الحكومة اللبنانية الجديدة تبصر النور بعد مخاض استمر 43 يوما

قيادي في الأكثرية لـ«الشرق الأوسط»: تجنبنا «الفخ السوري» وسهلنا ولادة الحكومة * الحريري وجنبلاط قدما «تضحيات».. ومسيحيو الأكثرية والمعارضة أبرز الرابحين

السنيورة خلال لقائه الرئيس اللبناني ميشال سليمان في القصر الجمهوري أمس (أ ب )
TT

... وأخيرا ولدت حكومة الوحدة الوطنية اللبنانية، التي تضم وزراء من المعارضة والاكثرية، اضافة الى ثلاثة وزراء محسوبين على الرئيس ميشال سليمان. ويفترض بها أن تقوم بترجمة اتفاق الدوحة لجهة «تطبيع» الوضع بين الاطراف المتخاصمة، والتحضير للانتخابات النيابية ربيع العام المقبل. وقد سجلت الحكومة الجديدة رقما قياسيا غير مسبوق في مخاض التأليف، اذ احتاجت الى مفاوضات استمرت 43 يوما تخللتها «هبات» ساخنة وباردة انتهت صباح أمس باعلان الحكومة في اللحظات الاخيرة قبل غياب رئيس الجمهورية ميشال سليمان «عن السمع» للمشاركة في حفل زفاف ابنته الذي تأجل نحو ساعة، ثم المغادرة الى فرنسا لترؤس وفد لبنان الى مؤتمر الاتحاد من اجل المتوسط.

وكان تيار «المستقبل» الذي يقوده النائب سعد الحريري ابرز «المضحين» لقيام الحكومة. اذ تخلى عن عدد من المقاعد الوزارية المحسوبة عليه لمصلحة حلفائه، كما قبل بتوزير الرئيس السابق للحزب السوري القومي الاجتماعي علي قانصو الذي يمثل حساسية عالية بالنسبة الى «تيار المستقبل». فيما كان الفريق المسيحي في الاكثرية والمعارضة وفريق رئيس الجمهورية ابرز الرابحين من عملية توزيع الحقائب، وخصوصاً «الدسمة» منها. أما النائب وليد جنبلاط فقد تراجعت حصته الى حد كبير، فنال وزيرين وحقيبة واحدة في حكومة من 30 وزيرا بعدما كانت حصته 3 حقائب في الحكومة السابقة. وقد تخلى عن توزير النائب نعمة طعمة بعدما طلب منه الفريق المسيحي في الاكثرية بوساطة من النائب الحريري.

وجاء التقسيم السياسي للوزراء وفقا لاتفاق الدوحة، بواقع ثلاث وزراء لرئيس الجمهورية و16 وزيراً لقوى «14 اذار» و11 وزيرا للمعارضة. وضمت التشكيلة 9 وزراء من الحكومة السابقة وستة وزراء سابقين و14 وزيرا جديدا، فيما ضمت 8 وزراء من النواب. ودعيت الحكومة الجديدة الى التقاط الصورة التذكارية عند العاشرة من قبل ظهر الاربعاء المقبل في القصر الجمهوري، على ان تعقد اولى جلساتها هناك برئاسة رئيس الجمهورية لتشكيل اللجنة الوزارية لاعداد البيان الوزاري.

وقال قيادي بارز في «14 اذار» لـ«الشرق الاوسط» تعليقا على اعلان التشكيلة انه ثبت أن «تيار المستقبل» هو الفريق الذي يقدم كل التضحيات كل الوقت، واشار الى ان «14 اذار فهمت الهدف الاستراتيجي السوري عبر زرع قانصو في الحكومة فخا للسنيورة لضمان عدم تشكيل الحكومة قبل ذهاب الرئيس سليمان الى فرنسا حتى تتحول اجندة الاجتماع الى استجداء فرنسي ـ لبناني من أجل تشكيل الحكومة، فتثبت سورية انها قادرة على ادارة الملف اللبناني كما فعلت عبر اقفال البرلمان وشل الاقتصاد والحكومة واشعال الحرب الاهلية». واشار الى ان «14 اذار» تعتبر ان احباط هذا المشروع هو «انجاز استراتيجي». وفي حسابه لمعادلات الربح والخسارة، لم ير القيادي في توزير قانصو تراجعا للأكثرية، فالرئيس السنيورة كان هو نفسه مرفوضا من المعارضة وكذلك الوزير ابراهيم شمس الدين. ولاحظ ان البعض كان يريد ان يضعف المسيحيين في 14 آذار، فنالوا وزارتين دسمتين كالعدل والمهجرين. وخلص الى القول «ان اللبنانيين سيجدون انفسهم في المرحلة المقبلة يقارنون بين نوعيات الوزراء من الجانبين ويحكمون عليها في الانتخابات النيابية المقبلة». مشيرا الى ان «14 اذار» استطاعت ان توصل شخصيات من النخبة الى الحكومة، «أما الباقون فتقييمهم يعود الى اللبنانيين».

