المواطنون أسرى الخوف من تجدد الاشتباكات وانتشار الجيش لم يعد الحياة إلى مناطق التوتر

«الشرق الاوسط» جالت على خطوط التماس بين التبانة وجبل محسن

لبناني على دراجته يمر بالقرب من دبابات للجيش في حي باب التبانة في طرابلس (أ ف ب)
TT

صحيح ان وقف اطلاق النار في طرابلس عاصمة شمال لبنان قد دخل حيز التنفيذ الفعلي اعتباراً من السابعة من صباح الاربعاء الماضي، لكن الوضع على خطوط التماس ما زال اسير الخوف من تجدد الاشتباكات على غرار ما كان يحصل في السابق.

وهو ما عكسته آراء المواطنين الذين فرضت الظروف وجودهم على خط التماس الاساسي بين منطقتي التبانة ذات الغالبية السنية وجبل محسن ذات الغالبية العلوية، وخصوصاً ان نسبة كبيرة منهم قد عايشوا الحرب في لبنان وفي هذه المنطقة بالذات التي ما زالت اثار تلك الحرب بادية عليها منذ منتصف السبعينات لان اعادة الاعمار لم تصل اليها، ربما لتظل مسرحاً جاهزاً لأي عرض امني او عسكري. وهو ما حصل منذ شهرين ونيف اذ كانت الارضية جاهزة وكذلك السلاح. والذي تغير هو الوجوه التي تتقاتل وتتصارع.

ففي اليوم الثالث على وقف اطلاق النار قامت «الشرق الاوسط» بجولة ميدانية على خطوط التماس بين المنطقتين لاستطلاع الاوضاع في هذه المناطق التي كانت تضج بالحياة ليلاً نهاراً. بعد عبورنا تقاطع الزاهرية ـ شارع المئتين شمالا عبر الاوتوستراد الرئيسي الذي يشق طرابلس من جنوبها الى شمالها، بدأت تظهر بوادر انحسار الحركة شيئاً فشيئاً حتى استوقفنا حاجز لقوى الامن الداخلي قبل امتار قليلة من مستديرة نهرا ابو علي الذي يشكل الحاجز المائي جنوب منطقة التبانة وتعمل البلدية بالتعاون مع مؤسسات تنموية دولية منذ اشهر على سقفه للاستفادة من المساحة التي ستنتج عن ذلك. وما ان انعطفنا يميناً حتى بدت المظاهر السلبية واضحة فالشارع الذي كان موقفاً لشاحنات النقل الخارجي التي تنقل الخضار والفاكهة من خارج لبنان الى سوق الخضار الرئيسي وسط التبانة لم تكن فيه الا شاحنة يتيمة وبعض المركبات المتوسطة التي كان صاحب احداها يعرض البطيخ للبيع من دون وجود اي عابر سبيل. ومع وصولنا الى تقاطع التبانة ـ الزاهرية وانعطافنا شمالا الى اول شارع سورية طالعتنا صورتان كبيرتان على احد الابنية المدمرة منذ حرب 1975. الاولى للرئيس الراحل رفيق الحريري والثانية لنجله رئيس «تيار المستقبل» النائب سعد الحريري. وبدا الشارع مقفراً وخالياً من اي حركة.

وبالوصول الى جوار مسجد عبد الناصر قبالة بعل الدراويش والمدخل الشمالي لسوق القمح، بدأت تظهر وحدات الجيش اللبناني المنتشرة بكثافة بآلياتها المختلفة، من شاحنات وملالات وسيارات عسكرية صغيرة والمزيد من العناصر الذين توزعوا على مداخل الشوارع الفرعية عن الشارع الرئيسي حيث وضعت عوائق.

شارع سورية الذي يمتد لنحو كيلومترين كان اشبه بمدينة اشباح، اذ اقفلت جميع متاجره باستثناء التي فتحت ابوابها عنوة بعد احراقها. اما حركة السيارات فكانت خجولة ومعظمها كان متوجهاً الى مكان آخر. ولوحظ ان عناصر الجيش وقوى الامن الداخلي كانوا يراقبون كل تحركات الشبان الموجودين قرب المواقع العسكرية، وذلك للتدخل فوراً في حال حصول اي طارئ قد يتسبب بتجدد التوتر.

وعند مستديرة الملولة التي كانت مسرحاً للقنص والتي شهدت سقوط عدد من الذين غامروا بالمرور في تلك النقطة من الاوتوستراد الرئيسي الذي يربط مدينة طرابلس بقضاءي المنية ـ الضنية وعكار، انعطفنا يميناً باتجاه طلعة الشهال التي تعتبر طريقاً موازية للتبانة عند اطراف منطقة جبل محسن وأحد المداخل الاساسية اليها حيث تبدو الحياة، وصولاً الى ثكنة بهجت غانم في القبة، وكأنها في حالة سبات عميق وهي التي كانت شرفات مبانيها مليئة بالمواطنين طوال ساعات النهار. وقد فتحت بعض المتاجر ابوابها وخصوصاً عند المدخل الجنوبي لجبل محسن حيث وضع الجنود اسلاكاً شائكة حول آلياتهم واتخذوا اوضاعاً قتالية استعداداً للتدخل عند الحاجة، لاسيما ان المنطقة مواجهة لمحلة البقار حيث جرت معارك عنيفة واحرقت منازل عدة.

وقال احد سكان المنطقة، احمد عيد لـ«الشرق الاوسط» ان كثيرين غادروا منازلهم تخوفاً لاسيما ان المعارك تركت بصماتها العنيفة على الكثير من المباني والمنازل. ولم يتغير مشهد الخراب قرب ثكنة الجيش في القبة باتجاه المدخل الجنوبي لمخيم البداوي حيث تقع تعاونية «ريفا» التي شهدت بدورها معارك عنيفة. وبدا الخراب واضحاً على واجهات الابنية الحديثة وبعض المنازل المحترقة. وشوهدت شاحنات صغيرة مليئة بالاثاث المنزلي تغادر المنطقة باتجاه مناطق اكثر امناً وخصوصاً ان كثيرين من سكانها هم من قضاءي الضنية وعكار، كما افاد المواطن محمد ضناوي الذي اكد ان حركة النزوح لم تتوقف منذ بدء المعارك. وقد اعرب مواطنون سألتهم «الشرق الاوسط» عن املهم في ان يساعد تشكيل الحكومة في اعادة الوضع الى طبيعته والسماح لهم باستئناف حياتهم بصورة شبه طبيعية على رغم الازمة المعيشية الخانقة.