أكراد إيرانيون في العراق.. سنوات طويلة من التشرد في المخيمات بين الأنبار وأربيل

الرجال يعانون من البطالة والنساء من العنوسة.. ومطالبات بمنحهم حق اللجوء

خاسي عزو نازحة كردية ايرانية في مخيم قوشتبة تقول إنها لم تتلق أية مساعدات من الحكومة الكردية (تصوير: كامران نجم)
TT

على مشارف مدينة اربيل عاصمة اقليم كردستان العراق، وعلى بعد نحو 20 كيلومترا، يقع مخيم «قوشتبة» الذي يأوي اكثر من 250 عائلة كردية هي جزء من 12 الف عائلة نزحت من مدن وقصبات ايران عشية اندلاع الثورة الإيرانية عام 1979 بقيادة آية الله الخميني. استقرت العائلات الكردية الإيرانية في مخيمات قسرية اقامها نظام الرئيس السابق صدام حسين في صحارى محافظة الانبار غربي العراق، لتبدأ مذاك الوقت رحلة عذاباتها الطويلة وصراعها المرير مع الفقر والحرمان حتى من ابسط الحقوق الانسانية والمستلزمات الحياتية لأكثر من ربع قرن من الزمن، قبل ان تعصف بها رياح التشريد مجددا لتعيد قسما منها الى مواطن اجدادها في كردستان ايران ولكن بعد ان فقدت كل شيء بما فيها حقوق المواطنة وامتلاك الجنسية، فيما هاجر قسم آخر منها الى البلدان الغربية بحثا عن موطن جديد وقليل من المعاملة الانسانية بينما فضل اكثر من نصف ذلك العدد العودة الى كردستان العراق والعيش في كنف حكومة كردستان العراق علها تجد عندها جزءا ولو يسيرا من حقوق المواطنة التي حرم منها ابناؤها، اضافة الى البقاء قريبا من الوطن الأم عسى ان تسمح الاقدار لها بالعودة الى ديار الاهل.

ولكن يبدو ان الرياح جاءت بما لا تشتهي سفينة هؤلاء الذين رحل الكثير من آبائهم وامهاتهم واخوانهم ودفنوا في ديار الغربة قبل ان تكتحل أعينهم ثانية برؤية مواطنهم التي طردوا منها اثر الفتوى التي احلت الدماء الكردية والتي اصدرها الخميني غداة انتصار الثورة، داعيا فيها الجيش الايراني الى مهاجمة مناطق ومدن كردستان التي كانت قد تحررت على يد مقاتلي الاحزاب الكردية المعارضة بعد سقوط نظام الشاه، ما أسفر عن تشريد عشرات الآلاف من المواطنين الكرد غالبيتهم العظمى من سكان القرى والقصبات التابعة لمحافظة كرماشان عاصمة الاقليم الكردي في ايران. وبعد زوال النظام السابق في العراق عادت المئات من تلك الاسر المشردة الى اقليم كردستان واستقر قسم منها في مخيم باريكة على مشارف مدينة السليمانية والقسم الآخر في مجمع مماثل ببلدة كلار وعشرات العوائل في مجمع ببلدة خانقين قرب الحدود مع ايران، فيما سكنت الغالبية منها في مجمع «قوشتبة» القريب من اربيل في ظل ظروف معيشية اقل ما يمكن ان يقال عنها انها مأساوية .

وفي هذا المجمع البائس الذي زارته «الشرق الاوسط» تختلط قصص الفقر والتشرد بآهات وحسرات الحرمان ويمتزج آنين واوجاع المرض بصرخات الاطفال، لتشكل، مع مظاهر ومشاهد التخلف والكبت والعوز والضياع، لوحة مؤلمة. حسن بالاني، 42 عاما، من اهالي مدينة كرماشان يقول ان اسرته نزحت الى العراق قبل نحو ثلاثين عاما، واستقرت للوهلة الاولى على مشارف مدينة السليمانية حتى عام 1982 قبل ان ترحلها سلطات نظام صدام نحو المخيمات الصحراوية بمحافظة الانبار حيث امضت 27 عاما في مخيم طاش المأساوي، واضاف بالاني في حديثه لـ«الشرق الاوسط» ان له اربعة اولاد لا يملك اي منهم لا الجنسية العراقية ولا الايرانية، ولا تستطيع اسرته العودة الى موطنها الاصلي في كرماشان لأن السلطات هناك صادرت كل ممتلكاتها المنقولة وغير المنقولة علاوة على رفضها منح اطفاله الجنسية الايرانية، ما يعني حرمانهم من كل حقوق المواطنة. وتابع بالاني ان الاوضاع المعيشية للغالبية العظمى من العوائل في ذلك المجمع تكاد تكون متشابهة ان لم تكن متطابقة من حيث الفقر والعوز والبطالة والحرمان باستثناء بعض العوائل التي تكابد معاناة مضاعفة بسبب مرضاها او معاقيها.

