جدل في مصر حول مشروع قانون جديد ينظم البث الإذاعي والتلفزيوني

حقوقيون اعتبروه «اعتداء على الحريات».. وقانونيون قالوا إنه مخالف للدستور

TT

بعد مرور نحو ستة أشهر على إصدار وزراء الإعلام العرب «وثيقة تنظيم البث الفضائي في المنطقة العربية»، تعتزم الحكومة المصرية سن مشروع قانون جديد ينظم البث المسموع والمرئي، يحظر إذاعة مواد تؤثر سلباً على السلام الاجتماعي والوحدة الوطنية والنظام العام والآداب العامة، مما فجر جدلاً سياسياً وحقوقياً وقانونياً وإعلامياً في مصر، واعتبره قانونيون مخالفا للدستور، بينما وصفه حقوقيون بأنه اعتداء على الحريات، ويعكس رغبة في تكميم الأفواه، ومنع الانتقادات، للحكومة، بالنظر إلى تضمينه عبارات (الأمن العام)، و(النظام) و(السلام الاجتماعي)، وهي عبارات قال فقهاء القانون إنها (مطاطة)، وتحتمل العديد من التفسيرات وحمالة للعديد من الأوجه.

من جانبها سارعت الحكومة بنفي الأمر من حيث الشكل، وقالت على لسان وزير الإعلام أنس الفقي «إن ما حدث هو أنه تم تقديم مجرد مقترحات لمجلس الوزراء». موضحاً في تصريحات للتلفزيون المصري أن هناك مقترحات تم تقديمها لمجلس الوزراء، على أن تناقشها وتراجعها اللجنة التشريعية بمجلس الوزراء وتوافق عليها، ثم تقوم بصياغتها في شكل مشروع قانون تقدمه إلى مجلس الدولة ليضع الصياغة النهائية له، ثم يعيده إلى مجلس الوزراء، وحال الموافقة عليه، تقدمه الحكومة إلى البرلمان بغرفتيه (مجلس الشورى ومجلس الشعب)، الذي يتولى مناقشة المشروع وإقراره، وقد يتم إدخال تعديلات عليه في أي مرحلة من المراحل، فيما شدد الوزير على أن الموضوع سيخضع لحوار مجتمعي واسع من كافة الفعاليات المعنية، في إشارة إلى العديد من المراحل التي ينبغي على الاقتراح المرور بها حتى يصبح قانوناً.

من جانبه أكد الدكتور مجدي راضي المتحدث باسم الحكومة المصرية نفس ما قاله الوزير عن أن ما نشر مجرد مقترحات لم تصل بعد إلى مرحلة مشروع قانون.

وكانت جريدة «المصري اليوم» المستقلة قد نشرت قبل عدة أيام ما قالت إنه «مشروع قانون لتنظيم البث المسموع والمرئي»، وأكدت أن الحكومة تعتزم سن هذا القانون، وأوردت الصحيفة مواد وتفاصيل القانون. وينص مشروع القانون ـ وفقاً لـ«المصري اليوم» ـ على أن يدير الجهاز القومي لتنظيم البث المسموع والمرئي مجلس إدارة يرأسه وزير الإعلام ويضم ممثلا للمخابرات العامة وممثلا لوزارة الداخلية إلى جانب ممثلي وزارات أخرى. وتشمل الاختصاصات أيضا وضع قواعد منح تراخيص بفتح مكاتب تمثيل لجهات البث وإعادة البث المسموع والمرئي الأجنبية في مصر وتحديد نطاق مباشرة أعمالها.

ويمنح الجهاز التصاريح في شأن الاستيراد أو الاتجار أو التصنيع أو التجميع أو التعامل على الأجهزة والمعدات التي يتم تحديدها بقرار من مجلس الإدارة، والتي تستخدم في البث المسموع والمرئي وفي استقبال البث المشفر أو غير المشفر.

وتشمل اختصاصات الجهاز مراقبة مختلف وسائل الإعلام الالكترونية، بما فيها شبكة الانترنت.

وأرجع المرصد المدني لحقوق الإنسان، ومركز هشام مبارك للقانون، اتجاه الحكومة لإصدار ذلك القانون إلى الدور الذي لعبه الإعلام غير الحكومي، وخصوصا الفضائيات وناشطي الإنترنت في دعم الحِراك السياسي والاجتماعي الأخير، ووصفت المؤسستان (المرصد المدني لحقوق الإنسان، ومركز هشام مبارك للقانون)، هذا المشروع بأنه «مشبوه وغير دستوري»، وقالتا «إنه يتعارض مع التزامات مصر الدولية ويعيد (محكمة تفتيش) إلى عقول المصريين».

واعتبر المركز المشروع «انتكاسةً خطيرة للديمقراطية.. الأمر الذي يتضح من وجود ممثلين للأجهزة الأمنية بالجهاز المزمع إنشاؤه وفقا لمشروع القانون الذي نشرته جريدة المصري اليوم».

أعرب المرصد المدني لحقوق الإنسان عن قلقه إزاء المشروع، مشيرا إلى احتوائه على عبارات مطاطة من دون تحديد.

وأكد أن قانون البث الفضائي بتلك البنود سيصادر مستوى الحرية المتاح الآن عبر الفضائيات ويحول أجهزة الإعلام ويضعها تحت رقابة جهاز أمن جديد.

وقال حافظ أبو سعدة المحامي، أمين عام المنظمة المصرية لحقوق الإنسان «إن المشروع ينتهك الحريات العامة والدستور، ويستهدف تشديد القبضة الحكومية على الإعلام، فضلا عن أنه يخالف مواثيق حقوق الإنسان العالمية».