البيت الأبيض يرفض وضع جداول زمنية «اعتباطية» لسحب قواته من العراق

برلماني عراقي يتحدث عن «ضغوط المراجع».. والناطق باسم بترايوس لـ«الشرق الأوسط»: لم نغير موقفنا

حمال، ينقل بضائع على متن عربة يجرها حمار، يتحدث الى رجلي أمن اثناء مروره بنقطة تفتيش في شارع فلسطين ببغداد أمس (أ.ف.ب)
TT

على الرغم من تصريحات رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي حول ضرورة جدولة انسحاب القوات الاميركية من العراق، وتعزيز مستشار الأمن القومي العراقي موفق الربيعي لهذا الموقف بقوله، ان بغداد لن تصادق على اتفاقية امنية اميركية من دون جدولة انسحاب القوات، التزمت الادارة الاميركية امس برفضها مبدأ وضع جدول زمني محدد لسحب القوات. وأكد البيت الابيض أمس ان الولايات المتحدة ما زالت تعارض تحديد أي موعد «اعتباطي» لانسحاب قواتها من العراق. وقالت دانا بيرينو الناطقة باسم البيت الابيض للصحافيين المرافقين للرئيس الاميركي جورج بوش في قمة مجموعة الثماني في اليابان، «عارضنا دائما وما زلنا نعارض موعدا اعتباطياً للانسحاب». وتابعت أن الولايات المتحدة تعتقد أن هذه القرارات ينبغي أن «تستند الى الاوضاع على الارض»، وأن المسؤولين العراقيين متفقين معها في ذلك. وتلتزم الجهات العسكرية والمدنية الاميركية بعدم تحديد موعد زمني محدد لسحب القوات الاميركية من العراق. وقال الكولونيل ستيف بويلان، الناطق باسم قائد القوات الاميركية ديفيد بترايوس: «لم نغير ما قلناه في السابق، وهو اننا ما زلنا نعمل على سحب القوات، استناداً الى الظروف على واقع الارض». ورداً على سؤال «الشرق الأوسط» حول مطالب عراقية بوضع جدول زمني للانسحاب، قال بويلان: «هذا الامر يعتمد على الاطار الزمني نفسه، وهذا شيء لا نعرفه»، موضحاً ان القيادة العسكرية الاميركية لا تبحث حالياً خططاً معينة لوضع موعد محدد لسحب القوات. واضاف «لا يمكن لنا التعليق على المفاوضات الجارية بين حكومتي العراق والولايات المتحدة، ولكن لم نغير مبدأنا بأننا لا نريد قواعد دائمة في العراق، ولا استخدام القواعد في العراق لشن هجمات على اية جهة مجاورة للعراق ولا اضعاف السيادة العراقية». وتابع: «انسحاب القوات التدريجي، الذي بدأ بسحب القوات الاضافية التي ارسلناها الى العراق، سيعتمد على الاوضاع الامنية في البلاد». وامتنع بويلان عن الرد على تصريحات المسؤولين العراقيين حول وضع جدول زمني ضمن اطار الاتفاقية الامنية لتنظيم بقاء القوات الاميركية في العراق، بعد انتهاء تفويض الامم المتحدة للقوات المتعددة الجنسية نهاية العام الحالي. واكتفى بويلان بالقول: «علينا انتظار نتائج المفاوضات وسننفذ اية تعليمات تعطيها لنا قيادتنا».

