المفتي : حزبا طالباني وبارزاني لا يستحوذان على موارد الإقليم.. والبرلمان مستقل في قراراته

رئيس المجلس الوطني في إقليم كردستان لـ «الشرق الأوسط» : أهم إنجازاتنا إقرار قوانين الرئاسة والنفط والإرهاب.. واستثنينا قتلة النساء من العفو

عدنان المفتي (تصوير: كامران نجم)
TT

منذ انتخابه في ربيع عام 1992، استطاع المجلس الوطني الكردستاني (البرلمان)، الذي حل محل ما كان يسمى في عهد النظام العراقي السابق بالمجلس التشريعي لمنطقة كردستان العراق للحكم الذاتي، ان يمارس دورا فاعلا في اجراء تغييرات جذرية ومهمة في المجتمع الكردي، عبر الغاء العديد من القوانين والقرارات السابقة المجحفة بالنسبة للكرد، فضلا عن سن العشرات من التشريعات والقوانين والقرارات التي غيرت مسار الحياة السياسية والاجتماعية والادارية في هذا الاقليم، الذي تمتع بالحكم الذاتي اثر انتفاضة شعبية عارمة في مارس (آذار) في أعقاب الغزو العراقي للكويت مطلع تسعينات القرن الماضي.

وعلى الرغم من سنوات القطيعة الثماني بين الحزبين الحاكمين، الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة الرئيس جلال طالباني والحزب الديمقراطي بزعامة رئيس الاقليم مسعود بارزاني، اثر تداعيات الاقتتال الداخلي الذي اندلع بينهما مطلع عام 1994، وادى الى انشطار اول حكومة كردية منتخبة الى ادارتين، احداهما في اربيل العاصمة وتولاها الحزب الديمقراطي. والاخرى في السليمانية وتولاها الاتحاد الوطني، الا ان البرلمان الذي تولى رئاسته في تلك الاثناء السياسي المخضرم جوهر نامق سالم، العضو السابق في المكتب السياسي للحزب الديمقراطي، ظل متماسكا وواصل جلساته المتقطعة، ولكن بفتور وخمول وبقرارات وتشريعات غير فاعلة، بسبب المناخ السياسي المتوتر الذي ساد الاقليم وقتذاك.

ومع زوال مسببات واجواء الخلاف بين الشريكين الاساسيين في الحكومة والبرلمان وترسيخ دعائم السلام ومد جسور الثقة والتفاهم المشترك بينهما اثر جهود وساطة محلية واقليمية ودولية مكثفة، جرت جولة جديدة من الانتخابات النيابية شارك فيها سكان الاقليم ربيع عام 2005 تمخضت عن تشكيل هيئة جديدة للبرلمان الكردستاني تولى رئاستها في الرابع من يونيو (حزيران) الشخصية السياسية والاجتماعية المعروفة، عدنان رشاد المفتي عضو المكتب السياسي في الاتحاد الوطني الكردستاني، الذي يتمتع بشعبية في عموم اقليم كردستان، وخصوصا في مسقط رأسه اربيل، بسبب تاريخه السياسي ومواقفه الوطنية، علاوة على كونه سليل اسرة دينية ونجل مفت ديني في اربيل.

ومنذ ذلك الوقت غدا البرلمان الكردستاني مرجعا للقرارات السياسية والادارية في القضايا التي تخص الاقليم، وفي غضون اقل من اربع سنوات افلح المجلس في سن سلسلة من التشريعات والقوانين المصيرية واتخاذ طائفة من القرارات المهمة، التي تركت اثرا واضحا وفاعلا وكبيرا في تغيير معالم الحياة السياسية والادارية والاجتماعية في اقليم كردستان.

ولتسليط الاضواء على ابرز انجازات البرلمان، ومعرفة اسباب عدم سنه لحد الان سلسلة اخرى مهمة من القوانين والقرارات التي يحتاج اليها الاقليم، التقينا برئيس المجلس الوطني الكردستاني عدنان رشاد المفتي، الذي استقبل «الشرق الاوسط» بمكتبه الخاص في مبنى البرلمان بأربيل.

> برأيكم ما هي أهم انجازات البرلمان؟ ـ ابرز انجازات البرلمان خلال السنوات الثلاث الماضية يتمثل في سن القوانين التي تلبي مطالب المجتمع الكردستاني، وتسهل اداء السلطة التنفيذية لمهامها، وفي مقدمتها قانون رئاسة الاقليم وقانون الاستثمار وقانون النفط والغاز وقانون مكافحة الارهاب وقانون السلطة القضائية، وهو مهم جدا كونها المرة الاولى التي يتم فيها منح السلطة القضائية استقلالية تامة، سواء في ميزانيتها المالية او اتخاذ قراراتها، وكذلك قانون الرقابة المالية الذي يوحد اجهزة الرقابة المالية في الاقليم، ويربطها برئاسة البرلمان مباشرة بدلا من الحكومة.

