الكتاب الأبيض لسياسة فرنسا الخارجية: التهديد الرئيسي لأوروبا من الشرق الأوسط والإرهاب

قال إن توسيع الاتحاد الأوروبي سيصل إلى دول البلقان.. وأبقى تركيا وأوكرانيا خارج حدود الاتحاد

TT

تسلم وزير الخارجية الفرنسية برنار كوشنير أمس الكتاب الأبيض الخاص بسياسة فرنسا الخارجية للسنوات الـ12 القادمة وهو تحت عنوان «فرنسا وأوروبا في العالم» من رئيسي اللجنة التي أنشأت العام الماضي لهذا الغرض برئاسة ألان جوبيه، رئيس الوزراء الأسبق ولويس شوايتزر رئيس شركة رينو سابقا ورئيس السلطة العليا لمكافحة التمييز والمساواة.

ويكمل الكتاب الأبيض حول السياسة الخارجية الكتاب الأبيض حول الدفاع الذي رفع للرئيس الفرنسي قبل حوالي الشهر بحيث يشكل الكتابان «قاعدة» التفكير الاستراتيجي والدبلوماسي الفرنسي في العالم.

وجدير بالملاحظة أن الكتاب الأخير ينشر قبل 48 ساعة على إعلان قيام الاتحاد من أجل المتوسط من باريس الذي يراد له أن «يحول حوض المتوسط الى بحيرة سلام وديمقراطية وازدهار» وفق ما هو وارد في الإعلان الختامي للقمة الذي سيكون بمثابة صك ولادة للاتحاد الجديد.

ويشخص الكتاب الأبيض التحديات التي تواجهها فرنسا ومعها أوروبا للسنوات الـ12 القادمة، وفي باب التحديات الأساسية، يرصد الكتاب ستة منها أولها «التوازنات العالمية الجديدة» على صعيدي الديموغرافيا والاقتصاد بحيث أن «نقطة الثقل في العالم اقتصاديا واستراتيجيا تتجه نحو آسيا بحيث تنتج عنها إعادة توزيع لمقادير التأثير السياسي لصالح القوى الناشئة»، رغم أن الولايات المتحدة الأميركية «سيبقى لها المحل الأول استراتيجيا وعسكريا وسياسيا واقتصاديا وعلميا».

ورغم ان الكتاب الجديد يعتبر أن «التهديد العسكري الوجودي» الذي كانت تتعرض له أوروبا قد انتهى مع نهاية الحرب الباردة، غير أنه يؤكد وجود تهديدات «جديدة» نابعة من تداخل أربعة عوامل ترتبط كلها بالشرق الأوسط والمتوسط، وأول التهديدات منبعه الأزمات القائمة في الشرق الأوسط الذي «يرتدي أهمية استراتيجية» لفرنسا وأوروبا. ويتمثل مصدر التهديد الثاني بـ«الإرهاب الإسلامي الكلي» الذي «فشل في فرض المواجهة الشاملة» بين الشرق والغرب، إلا أنه يبقى تهديدا رئيسيا. ويتداخل التهديد الثالث وهو انتشار أسلحة الدمار الشامل ووسائل نقلها مع التهديد الإرهابي بحيث يستولد السيناريو الأخطر لفرنسا واوروبا عبر المزج بين التهديدين. أما التهديد الرابع، على المديين المتوسط والبعيد، فمصدره الوضع غير المستقر على الضفة الجنوبية والتطورات المحتملة في أفريقيا.

ويعتبر الكتاب الأبيض أن التحدي الثاني يتمثل في الاندماج الأوروبي والنمو الاقتصادي فيها والوصول الى سياسة خارجية وأمنية ودفاعية موحدة وقدرة الاتحاد على مواجهة العولمة وإظهار أهليته للدفاع عن مصالح الأوروبيين. والأهم في هذا السياق أن الكتاب الأبيض ينطلق من فرضية ان توسيع الاتحاد حتى عام 2020 سيقف عند حدود البلقان ويستبعد تركيا وأوكرانيا. ويؤكد الكتاب أن دمج البلدين المذكورين «سيعدل» طبيعة المشروع الأوروبي ويهدد توازناته الداخلية.

ويبدي الكتاب الأبيض تخوفا من التهديدات «الجديدة» في عالم «تناقصت فيه الحروب لكن تكاثرت ازماته وازدادت تعقيدا» بسبب التهديدات المترتبة على التقدم التكنولوجي والعلمي والتداخل بين التهديدات الداخلية والخارجية. وينطلق الكتاب من اعتبار أن نتيجة التنافس بين الأحادية من جهة والتعددية القطبية من جهة أخرى، مرهونة بخمسة عوامل هي: موقف الولايات المتحدة الأميركية، العلاقات بين القوى الرئيسية في العالم ودور الحلف الأطلسي، قوة أو ضعف الأمم المتحدة ومؤسساتها، دور الاتحادات الإقليمية وموقعها مثل الاتحاد الأوروبي وخلافه. أما التحدي الرابع فمصدره استمرار الهوة بين الشمال والجنوب رغم العولمة والتوترات الناتجة عن التنافس من أجل الطاقة والمواد الأولية والتغيرات المناخية والاستقرار الاقتصادي والمالي العالمي. ويرى الكتاب الأبيض ان أفريقيا هي الأكثر تعرضا لمساوئ هذه الظواهر خصوصا بسبب نموها السكاني (مليارا نسمة بحلول عام 2050) ومشاكل التعليم والصحة والتنمية والغذاء والهجرة. أما التحديدان الأخيران فهما تحدي نشر الديمقراطية في العالم والتحدي الثقافي والمحافظة على الهويات الخاصة في زمن معولم. إزاء هذه التحديات، يرسم الكتاب أولويات الدبلوماسية الفرنسية ومحاور عملها في السنوات القادمة ويركز على خمسة منها: توفير أمن فرنسا والفرنسيين، بناء أوروبا قوية وديمقراطية وفعالة والدفاع عن المصالح الأوروبية وتوفير الاستقرار في الجوار الأوروبي، ونشر اللغة والثقافة الفرنسيتين عبر سياسة ثقافية خارجية طموحة وفعالة ودعم الفرانكوفونية.

ويعالج الكتاب الأبيض في القسم الثالث وسائل مواجهة التحديات والوصول الى الأهداف عبر 12 توصية متكاملة تتناول إعادة تشكيل وزارة الخارجية الفرنسية وتعديل أساليب عملها بحيث تتكامل مع الوزارات الأخرى والتشديد على طرق إدارة الأزمات العالمية وتوفير انتشار أفضل للممثليات والقنصليات والتكامل مع العمل الدبلوماسي والقنصلي الأوروبي.