرج عن المرجعية احد، ومن يخرج كان يعيش خارج الامة، من يسكن في المنطقة من مسيحيين ويهود كانوا يعتبرون الاسلام والاحكام الاسلامية باعتبارها احكاما عامة، باعتبارها قوانين. النقطة الرئيسية في الدستور هي ان لا يمس الاسلام. ان لا نأتي بشيء يمس الاسلام ويعتدي عليه. فالاعتداء عليه سيعني انه اعتداء على الامة.

* وهل تتوقعون ان يبقى النظام هكذا ام يتطور الى اسلامي؟

ـ نحن مسلمون نشعر بالراحة بالعيش في هذا النظام. النظام الذي يسعى لدولة عادلة، هذا هو ما يبحث عنه الاسلام، هناك من يذهب للمسجد للصلاة، وهناك من لا يذهب الى المسجد ويصلي في منزله، وقد يكونون من المسلمين وهم لا يصلون، هذا لا يخرجهم من الدين الاسلامي، فقد يعود في يوم من الايام الى صلاته. على كل حال هكذا مورست الديانات في التاريخ، وهكذا تمارس اليوم في العراق، اذا كان السؤال بالعناصر التي تتكلمون عنها بحيث نسعى الى ايجاد دولة فقط للمسلم وعزل الاخر وتطبيق الاحكام والامور بتفسير محدد واحد، لا، هذا غير صحيح.

* على ذكر الدستور، ما هو مصير الاصلاحات الدستورية؟

ـ هذه المسألة ايضا مهمة، اعطيت فرصة 4 اشهر للاصلاحات الدستورية، ولكن عندما لم يتوصل الفرقاء خلال الاشهر الاربعة لاتفاق مددت الفترة لغرض النقاش. مددت بنوع من التراضي والاتفاق، حتى ان البعض قال ان هذا التمديد خطأ ويجب اغلاقه. وعلى كل حال فان الدستور فتح في آلياته الباب للتعديلات سواء خلال اربعة اشهر، او اكثر. هناك بعض الاطراف لم تشارك في العملية الانتخابية في المرة الاولى وكان يجب ان يمنحوا الفرصة لمناقشة بعض الامور المهمة. المهم ان يصل العراقيون الى تراض في هذا العقد المهم الذي اسمه الدستور. ونحن تقدمنا كثيراً. المجلس الرئاسي في الاجتماع الاخير قررنا استضافة اللجنة الدستورية والاستماع الى آخر تقرير لها والى اين وصلت، والأمور التي تم الاتفاق عليها والامور التي لم يتم الاتفاق عليها، وما هي الاسباب. وجدنا ان معظم الامور متفق عليها، وبقيت هناك مسائل حساسة تحتاج الى مراجعات واجتماع قيادات ولقاءات بين مسؤولين عديدين للوصول الى منطقة وسط يتفق عليها.

* ذكرتم مفردة الفرقاء، الا تجدون اليوم ان عدد الفرقاء يتزايد؟

ـ وجود عدة فرقاء ظاهرة صحية وليست سلبية، ولكن البعثرة والاكثار قد تكون مؤذية للحياة السياسية. وامام ظاهرة الاستبداد والتمركز الشديد في الماضي، فان مسألة وجود عدة فرق وفرقاء هي ظاهرة صحية، نحن لم نرجع الى الوراء بل تقدمنا الى امام.

* هل ستعود جبهة التوافق الى الحكومة؟

ـ الحكومة والتوافق يقفان على خط الحل، وهما قريبان من الحل بالرغم من ان المواعيد في العراق ليست سهلة. بعض الامور تبدو انها اقتربت من الحل لكنها تأخذ وقتا طويلا. المهم في هذه الازمة هو ان الخطاب السياسي اختلف، وخلا من لغة الاتهامات، وصار هناك اعذار للاخر لان يفكر ويبحث، وهذا شيء جديد في واقعنا السياسي، ونحن مهتمون جدا بعودة جبهة التوافق الى الحكومة، لان بعد الزخم الكبير الذي تحقق في العمليات الامنية، وبعد التحولات السياسية والاستعداد لانتخابات مجالس المحافظات، نريد ان نحصل على زخم سياسي في الحكومة وبدون شواغر كبيرة وبأغلبية نيابية واضحة، وان شاء الله هذا الواقع سيولد زخماً اقتصادياً وخدمياً يحل الكثير من المشاكل التي يعاني منها العراقيون.