ويشكو سكان هذا المجمع من إهمال حكومة الاقليم لأوضاعهم وعدم تجاوبها مع مطالبهم التي لا تتعدى نطاق الخدمات الانسانية، كالمدارس والمستشفيات والمعونات المالية المتواضعة وإلغاء الحظر المفروض على سياراتهم الممنوعة من دخول مدينة اربيل لكونها تحمل لوحات ارقام المحافظات الوسطى والجنوبية من العراق.

أما علي رحيم، 51 عاما، من اهالي بلدة سربيل زهاب والمصاب بشلل تام في جميع اطرافه منذ عام 2004 جراء انفجار عبوة ناسفة استهدفت السيارة التي كانت تقله مع ركاب آخرين في الرمادي غربي العراق فيناشد حكومة اقليم كردستان والمنظمات الخيرية مد يد المساعدة إليه ونقله الى الخارج لتلقي العلاج كي يستطيع إعالة اسرته المؤلفة من ثلاثة اطفال مع زوجته. وتشكو غالبية نساء المجمع من بطالة ازواجهن وابنائهن رغم حصول بعضهم على شهادات جامعية، فيما تعاني الفتيات من الضياع والعنوسة بسبب عزوف الشباب عن الزواج جراء الفقر المدقع. وتقول خاسي عزو عبد الرحمن، 52 عاما، من سكان بلدة سربيل زهاب ايضا، ان زوجها توفي منذ سنوات ودفن في الرمادي وهي تسكن الان مع ابنائها الصغار في مجمع مماثل ببلدة كلار التي تبعد عن اربيل نحو 250 كيلومترا، فيما يسكن ابنها البكر المتخرج من معهد طبي ببغداد مع زوجته العليلة في مجمع «قوشتبة»، وتضطر بين فترة واخرى الى قطع تلك المسافة الطويلة لزيارة ابنها واحفادها الثلاثة لا سيما عندما تغادر كنتها الى ايران لتلقي جلسات العلاج من ورم في دماغها. وتابعت حديثها لـ«الشرق الاوسط» قائلة: «لم نحصل على اي مساعدات، لا من سلطات الاقليم ولا من اي منظمة خيرية او دولية، وجميع رجالنا يطحنهم الفقر والبطالة واليأس». واردفت خاسي تقول «لقد امضينا اكثر من نصف أعمارنا هنا في العراق ونسينا موطننا الاصلي، بل ان اطفالنا واحفادنا لم يروا لحد الان مواطن اجدادهم وابائهم ولا يعرفون من اين هم منحدرون، فكيف إذن نعيدهم الى المدن التي ولدنا نحن فيها».

اما زهرة عبد الرحمن، 18 عاما، والتي تعرضت لشلل وراثي تام ومفاجئ في أطرافها بسبب تخثر دموي في الدماغ قبل خمس سنوات، وفقا لما هو مدون في التقرير الطبي الذي يكشف حالتها، فقد طالبت الجهات المعنية في الحكومة العراقية وحكومة اقليم كردستان بالوفاء بوعودها التي قطعتها منذ اربع سنوات بمنحها جواز سفر كي تتمكن من تلقي العلاج في المستشفيات الاوروبية على حساب أسرتها. بينما طالب جلال محمود، 39 عاما، السلطات العراقية بمنح سكان المخيم حق اللجوء في العراق، طبقا لبنود الدستور العراقي الجديد، كي يتمتعوا ببعض حقوق اللاجئ السياسي في العراق، وإلغاء القرار الصادر في زمن النظام السابق والذي يعتبرهم مهاجرين فقط ومجردين من كل الحقوق. باختصار، يمكن وصف الاوضاع البائسة والمعاناة العسيرة التي يكابدها هؤلاء المشردون على ارض وطنهم المجزأ، بانها كارثة انسانية بكل المقاييس، تستدعي التدخل في ظل عدم اهتمام الحكومات الثلاث، العراقية والايرانية وحكومة كردستان، بهذه المأساة الانسانية.