> هل البرلمان الكردستاني مؤسسة تشريعية مستقلة، كما في الدول المتحضرة أم هو جهاز يخضع لتأثيرات ونفوذ الحزبين الحاكمين في كردستان؟

ـ أوكد ان البرلمان الكردستاني مؤسسة مستقلة تماما في اداء مهامها واتخاذ قراراتها، واستقلاليتها لا تعني بطبيعة الحال انها تعيش في عالم آخر، ذلك ان التشكيلة التي تكون البرلمان هي نفسها التي تكون الحكومة الائتلافية التي تضم الاحزاب الفائزة في الانتخابات التشريعية، أما قرارات البرلمان فتتخذ كلها بعد مشاورات بين النواب الذين يمثلون كتلا سياسية مختلفة ويعبرون عن آراء فئات من الشعب ويجسدون مواقف احزابهم ايضا، لاسيما في القضايا والمسائل السياسية.

> لماذا لم يشرع البرلمان الكردستاني حتى الان قانونا لتنظيم العمل الحزبي، لاسيما في المجال الذي يخص الموارد المالية للإقليم، التي لاتزال خاضعة لنفوذ الحزبين الحاكمين؟

ـ اولا، الحزبان الرئيسيان لا يستحوذان على الموارد المالية للإقليم، فهما فازا مناصفة في الانتخابات التشريعية التي جرت عام 1992، ولكن احداث الاقتتال الداخلي، الذي اندلع عام 1994 ادت الى انشطار الحكومة الموحدة الى ادارتين كانت كل منهما تسيطر على جزء من الاقليم لسنوات طويلة، ومن هنا برز مفهوم استحواذ الحزبين على الموارد المالية للإقليم كتعبير عن تلك المرحلة المحزنة، وهو بلا شك مفهوم خاطئ الآن، لأن الحكومة عادت موحدة وهي التي تتحكم بالواردات والموازنة المالية في الاقليم، التي فيها حصة طبعا لجميع الاحزاب السياسية في كردستان، كل حسب حجمه، وكانت الاحزاب السياسية قد طالبت البرلمان أخيرا بتشريع قانون يحدد بموجبه الموازنة المالية للقوى والاحزاب السياسية، وبدورنا احلنا الطلب الى الحكومة لتقول فيه كلمتها باعتبارها تمتلك الخبرة في مجال تخصيص الميزانيات المالية للأحزاب وتتوفر لديها التقديرات الدقيقة عن كيفية صرف تلك الاموال.

اما بصدد قانون تنظيم العمل الحزبي فهو صادر منذ التسعينات من القرن الماضي، لكنه يحدد آلية تشكيل الاحزاب وطبيعة نظامها الداخلي فقط، من دون الاشارة الى الميزانية المالية لها، التي طرحت بصددها أخيرا مسودة مشروع من قبل عدد من النواب بغية دراستها من قبل اللجان البرلمانية المختصة، للوصول الى آلية مناسبة تخصص موازنة مالية مناسبة لكل حزب، اما استنادا الى عدد المقاعد البرلمانية او الى عدد الاصوات التي يحصل عليها في الانتخابات، او من خلال تقدير الدور النضالي لكل حزب وحجم تضحياته، ولا شك ان هذه الامور كلها بحاجة الى دراسة وتمحيص، علما بان الاحزاب الكردستانية تتلقى حاليا منحا مالية من الحكومة.

> ما دامت الميزانية المالية للإقليم هي ميزانية الحكومة، كما تقولون اذن ما السبب في عدم الاعلان عن حجم الموارد المالية للإقليم سنويا امام البرلمان وبشفافية كما هو الحال في البلدان المتحضرة؟

ـ يعلم الجميع ان ادارتي حكومة الاقليم توحدتا في مايو (أيار) 2006 اي في منتصف العام تقريبا، حيث كانت الميزانية المالية قد قسمت بين الطرفين وفق الآلية السابقة لذلك استمر الوضع على هذا المنوال في ذاك العام ايضا، اما في 2007 فقد توحدت الموازنة المالية للحكومة وعرضت على البرلمان وجرت مناقشتها باسهاب ودقة، وعلى اثر ذلك صدر قانون الموازنة المالية للأقليم، وفي العام الحالي كانت المسألة اكثر شفافية، اضافة الى ان النواب ازدادوا خبرة في هذا المجال، وفي ضوء ذلك تم تغيير العديد من فقرات خطة الموازنة المالية واضيف اليها اخرى مثل الفقرة الخاصة بميزانية السلطة القضائية التي اصبحت ميزانية مستقلة في هذا العام، هذا الى جانب الفقرة المتعلقة بزيادة رواتب الموظفين في الاقليم التي عمدت الحكومة الى تنفيذها في العام الحالي، اسوة باقرانهم في المناطق الاخرى من العراق، كما اصدر البرلمان قرارا بات جزء مهما من قانون الموازنة المالية للحكومة، ألا وهو قرار منح المواطنين في الاقليم سلفا مالية لبناء او ترميم مساكنهم الخاصة، اضف الى ذلك ان البرلمان طالب وزارة المالية بتقديم تقرير نصف سنوي عن الاداء المالي للحكومة وسيناقش التقرير الاول مطلع سبتمبر (ايلول) القادم مع بدء جلسات البرلمان، اذن الشفافية موجودة لكننا بحاجة الى المزيد منها وقطعا فان من يتابع جلسات البرلمان، التي تذاع حية عبر التلفاز ستتغير نظرته بلا شك عن اداء المجلس بدليل ان العشرات من المثقفين والسياسيين كتبوا آراءهم ونشروا مقالاتهم في الصحف المحلية عن التحسن الذي طرأ على اداء البرلمان.