* باعتقادكم هل انتهت أزمتا الحرب الأهلية ووصف الحكم في العراق باعتباره طائفيا؟

ـ اعتقد ان ازمة الحرب الاهلية انتهت، اصلا هي كانت بعيدة بالرغم من انها هددت البلد في اوقات معينة. الحرب الاهلية ليس لها زخم حقيقي فهي تكبح من داخلها. في غير العراق احيانا شرارة صغيرة جدا تحرك حالة ساكنة. بينما لم نعش هنا شرارة صغيرة، بل شهدنا متفجرات وقنابل وانتحاريين وسيارات مفخخة وتفجير المراقد وحرائق واغتيال مراجع وقادة كبار واعمال تهديد وخطف وتهجير، كلها على هولها لم تستطع ان تحرك الاطياف العراقية الى تصادم كلي. بقي التصادم استفزازي وجزئي. يعني غلاة في الطرفين يحاولون ان يحركوا كتلهم نحو تصادم، بينما الكتلة الكبيرة، سواء كانت شيعية ام سنية هي التي تكبح وتطوق الغلاة وتحاصرهم. هذا واقع في العراق ويمكن لاي انسان ان يراه بوضوح، دائما كان التطويق يأتي من داخل الكتلة، بينما في حالات معاكسة تجد الغوغاء تدفع حتى العقلاء الى حرب اهلية وتصادمية. نعم بلغنا حالات من الخطر الشديد لتصادمات موسعة، لكننا تجاوزناها.

* هل هناك صلاحيات محددة لأعضاء مجلس الرئاسة، ام انكم تعملون بروح الفريق الواحد؟

ـ نحن نعمل كفريق واحد ولا نستطيع العمل بطريقة اخرى، لان مهمة مجلس الرئاسة هي التصديق على القوانين الصادرة عن مجلس النواب. يجب ان يكون هناك اجماع ولا مجال للتقسيم، كل القوانين يجب ان تحمل التواقيع الثلاثة، وكل القرارات يجب ان تكون جماعية، فطبيعة مجلس الرئاسة الذي هو انعكاس للتوافق الوطني، هي محاولة للوصول الى قرار واحد من خلال مكونات متعددة، فأي تخلف من طرف من الثلاثة في مجلس الرئاسة هو تعطيل، تعطيل ليس لعمل مجلس الرئاسة وحسب، بل تعطيل ايضا لعمل مجلس النواب، وتعقيد هذا العمل لأنه سيفترض نسب تصويت اعلى من نسب تصويت الاغلبية سواء كانت البسيطة او المطلقة لأنه يتطلب احيانا 60% في حالة الرد الثالث للقرارات. نعم في المراقبة قد تختلف الزوايا، في مراقبة عمل السلطة التنفيذية، ومراقبة تطبيق الدستور، لكن مجلس الرئاسة يتمتع بوحدة عالية ويعمل كفريق واحد.

* كنتم قريبين من منصب رئيس الحكومة، هل تعتقدون لو انكم في هذا المنصب كنتم ستقدمون اكثر؟

ـ لا ليس اكيدا ان اقدم اكثر من غيري، وهذه هي لذة الديمقراطية، ان تأتي بمن تعتقده المرحلة صحيحا، والمسألة ليست اعتقادات فردية، انا اؤمن بالمؤسساتية وبالعمل بروح الفريق ولا أؤمن بان النزعة الشخصية لها الغلبة، نعم هناك نزعات شخصية وهناك طموحات، ولكن عليها ان تضبط نفسها بالمؤسساتية وفي قواعد العملية المؤسساتية وكلما تحترمها يكون افضل لها وللغير، وهذا يصح على الجميع وليس على فرد، كلما نؤمن بالمؤسساتية والعمل بأصول وقواعد الفريق الواحد وهذا يكون أهدأ للمجتمع وأكثر نفعا للافراد وللسياسيين.

