لقاءات باريس: اتفاق على تبادل سفارات بين سورية ولبنان.. وزيارة ساركوزي إلى دمشق

دمشق تدعو باريس لدور في مفاوضات مباشرة مع إسرائيل وفرنسا تطلب منها اقناع إيران بتقديم أدلة على نشاطها النووي

ساركوزي مع ميشال سليمان والشيخ حمد بن خليفة آل ثاني وبشار الأسد (أ.ف.ب)
TT

سجلت اللقاءات الرسمية، التي جمعت امس الرئيس السوري بشار الاسد في مستهل زيارة تاريخية له الى باريس مع الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ونظيره اللبناني ميشال سليمان، تطوران بارزان تمثلا بطلب الرئيس السوري من فرنسا المساعدة في مفاوضات سلام مباشرة بين بلاده واسرائيل الى جانب الولايات المتحدة، وتأكيده الرغبة في اقامة علاقات دبلوماسية مع لبنان وهو ما شدد عليه ايضا الرئيس اللبناني، هذا فضلا عن الاعلان عن زيارة يقوم بها الرئيس الفرنسي الى دمشق، مؤكدا بذلك انطلاق عهد جديد في العلاقة بين البلدين.

وأفاد بيان فرنسي ـ سوري مشترك صدر عقب اجتماع الاسد والرئيس الفرنسي، أن ساركوزي رحب بالتصميم الشديد الذي أبداه الرئيس السوري على اقامة علاقات دبلوماسية مع لبنان. وبحسب البيان، اكد الرئيس السوري امام نظيره الفرنسي «عزمه القوي على اقامة علاقات دبلوماسية مع لبنان».

وجاء في البيان ايضا، ان الرئيس الفرنسي سيزور سورية في النصف الاول من سبتمبر وان ساركوزي والأسد اتفقا على خطة عمل لتأمين اعادة العلاقات الثنائية بين سورية وفرنسا وتعزيز الصلات السياسية والاقتصادية والثقافية بين البلدين. كذلك، قوم الرئيسان التقدم في المفاوضات المباشرة بين سورية واسرائيل، مشيرين الى اهمية المسار السوري الاسرائيلي في عملية السلام، كما عبر الاسد عن امله في ان تتمكن فرنسا وواشنطن في المساهمة بشكل كامل في اتفاق مستقبلي للسلام بين بلاده واسرائيل.

في مؤتمر صحافي رباعي مشترك عقده الرؤساء الفرنسي واللبناني والسوري وامير قطر في قصر الاليزيه امس، توجه ساركوزي الى الحضور قائلا «ان قرار دعوة الرئيس الاسد الى فرنسا قرار سياسي وانا واثق من انه سيكون في المستوى المطلوب».

وقال مصدر فرنسي دبلوماسي ان باريس «تنتظر في المستقبل القريب جدا فتح سفارة سورية في بيروت اذا كانت دمشق جادة فعلا في وعدها»، وشدد ساركوزي على الاهمية التي توليها فرنسا «لان تلعب سورية كامل دورها في شؤون المنطقة» معتبرا انه «اساسي». وفسر ساركوزي موقف بلاده من الحوار مع سورية بأنه «صريح وواع وشريف»، معتبرا ان قرار فتح السفارة تاريخي، ومبررا تأخير اعلان موعده لشؤون قانونية يجب ان تحل. ووصف ساركوزي مفاوضات السلام غير المباشرة بأنها بادرة ايجابية، كاشفا ان الاسد طلب منه ان تكون فرنسا طرفا مع اوروبا الى جانب الولايات المتحدة عندما تبدأ المفاوضات المباشرة. وقال ساركوزي ان العلاقات الجديدة مع سورية «بنيوية واستراتيجية»، لكنه ربط سرعة تطورها بالافعال وليس بالتصريحات او النيات.

وجاءت المفاجأة بقوله انه طلب من الاسد المساعدة في اقناع ايران بالتخلي عن برنامجها النووي غير السلمي، وقال انه طلب من الاسد ان يقنع ايران بان تأتي بأدلة تثبت سلمية برنامجها. اما الرئيس الاسد فقد وصف اتفاق الدوحة بأنه مهم جدا، لكنه اعتبر ان ما تحقق لا يكفي، داعيا الى توفير مزيد من الدعم له حتى لا تتكرر الصدامات في لبنان ولا يعود الى الحرب. وشدد على ضرورة عدم التدخل في الشؤون اللبنانية، معتبرا ان تقرير شؤون لبنان «من حق اللبنانيين وحدهم»، واشار الاسد الى ان «لا مانع لسورية في فتح سفارة اذا كان لبنان يرغب في ذلك».

اما بخصوص محادثات السلام فقد قال الاسد انه لمس حماسا من ساركوزي في لعب دور فيها عندما تصل الى المفاوضات المباشرة، غير انه ذكر ان دور اميركا اساسي وان الانتقال الى التفاوض المباشر لن يحل قبل وصول ادارة اميركية جديدة.

وشدد على ان حل الوضع الايراني لا يمكن ان يكون الا سلميا، مذكرا بضرورة الوصول الى شرق اوسط خال من اسلحة الدمار الشامل.

