قطب إعلامي نيجيري يتحدى الفساد ويروج لبلاده في حفلات تجتذب نجوم الفن والسياسة

هل يكفي تنظيم حفلة لتلميع صورة نيجيريا

TT

يصعب كثيرا إعادة تأهيل الدول، خاصة إذا كانت تلك الدولة هي نيجيريا، التي تشتهر بأعمال العنف. لكن يبدو أن السيد ندوكا أوبايغباهنا قد ألِف الجمع بين الأضْدَاد، حيث يتحدى هذا القطب الإعلامي النيجيري الشهير ما يعرف باسم الـ «كليبتوقراطية» (أو حكم اللصوص) في نيجيريا منذ عدة عقود. وقالت نانسي بوزويل، رئيسة فرع مؤسسة الشفافية الدولية بالولايات المتحدة الأميركية تعليقا على الجهود التي يبذلها أوبايغباهنا لتلميع صورة نيجيريا: «هناك من الأسباب ما يدعو للتفاؤل الحذر».

وهناك الكثير من المتحمسين الذين يقفون مع رجل الاعلام، اذ تقول المغنية نعومي كامبل: «لدى ندوكا رؤية استثنائية وعاطفة حقيقية ورسالة خاصة. ولذا دائما ما أحب المشاركة معه».

وكذا يقول جون هاوارد، رئيس الوزراء الأسترالي السابق: «هناك الكثير من فرص الاستثمارات في الوقت الحالي والحكم الرشيد نقطة مهمة لتوجيه الاستثمارات. نعم، يدعم السيد أوبايغباهنا الطريق الأصح».

منذ عام 2000 يقيم أوبايغباهنا سنويا احتفالا لتكريم النيجيريين الذين يحاربون الكسب غير المشروع أو الظلم، خاصة المسؤولين الحكوميين والمسؤولين التنفيذيين بالشركات، الذين يمثلون قدوة في الالتزام بالشفافية المالية والمساءلة واحترام القانون.

ولكنه يحتفل بهم عن طريق استضافة بعض الشخصيات البارزة، سواء في مجال السياسة أو الفنون مثل المغنية الشهيرة كامبل والسيد هاوارد، ويقدم جوائز «ذيس داي» التي سميت على اسم امبراطوريته الإعلامية وصحيفته المستقلة. وقد حضر آخر حفل لتقديم الجوائز العديد من السياسيين والشخصيات البارزة مثل السيد هاوارد ورئيس الوزراء الفرنسي السابق دومينيك دو فيلبان وبول بيجالا، المستشار السابق لبيل كلينتون. ومنذ عام 2006، وأوبايغباهنا يقيم سلسلة حفلات صيفية كبيرة تروج للتقدم السياسي والاقتصادي في نيجيريا، ويُطلق على تلك الحفلات مهرجان «ذيس داي» وتتم دعوة نجوم بارزين للمشاركة، منهم شاكيرا. ومن المقرر أن تقام الحفلة القادمة تحت شعار «النهوض بأفريقيا» في أبوجا اليوم وستكون نجمتها المغنية ماري بليج ومعها كامبل. وسينتقل الحفل في الأول من أغسطس (آب) إلى مركز كنيدي بواشنطن. وبالنسبة لبعض المراقبين، فإن الإسراف الذي يتميز به أوبايغباهنا والحفلات التي يقيمها تضعف من مصداقيته ومصداقية الرسالة التي يدعو إليها. ويقول فيليب إكيتا، وهو صحافي نيجيري ومتخصص في علم المجتمع: «كل هذا الكلام حول الحكم الرشيد مجرد شعارات، نحن من نعيش مع السكان في المناطق الريفية ونعلم أنه ليس هناك تقدم يذكر لصالح المواطنين في نيجيريا».

ولكن، لا يوافق أوبايغباهنا على هذا الرأي اذ قال في مارس (آذار) الماضي وهو جالس في جناح بفندق «ريجيس» بمدينة نيويورك: «لدينا أطول فترة من الديمقراطية في نيجيريا، لدينا قيادة جديدة. يجب أن نحافظ على هذا الانجاز».

ليس هناك من يدعي أن أوبايغباهنا مسؤول عن تلك التغيرات، ومع هذا فقد أصبح المروج لها عبر الأنشطة الكبيرة التي ينظمها. ولا يعد تفاؤله غير مبرر: رغم ان نصف سكان نيجيريا لا يجدون مياها صالحة للشرب، وتبلغ نسبة الوفيات بين المولودين طفلا واحدا من كل 10، إلا ان الاستثمارات الأجنبية زادت في نيجيريا بمعدل أربعة أمثال خلال الفترة 2000 حتى 2006، حسبا ما أعلنه مؤتمر التجارة والتنمية التابع للأمم المتحدة. وبسبب إعادة الهيكلة المالية والزيادة في أسعار البترول، ولا توجد أي ديون أجنبية تقريبا على نيجيريا، حيث يوجد تقريبا احتياطي أجنبي تصل قيمته 50 مليار دولار وهناك فائض متنام في التجارة. وشهدت قطاعات أخرى، غير قطاع البترول، تقدما مماثلا، ففي عام 2007، تجاوز قطاع الاتصالات في نيجيريا نظيره في جنوب أفريقيا الذي كان يعد الأكبر في القارة الأفريقية. ويقول سبيو جاربرا، وهو محلل في مجموعة أوراسيا المختصة بتحليل المخاطر السياسية ومركزها في نيويورك: «يهتم الكثيرون من عملائنا لاسيما البنوك وصناديق التحوط والمستثمرين، بالاستثمار في نيجيريا».