* اذا وصفتم عملكم في الرئاسة بروح الفريق، كيف تصفون علاقتكم مع الحكومة؟

ـ علاقة جيدة، مع الاخ (نوري) المالكي علاقة جيدة، مع مجلس الوزراء علاقتنا جيدة وكذلك مع مجلس النواب، ودليل جودتها انها غير تابعة، تنتقد، وتشخص وتقف بالضد من بعض الرؤى، وعندما تصل الى قناعات مشتركة تؤيد الزخم العام وتؤيد السياسات العامة، هكذا يجب ان يحصل. يكفي ما حصل في العراق من استبداد وفردية وشخصنة، العمل في العراق يجب ان يكون مؤسساتيا وان يتعود الناس على نقد بعضهم لبعضهم الاخر. قد نختلف على قانون معين في وقت من الاوقات، فيحصل التدافع ونوع العطل يقود الى التدبر في الامر والتفكير، للوصول الى ما هو افضل اوالى قناعات او بدائل يتفق عليها. بعض السياسات تعلن عن نفسها، وقد تكون خاطئة، ثم تكتشف على ارض الواقع انها خاطئة، فمن قال منذ البداية ان هذه السياسات خاطئة يعتقد به الشعب اكثر، يعتقد بآرائه اكثر،هذه هي اصول العملية، وأصول التربية عليها وأصول العمل بموجبها.

* لكنكم في مجلس الرئاسة اختلفتم في موضوع اعدام علي حسن المجيد؟

ـ هناك تفسيرات دستورية وقانونية بين مؤسسات الدولة، ولا احد يستطيع ان يفرض رأيه على الآخر، هذه هي التجربة الحقيقية التي تتمتع بحريتك كمسؤول، ان تستخدم القانون، تستخدم الدستور في الصراع، ولا تستخدم الدبابة والقمع والرأي الاحادي، للاخر وجهة نظر ولك وجهة نظر، وتتمتع بصلاحيات، وتستخدم هذه الصلاحيات، هذا هو الامر الطبيعي، وهذا ما يجري في دول العالم ونحترمهم على هذا الاساس. نحترم دول العالم لان عندهم مؤسسات وتختلف. لاحظ اليوم الاختلاف بين الادارة الاميركية والكونغرس وكيف كل طرف يستخدم صلاحياته، ونحترمهم على هذا التنوع وهذا التجاذب. وأعتقد في العراق هذا قد يضر بعض الشيء، لكن على المدى الطويل وفي الكليات هو انفع من تجربة فردية تقرر بمفردها وتبدو وكأنها صحيحة في اللحظة، لكنها تفتقد مناعاتها، وتفتقد ضماناتها وتتحول على المدى الطويل الى دمار وخراب واستبداد.

* هل توصلتم الى موعد محدد لتنفيذ الإعدام؟

ـ لمجلس الرئاسة وجهة نظر، ولرئيس الوزراء وجهة نظر، كل احكام الاعدام وبعد التعديلات التي حصلت في مجلس النواب في نيسان 2007 يجب ان يصادق عليها بمرسوم جمهوري، وعندما يوقع المرسوم الجمهوري، يجب ان ينفذ الحكم وليس هناك ما يقتضي ان يكون التنفيذ جماعياً. مجلس الرئاسة صادق على اعدام المجيد وبقي على السلطات التنفيذية ان تنفذ.

