السليمانية: سينما تخصص لعرض الأفلام العالمية وتتحاشى الكردية

رواد دور السينما في المدينة يلجأون إليها للاستمتاع بمكيفات الهواء

عدد من رواد سينما مؤسسة سردم في السليمانية يتابعون فيلما (تصوير: كامران نجم)
TT

منذ ان غزت اجهزة التقاط البث التلفازي الفضائي اقليم كردستان العراق عام 1992، بدأت صالات العرض السينمائي تتلاشى في مدن هذا الاقليم الذي شهد انفتاحا سريعا بوجه العالم بالرغم من الحظر الاقتصادي المزدوج الذي كان مفروضا عليه من جانب النظام السابق ومن قبل المنظمة الدولية على العراق ككل.

ومع ازدهار تكنولوجيا الصوتيات والمرئيات التي اجتاحت اسواق الاقليم وبروز انواع مختلفة من اجهزة الفيديو، اختفت ظاهرة ارتياد صالات العرض السينمائي كتقليد اجتماعي دأب عليه الكثير من العوائل الراقية حتى اواخر التسعينات من القرن النصرم في العديد من مدن كردستان وتحديدا في السليمانية باعتبارها عاصمة الثقافة والفنون في الاقليم. وراح اصحاب صالات العرض يحولون مباني دور السينما الى فنادق او عمارات سكنية او اسواق عصرية بعد ان هجرها روادها واضمحلت عائداتها المالية. فمن مجموع خمس صالات للسينما في السليمانية كانت تغص بالرواد والعوائل الراقية مساء كل يوم خميس وخصوصا عند عرض الافلام الحديثة لم يبق هناك سوى صالة يتيمة واحدة لا يرتادها في اليوم سوى بضعة اشخاص جلهم من العمال والكسبة النازحين من مدن وسط وجنوب العراق لا لمشاهدة الافلام الهابطة التي تعرضها بل بحثا عن مكان مزود بمكيفات الهواء لأخذ قسط من الراحة فيه بعيدا عن الصخب وحرارة الصيف اللاهبة وبسعر زهيد لا يتجاوز 750 دينار اقل من دولار واحد هو سعر بطاقة الدخول.

وبموازاة ضمور دور السينما وانحسار دورها اختفت ايضا ثقافة الفن السابع في المجتمع الكردي الذي يهرول بخطى متسارعة للحاق بالمجتمعات المتمدنة، وبمعنى أدق لم تعد للسينما او الفن السابع اي معنى يذكر في حياة الاكراد ناهيك من صناعة السينما التي لم تولد بعد في هذه البقعة من الارض.

من هنا وادراكا من مؤسسة «سردم» كبرى المؤسسات الثقافية في اقليم كردستان قاطبة، لأهمية السينما، فان المؤسسة التي يرأسها الشاعر الكردي المعروف شيركو بيكس والتي تتخذ من السليمانية مقرا لها، اقامت صالة خاصة بعرض الافلام السينمائية الراقية في مبنى المؤسسة التي تتوسط قلب المدينة بغية اتاحة المجال لهواة السينما من مختلف الاعمار مشاهدة الافلام الهادفة وفهم اهمية السينما على نحو صحيح بمعزل عن كل ما يشوه صورة هذا الفن الرفيع لدى البسطاء من الناس.

ويقول سامي داود المدير الفني لصالة سردم السينمائية، التي تعرض ايام الثلاثاء من كل اسبوع ومنذ عام ونصف تقريبا احد الافلام المتميزة والناجحة والمترجمة الى العربية ان «معظم الافلام التي تعرض في هذه الصالة يتم انتقاؤها بعناية فائقة ووفق اسس عديدة اهمها واولها الجانب الاخراجي للفيلم، فمثلا خلال الموسم الماضي عرضنا فقط الافلام التي اخرجها سيرجيو ليوني وخصوصا فيلمه الشهير «من اجل حفنة من الدولارات» الذي يتناول شخصية راعي البقر الكاوبوي ومن ثم قدمنا دراسة نقدية عن مفهوم الكابوي ورجل العصابة وتاثير الشخصيتين على المعالجة البصرية في السينما». واوضح داود في حديثه لـ «الشرق الاوسط» ان الصالة هي بمثابة مشروع لناد سينمائي حيث تعقد بعد كل عرض ندوة فكرية نقدية عن الفيلم المعروض تتناول كل الجوانب الفنية والادائية المتعلقة به وبعملية انتاجه واخراجه وفي ظرف ساعة واحدة فقط والغاية من كل ذلك هي تثقيف المتلقي بصريا وسينمائيا.

وفيما يتعلق بمدى تفاعل الجمهور مع الافلام المعروضة التي تنتقيها ادارة الصالة وفق رؤيتها الخاصة وبحجم الحضور في كل عرض، قال داود «هناك نوعان من الرواد الذين يرتادون صالة سردم الاول يحضر للاستمتاع بالافلام الراقية التي تعرض عندنا وهم الاغلبية، والثاني يحضر للتعلم وعدد افراده يتراوح بين 10 – 15 شخصا وهو عدد لا بأس به، لاسيما اذا استمر هؤلاء في المتابعة والدراسة بالاستفادة من الكتب والدراسات التي توفرها مؤسسة سردم في هذا المضمار». والملاحظ ان هذه الصالة تتفادى لحد الان عرض الافلام الكردية على قلتها ولم تضع خطة لترجمة تلك الافلام كجزء من الغايات الاساسية للمؤسسة وفي هذا الصدد يقول داود «لدى المؤسسة مترجمون يتولون ترجمة الافلام من اللغات الاوروبية العديدة الى اللغة الكردية ولكن هناك ما يمكن تسميته بالتصادم في المعايير لأن الافلام المترجمة الى الكردية هي افلام جماهيرية، فيما تسعى ادارة الصالة الى انتقاء الافلام التي تنسجم مع المعايير التي تحددها عن الفن السينمائي سيما واننا نهتم بالسينما الايطالية والدنماركية والسويدية وبمخرجين معينين، اما بالنسبة لعرض الافلام الكردية فاننا لسنا بصدد المجاملة في عرض الافلام، اي اننا لن نعرض فيلما لمجرد انه بلغة كردية بل اذا توفرت فيه الشروط المطلوبة».

ويقول كاوه حسن المشرف الفني على الصالة ان المؤسسة تهتم ايضا بسينما الاطفال اذ خصصت ايام الاربعاء من كل اسبوع وعلى مدى ثلاثة اشهر من العام الماضي لعرض الافلام الهادفة والخاصة بالاطفال والتي شهدت اقبالا مذهلا من قبل تلامذة المدارس ومن مختلف المراحل الدراسية.