قرصان برامج سوري.. يعيش بقانون أخلاق خاص به

يستولي على البرامج بسبب عقوبات أميركا على بلاده

TT

يقول عبد الرحمن مهني، وهو شاب نحيف وشاحب الوجه وله لحية يميل لونها إلى الحمرة، إنه ربما يكون قد استطاع سرقة برامج تساوي قيمتها ملايين الدولارات. فهو يستطيع الاستيلاء على أصعب برامج الكومبيوتر في العالم. وفي مقابل حفنة قليلة من الدولارات، يستطيع المبرمج السوري فك شفرات أمنية لأي برنامج ترسله إليه عبر البريد الإلكتروني أو أثناء المحادثة المباشرة على الإنترنت. ولكن لا تطلب منه الاستيلاء على حساب البريد الإلكتروني الخاص بفتاتك السابقة أو تطلب منه سرقة بيانات المبيعات من الشركة المنافسة لشركتك. ويصر الشاب السوري الذي يبلغ من العمر 26 عاما على أنه يتمتع بأخلاق القراصنة، فهو مسلم ملتزم يؤدي الصلوات الخمس كل يوم، ويقوم بالسطو على البرامج لأن بلاده تقع فريسة للعقوبات الأميركية، ولأن ليس أمامه خيار آخر. وتدور حياة مهني حول محل للبرامج يديره في شارع بحسا في سوق الكومبيوتر بدمشق. وهناك يجتمع الشباب الذين يدور حديثهم حول البرامج الغامضة والشفرات والأرقام المسلسلة لفتح هذه البرامج. وتدور محادثاتهم بصوت خفيض إذا دخل عليهم أحد الغرباء. ويبدو أنهم يلتفون حول مهني ومجموعة نوابه ـ فهو يشبه روبن هود ورجاله الشرفاء الذين يسرقون المعلومات من الأغنياء ويوزعونها على الفقراء. وقد كلفت القرصنة صناعة البرامج في الولايات المتحدة نحو 48 مليار دولار خلال العام الماضي فقط، بعد أن بلغت خسائرها نحو 40 مليار خلال العام الذي سبقه. ويعتبر العالم العربي الذي تمثل نسبة القرصنة فيه أكثر من 90 في المائة من البرامج، ملجأ للقراصنة من أمثال مهني. ويدفعهم إلى ذلك الربح والرغبة في تحدي أكبر الشركات في مجال صناعة البرامج، مثل: مايكروسوفت وأدوبي وسيمانتيك وسيسكو. لكن هناك بعدا سياسيا آخر في القرصنة التي يقوم بها هؤلاء. ففي سورية، التي تخضع لعقوبات مصرفية صارمة من قبل الولايات المتحدة والتي تجعل من المستحيل إجراء المعاملات على الإنترنت وكذلك بيع البرامج الأميركية، يعتبر القراصنة أنفسهم أبطالا أتقياء. ويقول ريتشارد فورد وهو أستاذ مشارك لعلوم الكومبيوتر في معهد فلوريدا للتقنية في ملبورن: «أستطيع أن أفهم شعور هذا النوع من القراصنة. فهؤلاء يرغبون في الشعور بالحرية والوصول إلى الأدوات الخاصة بالبرامج».