* الحملات الأمنية قربت الشعب من الحكومة وطمأنت العراقيين كثيرا، أما كان بالامكان تنفيذ هذه الحملات قبل هذا التاريخ؟

ـ لا اعرف ان كان من الممكن ام لا، لكن الواقع يقول انه كان يجب انضاج بعض الامور وبعض القناعات، هذه هي القراءة للواقع وللقدرات المختلفة التي كان يمكن انجازها. لكن لا تنسوا ان العراق تعرض لكم هائل من التعقيدات بملف واحد. في آن واحد، عوامل سلبية متراكمة منذ عشرات السنين وكان يجب ان تنضج عوامل معينة. ان دور الحكومة عندما تكتشف فعلا انها تستطيع ان تستثمر في ملف ما فيجب ان لا تتردد. انا اتفق معك. كان يبدو الموضوع ميؤوسا منه من الناحية الامنية، قصف بالهاونات، قتل وخطف وقتل على الهوية، لكن الاغلبية العامة من الناس صارت تبحث عن الامن بعيدا عن اي حزب او ميليشيا واصبح هذا الهاجس هو الهم الاول والاساس. هذا الواقع عندما استثمرته الدولة، بدت الميليشيات والعصابات على كبرها لا شيء امام زخم الناس. وقد لاحظتم الانسيابية الكبيرة لهذه العمليات والتي ساعدها تحسين اداء القوات المسلحة ودعم القوات المتعددة الجنسيات ووقوف الناس في صحوة الانبار وضد الميلشيات المسلحة. عندما تستثمر الدولة اي ملف في المكان الصحيح يتحقق الهدف، وهذا ينطبق على ملفي الاقتصاد والخدمات.

* اثير الكثير من الجدل حول الاتفاقية العراقية الاميركية، ما هو مصير هذه الاتفاقية باعتقادكم؟

ـ ليست هناك بعد اتفاقية، هناك مشروع وهناك مفاوضات، عندما تصبح جاهزة، ان كان توصلنا لاتفاقية او بروتوكول او مذكرة تفاهم، المسالة مطروحة كفكرة لانهاء الفصل السابع من قرارات مجلس الامن ولتقنين او انهاء مهمة القوات المتعددة الجنسيات التي تتصرف الان وكأمر واقع، بقواعد سلوكها وليس حسب القواعد العراقية، او ليس بقواعد عمل متفق عليها، فتعتقل بقرارات منها، ولديها حصانات مطلقة، وتدخل وتخرج بدون علم العراق، وتقوم بعمليات منفردة، هذه المسائل يجب ان تقنن حتى لو تبقى هذه القوات يوم واحد وبغض النظر عن مصيرها، سواء طلبنا خروجها او جدولنا بقائها او بقت لفترة اطول، هذه المسائل يجب ان تقنن. ويجب ان تعود الحاكمية الى العراق. في هذه المسائل يجب ان تكون الارادة والقرار والحاكمية في جوهرها عراقية، وعندما نحتاج لاحد فاننا نحتاجه كطرف مساعد وليس كطرف يسود علينا ويسود على القرار العراقي. هنا المشكلة، نحن نتفاوض في هذه النقطة الرئيسية، في نوعية العلاقة. قرار 1483 وضع العراق تحت ولاية الامم المتحدة، ومجلس الامن فوض القوة المتعددة الجنسيات بسلسلة من القضايا منها الحفاظ على الامن في العراق، فأصبحت القضايا بيد الطرف الاجنبي. اذا اردنا الخروج من الفصل السابع فيجب ان تعود الامور الى حالتها الطبيعية، وإذا كان العراق بحاجة الى دعم امني فيجب ان يكون وفق قوانينه وتحت سلطته، تحت حاكميته، وهناك ممارسات كثيرة في دول العالم تمكننا من الحصول على دعم بدون ان تفقد سيادتك، وبدون ان تفقد قضاءك وبدون ان تمزق صلاحيات الدولة وتضع هذه الصلاحيات بأيدي الآخرين.