وكان يوم اعلان التشكيلة الحكومية، قد بدأ صباحا بمعلومات متضاربة صعَّدها اضطرار رئيس الجمهورية الى الغياب عن السمع عند الثالثة من بعد الظهر، فكان الجميع أمام خيار اصدار التشكيلة قبل هذا التوقيت أو انتظار عودته من السفر، مع ما قد يؤدي ذلك الى انطباعات سلبية عن مغادرة الرئيس لبنان قبل ولادة الحكومة الاولى في عهده. وبدأ التحرك بزيارة قام بها رئيس كتلة «المستقبل» النائب سعد الحريري الى رئيس الحكومة المكلف من دون موعد مسبق، حيث تمنى عليه «تجاوز عقدة توزير قانصو» متوقعا انجاز التشكيلة خلال ساعات. وكان سبقه الى السرايا الحكومية مساعده النائب السابق غطاس خوري، الذي ادلى بتصريح أوحى فيه بتراجعه عن دخول الحكومة. لكنه ابدى استياءه من «استحضار واستخدام شعارات سابقة لـ14 آذار ولا تليق بـ14 اذار وشعاراتها، ومنها العودة الى لقاء قرنة شهوان، الذي ألغى نفسه منذ ثلاثة اعوام ونيف، كل ذلك من اجل التوزير». وقال: «أنا اظن ان في ذلك اساءة الى جمهور 14 اذار الذي اكد اننا، مسلمين ومسيحيين، مجتمعون معا فاذا تمت العودة الى التفريق بين المسيحيين انفسهم فذلك يسيء الى جمهور 14 آذار». مؤكدا ضرورة «اعادة تصحيح المسار في 14 آذار».

وعند الثانية والنصف ظهرا زار الرئيس السنيورة القصر الجمهوري واجتمع بالرئيس سليمان، ثم انضم اليهما رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي غادر القصر بعد الاطلاع على التشكيلة الوزارية، وعند الرابعة من بعد الظهر صدر مرسوم تشكيل الحكومة. وفور صدور التشكيلة الحكومية اجرى الحريري اتصالات تهنئة بعدد من الوزراء الذين تمت تسميتهم في الحكومة الجديدة، متمنياً لهم وللحكومة التوفيق لما فيه مصلحة لبنان. وتوجه الحريري بالتهنئة «بالدرجة الاولى الى اللبنانيين الذين يستحقون ان يهنأوا بالاستقرار السياسي والدستوري لتثبيت الاستقرار الامني واعطاء الدفع المطلوب لانطلاقة عهد فخامة الرئيس العماد ميشال سليمان، لينتصر منطق المؤسسات ومعالجة الشؤون الحقيقية للمواطنين ضمن حكومة الوحدة الوطنية». كما وجه تحية خاصة الى «الوزراء الخارجين من الحكومة، الذين قدموا بمواقفهم وتضحياتهم وادائهم نموذجاً رائعاً للعمل الوطني العام والتفاني في خدمة لبنان وقضاياه». وخص بالذكر وزراء الاكثرية وجميع وزراء ونواب «تيار المستقبل» وكوادره وقيادييه «الذين اثبتوا كما في كل مناسبة انهم مستعدون للتضحية بكل المناصب والالقاب لمصلحة لبنان واللبنانيين، فلم يتردد احد منهم عن التخلي عن اي ترشيح لأي مقعد وزاري في كل مرة اقتضت ذلك مصلحة الدفاع عن مسيرة الحرية والسيادة والاستقلال، واضعين شعار لبنان اولاً في موضع التطبيق العملي لا القول فقط». وخص بالذكر النائب غطاس خوري «الذي يعرف الجميع الفضل الكبير الذي يحمله لانطلاقة حركة 14 آذار بعد اغتيال رفيقه الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وفي استمرارية الحركة الاستقلالية وحيويتها وتماسك قواها حتى اليوم».