ويؤكد المفاوضون العراقيون والاميركيون انهم مازلوا في طور التفاوض حول تفاصيل الاتفاقية. وكانت الحكومتان العراقية والاميركية قد حددتا موعد 31 يوليو (تموز) الجاري لتوقيع الاتفاقية، ومازال الطرفان متمسكين بهذا الموعد، على الرغم من صعوبة المفاوضات حول الجانب الامني. ويذكر انه تم احراز تقدم في ما يخص «اتفاقية الاطار الاستراتيجي» للعلاقات بين البلدين، وهي اتفاقية اوسع تشمل العلاقات السياسية والامنية والاقتصادية والثقافية بشكل عام بين البلدين، قد توقع قبل الاتفاقية الامنية. وأكدت آنا اسكروهيما الناطقة باسم السفارة الاميركية في بغداد، أن الطرفين يعملان من اجل التوصل الى اتفاق بحلول هذا الموعد، ولكن الاهم من ذلك هو التوصل الى اتفاق يرضي الطرفين. وفي ما يخص طلب المسؤولين العراقيين وضع جدول زمني لسحب القوات الاميركية، قالت اسكروهيما لـ«الشرق الاوسط»: «التصريحات الاخيرة تعكس تطورات ايجابية في الجانب الأمني، اذ ان القوات العراقية والحكومة العراقية اكثر ثقة وكفاءة، وهذا ما عملنا من اجله». ولكنها اردفت قائلة ان «أي كلام عن انسحاب القوات يجب ان يعكس الظروف على الارض وتحسن الوضع». وفي واشنطن، صرح الفريق جيمس دوبيك، المسؤول عن تدريب القوات العراقية، بان القوات البرية الاميركية في العراق ستنجز معظم مهامها الامنية بحلول منتصف عام 2009. واضاف: «القوات البرية ستكون قد انجزت معظم مهامها بحلول منتصف العام المقبل». ولكنه لفت في الوقت نفسه، في تصريحات امام الكونغرس، الى انه ستكون هناك حاجة لابقاء القوات الاميركية لفترة طويلة لتشارك في عمليات تدريب القوات العراقية وتأهيلها.

وشرحت اسكروهيما ان هناك «تغييرا في نوع العمليات التي ستقوم بها القوات الاميركية في العراق، اذ نسعى الى الانتقال من الدور العسكري الحربي الى مهام اخرى، مثل تدريب القوات العراقية ودعمها». واضافت: «نعارض وضع تاريخ اعتباطي (لسحب القوات) ولكن استطعنا في السابق ان نناقض افقا زمنية واهدافا مشتركة يمكن تحقيقها، مثل نقل السلطة الى القوات الامنية في عدد من المحافظات». واعتبرت الدبلوماسية الاميركية انه يمكن الاعتماد على هذا النمط الذي عمل الاميركيون عليه مع العراقيين، أي تحديد جداول زمنية مبنية على الاوضاع في مناطق محددة من العراق. ويعتبر بعض السياسيين العراقيين ان مطلب الحكومة تحديد جدول زمني لانسحاب القوات الاميركية يأتي نتيجة الضغوط التي يمارسها رجال الدين والمرجعية الشيعية، تأكيدا لمبدأ السيادة في اي اتفاقية مع واشنطن. وكان الربيعي قد صرح بعد لقائه المرجع الشيعي الكبير آية الله علي السيستاني بأنه «لا يمكن ان نقبل بأي مذكرة تفاهم اذا لم تتحدث عن تواريخ ثابتة لآفاق زمنية واضحة لجلاء القوات الاجنبية من العراق بشكل كامل». ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن النائب عن التحالف الكردستاني محمود عثمان: «هناك ثمة تردد من رجال الدين للمضي قدما في الاتفاقية، من دون رؤية الضوء في نهاية النفق»، اي من دون جدول زمني. واضاف: «اذا لاحظنا، فان تصريحات الربيعي جاءت بعد لقائه السيستاني، لذلك فان هناك ضغوطا تمارسها المراجع». وكان اعضاء في فريق التفاوض العراقي حول الاتفاقية الامنية أبدوا مخاوفهم من ان تعرب المرجعية عن رفضها لاتفاقية امنية مع الولايات المتحدة، مما سيصعب التوصل الى هذا الاتفاق. ومن جهته، قال الشيخ جلال الدين الصغير النائب عن المجلس الاعلى الاسلامي ان «مطالبة الحكومة بجدول زمني للقوات الاجنبية هي حالة طبيعية ولا يوجد شيء جديد». واضاف في تصريحات لوكالة الصحافة الفرنسية: «منذ البداية كان الهم الاول هو اخراج العراق من كل انواع التبعية، للحصول على السيادة (...) وبالنتيجة، وخلال السنة الحالية نعمل على عقد اتفاقية تنظم جلاء القوات الاجنبية عن العراق». ولكنه اردف قائلاً: «لا تزال هناك مشاكل في الأمن الخارجي، وهذه المسألة تستدعي الشروع بعقد اتفاقيات مع الدول المجاورة، او اتفاقيات مع الاميركيين».