وفي سورية وغيرها من البلاد في منطقة الشرق الأوسط، ينظر إلى السرقة أو استخدام البرامج التي تم السطو عليها على أنها جزء من الصراع ضد القوة الأميركية والسياسة التي تنحاز ضد العرب والإسلام. ويقول سمير حمادة، أستاذ علم المعلومات في جامعة الكويت: «هذه هي الطريقة التي يقاومون بها عدوان الولايات المتحدة. فهم يقولون إن الكثير من الشركات تعطي المال لإسرائيل، ولذلك فمن الأفضل الاستيلاء على البرامج لأن أموالها تذهب لإسرائيل». وعلى الرغم من أن مهني يقول إنه لا يقوم بالاستيلاء على البريد الإلكتروني الخاص بفتاتك السابقة إذا طلبت منه ذلك، فإنه لا يمانع في سرقة البرامج لصالح الغربيين الذي يعيشون في دول تتوافر فيها البرامج المرخصة. وقد اعترف بأنه وافق ذات مرة على السطو على برنامج تصنيع غالي الثمن لصالح أحد مصانع الأحذية الإيطالية في مقابل 10 آلاف دولار في شكل معدات كومبيوتر. وهو يقدم مبررات قليلة لمثل هذه الأعمال غير تلك التي تعتمد على حاجته إلى المال والاستمتاع بالتحدي، فيقول: «تقوم الشركة بتصميم البرنامج على مدى سنتين، وأقوم أنا بالاستيلاء عليه في ثلاثة أشهر». ويقول حمادة إن شركات تصنيع البرامج الأميركية هي التي تتسبب في القرصنة لأن أسعار برامجها مرتفعة الثمن في الشرق الأوسط. وخلافا لذلك، فإن الهند تبيع كتبها الأكاديمية بتخفيضات تصل إلى 80% في الشرق الأوسط، لتتجنب انتهاك حقوق النسخ. لكن خبراء صناعة البرامج يعارضون هذه النظرية. يقول كوري هارتجي، وهو مدير مبادرة مايكروسوفت لمقاومة القرصنة، في إحدى رسائله الإلكترونية: «لم نجد علاقة محددة بين سعر برامج الكومبيوتر ومعدل القرصنة في السوق. فالمقلدون يقومون بتقليد البرامج وبيعها في أي سوق تروج فيها... فخفض الأسعار لا يعني بالضرورة القضاء على القرصنة، وهناك العديد من العوامل الأخرى التي تحكم ذلك».

ويقوم مهني بتوسيع مجال نشاطه، ويفخر بأن أحد إنجازاته الأخيرة كانت قدرته على جعل البرامج المقلدة تحاكي البرامج الأصلية لتكون قابلة للتحديث والدعم، مما يكلف الشركات الأميركية المزيد والمزيد من الأموال. وقد أفاد مهني بأن عملاءه يضمون أميركيين يقومون بتحويل العديد من مئات الدولارات كل مرة لحسابه في مقابل الأعمال التي يقوم بتنفيذها. ويقول: «إننا لا نسرق. إننا نستفيد من ضعفهم».

وعندما سألته عن الوقت الذي يمكن أن يستغرقه الاستيلاء على لعبة الفيديو ذائعة الصيت في الأسواق الآن وهي غراند ثيفت أوتو، قال: «أستطيع أن أفعل ذلك غدا. إنك تطلب شيئا في غاية السهولة».

وعندما سألته كم يتكلف ذلك، رغم أن هذه اللعبة تنتجها شركة «تاك تو إنتر أكتف» للبرامج ومقرها نيويورك، وتباع النسخة منها بحوالي 60 دولارا، قال «بل بدولارين». وأضاف إنه يمكنه فعل ذلك في إحدى الليالي على مقهى في وسط مدينة دمشق. وقد بدأ مهني في تعلم علوم الكومبيوتر في سن الـ14 وأدرك سريعا أن لديه موهبة في فك الشفرات. ولم يكلف نفسه عناء الدراسة الجامعية، وأنهى تعليمه بالحصول على الشهادة الثانوية. لكنه كان يلتهم كتب برمجة الكومبيوتر، كما كان يقوم بأعمال القرصنة حسبما قال. وأساتذته عبارة عن أدلة الاستخدام الخاصة بمطوري حلول مايكروسوفت، حيث كان يقرأها ويحاول معرفة نقاط الضعف الأمنية في برامج مايكروسوفت. وفي هذا يقول: «عليك أن تفهم كيف يقومون بعمل البرامج أولا».

وهو يشير إلى أن هناك العديد من القراصنة الذين يقومون بالاستيلاء على مواقع الإنترنت وسرقة البيانات من شركة وبيعها لشركة أخرى، لكنه يقول إنه لا يمكن أن يفعل ذلك أبدا. وقد أفاد مهني بأنه يتلقى طلبات للحصول على خدماته من جميع أنحاء العالم، ويقول: «إننا نركز على البرامج التجارية». وهو يعني بذلك أنه يقدم خدماته المتمثلة في فك شفرات البرامج التجارية في مقابل الحصول على الأموال الطائلة.

وقد رفض الإفصاح عن حجم المبالغ التي يكسبها، لكنه يقول إنها تكفيه للعيش حياة كريمة. وقد أفاد بأنه يفضل شخصيا استخدام البرامج الأصلية التي يتم تحديها بصورة مناسبة ودعم مباشر. ويقول إنه يستطيع شراء هذه البرامج، لكنه لا يستطيع بسبب العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة على المعاملات المصرفية مع سورية.

* خدمة «لوس أنجليس تايمز» خاص بـ «الشرق الأوسط»