> ألا تعتقد ان البرلمان متقاعس حيال قضايا المرأة في كردستان حيث لا قوانين تضمن حقوقها؟

ـ انا ارى عكس ذلك فالبرلمان اهتم بقضايا وحقوق المرأة الكردستانية بما ينسجم ومسؤولياتها ومهامها واحيانا اكثر من ذلك، والدليل على ذلك هو الكتلة البرلمانية النسوية التي تضم 29 عضوا من اصل 111 عضوا، والمشاركة الفاعلة للنسوة في مهام اللجان البرلمانية، وخصوصا في اللجنة المكلفة بالدفاع عن حقوق المرأة في كردستان، التي قدمت بدورها العديد من المشاريع التي استأثرت بقسط كبير من مناقشات البرلمان وجلساته، وصدرت في ضوئها سلسلة قرارات جيدة ومهمة عززت موقع المرأة في المجتمع ورفعت الكثير من الغبن عنها ومنعت العديد من الممارسات المشينة ضدها، في مقدمتها جرائم القتل بذريعة الدفاع عن الشرف وغسل العار، واعتبارها جرائم قتل متعمدة بخلاف القانون الذي كان قد صدر في عهد النظام السابق، والذي كان يفرض اقل عقوبة ممكنة على مرتكبي جرائم القتل بذريعة غسل العار، وقد الغى البرلمان العمل بذاك القرار في الاقليم تماما، بل واستثنى في تشريعه لقانون العفو العام عن السجناء مرتكبي جرائم القتل ضد النساء بحجة الدفاع عن الشرف اسوة بمرتكبي الجرائم الارهابية وجرائم القتل اثناء السطو المسلح او السرقات، واود الاشارة الى ان هناك مشروع قانون يخص الاحوال الشخصية للمرأة قدمه عدد من النواب، واخذ جانبا واسعا من مناقشات واهتمامات البرلمان، ثم احيل الى الحكومة قبل ان يأخذ طريقه الى التنفيذ، وبايجاز يمكن القول بان موقف البرلمان المتصلب في دفاعه عن حقوق المرأة كان في مقدمة الاسباب وعوامل الضغط التي حملت الكثير من الاحزاب السياسية في كردستان على البدء بحملات توعية جماهيرية واسعة عبر اقامة الندوات والمؤتمرات المصغرة لتبصير الناس وتكريس حقوق المرأة في المجتمع وتغير نظرته الدونية لها، لكننا مع ذلك ما زلنا بحاجة الى المزيد من العمل في هذا الاتجاه لاسيما ونحن نعلم بان احد الاسباب الرئيسة لزيادة جرائم ما يسمى بالدفاع عن الشرف هو الانفتاح المفاجئ والسريع للمجتمع الكردستاني على العالم واسلوب تعاطيه مع افرازات وتطورات حياة العولمة، الذي لم يكن متناسبا مع المستوى الثقافي لقطاع واسع من ابناء هذا المجتمع.

> ألا تعتقد بان الوقت قد حان لتشريع قانون فصل الدين عن الدولة؟

ـ ليس مطلوبا فصل الدين عن الدولة بما تعنيه كلمة الفصل من معنى، فالدين موجود منذ القدم لغرض عبادة الخالق وتحقيق العدالة والتسامح، وفي اعتقادي ان استخدام الدين كغطاء سياسي لأدارة امور الدولة امر خاطئ، لأن الدين لله وحده مثلما ان وجوده ضروري لبني البشر على صعيد تحقيق الوئام بينهم ورفع الظلم وتكريس العدالة الاجتماعية، اما فصل الدين عن الدولة فينبغي ان يتم فقط في اتجاه منع استخدامه لأغراض سياسية بحتة بعيدا عن مفاهيم العدالة والمساواة في المجتمع، اي ان يجرى الفصل بينهما بهذا المعنى وحسب، كي يبقى الدين كما كان منذ فجر الخليقة عاملا قويا للانسجام الاجتماعي بين الناس، واعتقد جازما بان الدين يواكب التقدم العلمي الحاصل في العالم اذا احسن الاخرون فهم احكامه بصورة صحيحة بعيدا عن استغلالها لأغراض سياسية.

> ما موقف البرلمان الكردستاني من مقترحات المبعوث الدولي استيفان ديمستورا للمرحلة الثانية؟

ـ البرلمان الكردستاني درس مقترحات المرحلة الاولى من تقرير ديمستورا وقرر عدم اتخاذ موقف نهائي بشأنها لحين تلقي مقترحاته للمراحل الثلاث كاملة، حيث ستعقد جلسة برلمانية خاصة لدراسة المقترحات معا.