وكان «يوم القمم» في قصر الإليزيه توج باجتماع رباعي مساء ضم في القصر الرئاسي الفرنسي، الى جانب نيكولا ساركوزي، الرئيسين اللبناني والسوري وأمير قطر، راعي اتفاق الدوحة الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني الذي طرح فكرته وأصر عليها الرئيس ساركوزي مستفيدا من وجود رؤساء الدول والحكومات المشاركة في قمة المتوسط. وقد صدر بنتيجة القمة الرباعية بيان مشترك. وكان مسلسل القمم قد بدأ ظهرا بغداء جمع الرئيسين الفرنسي والمصري في أحد الفنادق القريبة من الإليزيه، أتبع بقمة بين ساركوزي وسليمان. وكرت سبحة القمم فكان لقاء الرئيسين اللبناني والفرنسي، ثم اللقاء المنتظر بين ساركوزي والرئيس الأسد، فيما كان الرئيس اللبناني يلتقي امير قطر. وبعد القمة الرباعية، في القصر الرئاسي التقى الرئيسان سليمان والأسد في مقر إقامة الرئيس اللبناني. أما خاتمة القمم فكان لقاء الرئيسين مبارك والأسد على حفل عشاء بدعوة من الرئيس المصري. واليوم تتواصل اللقاءات التي تدور على محورين: الأول يتناول القمة المتوسطية والثاني محوره المثلث الفرنسي ـ اللبناني ـ السوري. وكان يوم أمس لافتا على هذا الصعيد، حيث شهد تتويجا لعملية التطبيع الدائرة بين لبنان وسورية بزيارة الأسد للعاصمة الفرنسية، وهي الأولى التي يقوم بها منذ العام 2001.

وكان الموضوع اللبناني وتطوراته طاغيا على محادثات الرئيس ساركوزي. وقالت مصادر فرنسية واسعة الإطلاع إن ساركوزي «طرح على الأسد المعادلة التالية: تطبيع للعلاقات الدبلوماسية وفتح سفارة في لبنان مقابل زيارة يقوم بها الرئيس الفرنسي الى دمشق.

واستفاد الرئيس اللبناني من أول زيارة له الى قصر الإليزيه ليوجه من باحته وفي حديثه للصحافة مجموعة من الرسائل باتجاه اللبنانيين أولا وباتجاه سورية في المحل الثاني. وأهم ما جاء في كلام سليمان، الذي التقى الرئيس الفرنسي في لقاء مغلق بعد جلسة موسعة ضمت أعضاء الوفد اللبناني (وزير الخارجية فوزي صلوخ والسفير اللبناني بطرس عساكر والمستشارين ونظراءهم الفرنسيين)، تأكيده أن لبنان «مصر على تطبيع علاقاته مع سورية» وعلى إعلان فتح سفارات (في العاصمتين)، لكنه استدرك بقوله إن «العلاقات مع سورية طبيعية وليست تطبيعية». وأكد سليمان أن «الأيام القليلة القادمة» ستشهد «بكل تأكيد» إعلانا في هذا المجال. وفي موضوع العلاقات اللبنانية ـ السورية ولدى سؤاله عما إذا كان مرتاحا اليها، قال سليمان إنه «مرتاح للعلاقات التي ستتم بيننا وبين سورية»، واصفا إياها بأنها «صفحة قديمة جديدة»، مضيفا أن زيارته الى دمشق «واردة دائما» وأن مؤتمر الحوار والمصالحة بين اللبنانيين «سيبدأ في أقرب وقت».

وفيما شكر سليمان الرئيس الفرنسي بحرارة بكل ما فعله من أجل لبنان، و«للجهود المميزة» التي بذلها، عبر سليمان عن «اطمئنانه» لكون لبنان سيحظى برعاية خاصة خلال ترؤس ساركوزي للاتحاد الأوروبي. أما بالنسبة للبنانيين، وهي المرة الأولى التي يخاطبهم فيها من الخارج، فقد قال سليمان إنه «راض عن الحكومة»، واصفا إياها بأنها «تمثل الإرادة الوطنية الجامعة». ونفى سليمان أي «تخوف» من إعداد البيان الوزاري للحكومة الجديدة، داعيا للإسراع في ذلك بالاستناد الى خطاب القسم واتفاق الدوحة وبيان وزراء الخارجية العرب. وفي إشارة ذات معنى ومن غير أن يسأل عن ذلك، دعا سليمان اللبنانيين الى «أن يلتقوا في المصالحة والحوار» بمناسبة تحرير الأسرى اللبنانيين من إسرائيل، معتبرا ذلك «إنجازا وطنيا كبيرا». وأعربت مصادر فرنسية واسعة الاطلاع، تحدثت اليها «الشرق الأوسط»، عن «ارتياحها» للتطور الحاصل في العلاقات الفرنسية السورية، معتبرة أن ثمة فرصة لتوظيفها «لخدمة المصالح اللبنانية والمحافظة على استقلال لبنان وسيادته وتحصين سلمه الأهلي». ورأت هذه المصادر أن الانفتاح على سورية، «إذا سارت على نهج معتدل وصدقت في وعودها بخصوص لبنان ووضع المنطقة الشرق اوسطية، يمكن أن يخدم قضية السلام». وقالت هذه المصادر إن ساركوزي «شجع الاسد على الاستمرار في التفاوض مع إسرائيل وتطويره ليتحول الى مفاوضات مباشرة عارضا خدمات فرنسا والاتحاد الأوروبي. وأشارت هذه المصادر الى أن باريس «جعلت دعوة سورية الى الاعتراف بلبنان عبر فتح سفارة لها وترسيم الحدود وإيجاد مخرج لمزارع شبعا، ثوابت في سياستها إزاء سورية»، مضيفة أن فرنسا «لن تتراجع لحظة عن تمسكها بالسيادة اللبنانية أو بتشكيل المحكمة الدولية وايجاد الحقيقة في عملية اغتيال الحريري وعمليات الاغتيال الأخرى». وأضافت هذه المصادر أن فرنسا واوروبا «ترغبان بدور سياسي في الشرق الأوسط»، وهما تعتبران أن هناك فرصة «لدفع سورية الى معسكر الاعتدال»، ما يعني ابتعادها عن إيران.