* هل تعتبرون اليوم أن سيادة العراق كاملة؟

ـ من الناحية القانونية يمكن القول ان العراق استعاد سيادته في حزيران 2004، ذلك اذا تكلمنا بلغة القانون الدولي فهذا صحيح، حتى الاحتلال لا يخرق سيادة البلد حسب تعريفات اتفاقيات جنيف في نهاية الاربعينات او بداية الخمسينيات، لا اتذكر. البعض يخلط بين الاحتلال والاستعمار من الناحية القانونية. فالاحتلال على بشاعته شكل من اشكال الادارة بينما الاستعمار ان تصبح ملكاً للاخر. في الاحتلال تصبح الادارة مفوضة لآخر اما بقرار من طرف قوي او بقرار من طرف اممي كما هو حال العراق بعد الحرب الاخيرة. كل ذلك نقاش نظري وقانوني قد لا يكون مجاله هنا فما يهمنا في النهاية هو الامر الواقعي. واقعياً جوابي سيكون بالايجاب لذلك رفضناه في البداية مع الادارة المدنية للسفير بريمر ونرفضه الان وقلنا ان بلداً مثل العراق مؤسس للامم المتحدة لا يمكن او يوضع تحت الاحتلال في القرن الحادي والعشرين. الان القائد الاميركي يستطيع ان يعتقل اي مواطن عراقي، بالمقابل نحن لا نستطيع ان نعتقل جنديا أميركياً واحدا حتى لو ارتكب ابشع الجرائم، وهذا وضع خاطئ لا يمكن ان نقبل به. القوات الاميركية تستطيع أن تأخذ اية بناية وان تتصرف في أي موضوع كما تشاء وفق قواعدها. وبغض النظر عن النوايا فنحن نتكلم عن الصلاحيات وعن طبيعة الوجود. عندما وصلت الى هذا المكان مررت بنقاط تفتيش اميركية، حتى لو رئيس الجمهورية او نائب رئيس الجمهورية او رئيس الوزراء او نائب رئيس الوزراء اعطى امراً معيناً فان امر هؤلاء غير نافذ وانما امر غيره هو النافذ، بالرغم من ان هذه ارض عراقية وانت في سراي الحكومة. انت من الممكن ان تعطي ارضا لسفارة وتمنحها حقوقا فوق اقليمية، وهذه السفارة ترفع علم دولتها كما تشاء ولها قواعد عملها ولا يستطيع احد دخول ارض السفارة ولها حصانتها، هذه الحقوق قد تعطى الى سفارات او معسكرات او مناطق معينة، ولكن ان يكون كل العراق هو «حقوق فوق اقليمية»، فهذا امر غير مقبول. الجانب العراقي يقول هذا امر غير مقبول، وكان يجب ان لا يحصل منذ فبراير (شباط) 2004، واتفاقية 15 نوفمبر2003، بين بريمر ومجلس الحكم نصت على الوصول الى اتفاق في نهاية شباط 2004، لكن السيد رامسفيلد (وزير الدفاع الاميركي السابق) كان قد تلكأ وتهرب من الموضوع ولم نصل الى اتفاق حينذاك وبقيت قواعد السلوك محكومة بقواعد سلوك طرف واحد وليس بقواعد سلوك طرفين.

*هل تعتقدون ان الاتفاقية ستمضي الى امام؟

ـ هذا يعتمد على تغيير المضامين. يجب تغيير المضامين. المضمون الرئيسي ان تصبح فيها حاكمية عراقية اساسا وان العراق قد استعاد سيادته كاملة وغير منقوصة، ويعود العراق الى ما قبل القرار 661 لعام 1990، واذا كنا بحاجة الى قوات فانها تبقى بقرار عراقي وباتفاق على سلوك هذه القوات بما لا يمس بالسيادة العراقية. ونسمع الان من الجانب الاميركي بانه يتفهم هذه المطاليب وبانها صحيحة، وان النقاش الجاري اليوم هو فعلا لوضع اسس لطريقة الاتفاق على هذه القضايا.