والمهم في هذا المجال هو التقدم الذي تحققه نيجيريا في جهود مكافحة الفساد، والتي بدأتها عام 2002 عن طريق تأسيس لجنة الجرائم الاقتصادية والفيدرالية. وكانت نيجيريا مرادفا للكسب غير المشروع بعد أن نُهب نحو 380 مليار دولار من الخزانة الحكومية منذ إعلان الاستقلال عام 1960. ويقول السيد هاوارد إن موارد البترول الواسعة في نيجيريا «لن تكون كافية لجذب الاستثمارات الأجنبية إذا لم تكن هناك ثقة في الحكومة».

ومن الصعب التعبير عن الدور الذي لعبته جوائز أوبايغباهنا في تشجيع الحكم الرشيد، حيث كرّم المواطنون المشهود لهم بجهودهم في هذا المجال. وكان من بين الفائزين بتلك الجوائز بوكولا ساراكي، حاكم ولاية كوارة، الذي دعم مزارعي زيمبابوي الذين تعرضوا للاضطهاد تحت حكم الرئيس روبرت موغابي، وكرم ايضا الدكتور نجوزي أوكونجو أوالا، وزير المالية السابق الذي عين عضوا منتدبا للبنك الدولي عام 2007. وفي العام الماضي، كرمت «ذيس داي» نوهو ريبادو، المسؤول المختص بمحاربة الفساد والذي أشرف على 200 إدانة في نيجيريا منذ عام 2003، وأطاح العديد من البرلمانيين وحكام المحافظات ورئيس سابق للشرطة. ومع ذلك، لم يتخل أوبايغباهنا عن زخارف السلطة، فهو رجل أنيق يهوى حجز الأجنحة الكبيرة في الفنادق الفخمة، ومازال لديه منزل في لاغوس ومزرعة كبيرة في ولاية دلتا ومكان للإقامة في فندق «ريتز كارلتون» بواشنطن. ولن يكشف أوبايغباهنا عن صافي ثروته، لكنه يقول إن الشركة الأم لـ«ذيس داي»، التي يتملك منها 95 في المائة، قد حققت عوائد قدرها 100 مليون دولار خلال 2007. كما تحصّل على 20 مليون دولار من حيازة عدد من العقارات والأسهم. ويقول: «أحب أن أعيش حياة متواضعة في تحفظ». وقد اطلق أوبايغباهنا، صحيفة «ذيس داي» كصحيفة أسبوعية وكانت تسمى في البداية «ذيس ويك»، كان ذلك عام 1987. وخلال الإجراءات العنيفة التي كانت تتخذها الحكومة ضد الصحافة في نهاية التسعينات، ألقي القبض عليه لنشر مقالات تنتقد الحكم العسكري للجنرال ساني أباتشا. يقول: «اعتقلت وقتل عشرات الصحافيين، كان من بينهم ناشر صحيفة غارديان الذي أطلق عليه الرصاص وترك شبه ميت». وبعد فترة اعتقال صغيرة، أرسل أوبايغباهنا الى المنفى لمدة عامين، وعاد بعد شهر فقط من وفاة الجنرال أباتشا. نشرت صحيفة «ذيس داي» عام 2002 مقالا ينتقد مسؤولين إسلاميين استنكروا مهرجان ملكة جمال العالم، ونتج عن ذلك نهب مكاتب الجريدة وإحراقها بعد فتاوى صدرت ضدها. وفي ديسمبر (كانون الأول)، عثر على رئيس مجلس إدارة الصحيفة السيد غودوين أغبروكو، قتيلا في سيارته. وفي الشهر التالي، تعرضت مكاتب «ذيس داي» إلى عمليات إحراق متعمد. ويقول أوبايغباهنا: «هناك تهديدات يومية لنا، ولكن لا يهم ذلك، سنبقى نقول الحق». وخلال المهرجان القادم، يخطط أوبايغباهنا للحديث عن القروض الصغيرة كوسيلة لتمكين مواطني نيجيريا الذين يبلغ عددهم 146 مليون نسمة. ويرى أنه إذا ما تم إيقاظ هذه السوق المستهلكة والتي تعد الأكبر في أفريقيا، فلن يتم بعد ذلك تجاهل القوى العظمى الأفريقية. «إنها دولة جديدة تظهر، وهذا هو الوقت المناسب للترويج لها».

* خدمة «نيويورك تايمز»