خلفية اجتماعية تربط منفذي هجوم القنصلية الأميركية باسطنبول

من أسر فقيرة نشأوا في ضاحية عشوائية تبعد 40 دقيقة بالسيارة عن قلب العاصمة

ضابط شرطة تركي، يحمل صورة زميله اوندر سكاملغولو الذي قتل في هجوم خارج مقر القنصلية الأميركية في اسطنبول، الاربعاء الماضي (رويترز)
TT

داخل ضاحية «كوسوكسكميس» الواقعة على أقصى أطراف العاصمة التركية اسطنبول، كان يعيش ثلاثة من منفذي الهجوم الذي تعرضت له القنصلية الأميركية يوم الأربعاء الماضي. كان الشباب الثلاثة يعيشون على بعد خطوات من بعضهم بعضا داخل منازل متداعية للسقوط تم بناؤها بصورة غير قانونية. وعمل اثنان من المهاجمين الثلاثة في مصنع للمنسوجات يعمل فيه الشباب الذين تسربوا من التعليم في محاولة لإعالة أسر ضخمة هاجرت إلى المدنية من الريف. ورغم أن عمل هؤلاء الشباب يوفر لهم دفعة اقتصادية على المدى القصير، فإنه يتركهم في نهاية الأمر بلا تعليم أو إمكانات لمستقبل أفضل. وتعد الضاحية التي نشأ فيها منفذو الهجوم بمثابة عالم منفصل تماماً عن اسطنبول بمقاهيها ومآذنها ومزاراتها السياحية، رغم أنها لا تبعد سوى 40 دقيقة بالسيارة عن قلب العاصمة. يُذكر أن عشرات الآلاف من المهاجرين الاقتصاديين من أكثر المناطق التركية فقراً بحثاً عن حياة أفضل. وغالباً ما انتهى بهم الحال في مواجهة مصاعب جمة. من ناحيتهم، أكد أقارب وجيران المهاجمين أنهم لا يفهمون حتى الآن السبب وراء إقدامهم على شن هذا الهجوم. إلا أن الخلفية الاجتماعية الخاصة بهؤلاء الشبان حسبما وردت في البيانات الرسمية تبدو شديدة الشبه بتلك الخاصة بالشباب الذين سبق أن تورطوا في هجمات بإيعاز من تنظيم «القاعدة» داخل تركيا، حيث لم يحظ معظمهم بقسط وافر من التعليم وينتمون لأسر فقيرة، ولم يُعرف عنهم التدين سوى بعد اتصالهم بـ«أخ أكبر» ذي شخصية كاريزمية. وكشفت الشرطة أن أحدهم، وهو بولنت سينار، 23 عاماً، كان فيما مضى راعيَّ غنمٍ، ولم يتلق سوى قدر يسير للغاية من التعليم. وتشير الرواية الرسمية للحادث، والتي يؤكدها شهود العيان وكاميرات المراقبة، إلى أنه صباح الأربعاء قفز الشباب الثلاثة من سيارة وأمطروا رجال الشرطة التركية المكلفين حراسة مبنى القنصلية الأميركية الأشبه بالحصن بوابل من الطلقات. وأسفر الهجوم عن مقتل ثلاثة ضباط شرطة، وسرعان ما تم قتل المهاجمين الثلاثة أيضاً. وأعلنت السلطات التركية أنه بحلول مساء الجمعة، كان تم القبض على 10 أشخاص. ومن المحتمل إلقاء القبض على المزيد من المشتبه فيهم. وبين المقبوض عليهم السائق المزعوم للسيارة التي استقلها المهاجمون، والذي أخبر الشرطة أنه مجرد سائق تم استئجاره لقيادة السيارة، وأنه لم يكن على علم بمخطط المهاجمين حتى بدأ إطلاق النار فجأة، مما دفعه للفرار بالسيارة. ويتمثل مشتبه فيه آخر في رجل ألقت الشرطة القبض عليه جنوب شرقي تركيا. وتقول السلطات إنه كان على اتصال مستمر بالمهاجمين عبر الهاتف الجوال حتى وقت قصير قبل تنفيذ الهجوم. وأشارت صحيفتا «حرييت» و«ميلييت» إلى أن المحتجزين يتضمنون أعضاء مجموعة أخرى كانت تخطط لشن هجوم منفصل خلال الأيام القادمة. ومن المعتقد أن أحد المهاجمين الثلاثة، وهو «أركان كارجين»، سافر لأفغانستان لتلقي التدريب هناك. وبين الدوافع المحتملة التي تناولتها الصحافة التركية مقتل أحد المتدربين من زملاء «كارجين» في غارة جوية لقوات التحالف داخل أفغانستان. كما تدرس السلطات ما إذا كانت هناك صلات بين الهجوم وغارة تم شنها في يناير (كانون الثاني) بالقرب من مدينة جازينتب بالأناضول واستهدفت جماعة راديكالية مشتبه في وجود صلات بينها وبين «القاعدة» أو تأثرها بأفكار التنظيم. يذكر أن العملية أسفرت عن مقتل خمسة أشخاص. من ناحية أخرى، رأى بعض المحللين أن الهجوم الذي تعرضت له القنصلية، وتمثل في عملية إطلاق نار لم يكن أمامها فرصة كبيرة لاختراق السياج الأمني للقنصلية، يفتقر إلى الطابع المعقد المميز لهجمات «القاعدة». وأعرب المسؤولون الأتراك عن اعتقادهم بأن الصلات بين منفذي الهجوم و«القاعدة» ربما لا تتجاوز التأثر بآيديولوجية التنظيم. يذكر أن السلطات التركية بذلت جهوداً كبيرة لمراقبة الجماعات المسلحة المحلية منذ عام 2003، عندما قام مسلحون على صلة بـ«القاعدة» بقتل ما يزيد على 60 شخصاً في إطار هجوم استهدف القنصلية البريطانية ومصرفاً ومعبدين يهوديين. وأعلن المسؤولون أنهم يدرسون احتمال أن يكون كارجين، 26 عاماً، أكبر منفذي الهجوم، قام بتجنيد الآخرين الأصغر سناً وتولى تنظيم الهجوم، لكن أسرته أعربت عن تشككها في أن يكون هو زعيم المجموعة. وأوضح أحد أقاربه أشار إلى نفسه باعتباره الشقيق الأكبر، لكنه رفض الإفصاح عن اسمه، أنه: «كان غير متزن ذهنياً ـ وكان يتلقى العلاج بإحدى مصحات الصحة الذهنية. لا أعتقد أنه مسؤول عن التخطيط لهذا الأمر». من ناحية أخرى، وصف حاكم اسطنبول، معمر جولر، يوم الجمعة الهجوم ضد القنصلية بأنه «انتحاري»، في إشارة إلى أن منفذيه كانوا على يقين من عدم إمكانية فرارهم بمجرد فتحهم النار على الحراس.

أما ضاحية «كوسوكسكميس»، فتحمل صورة حي يعاني الحرمان والتمييز والإهمال، بينما يقبع شبابها ضحية دائرة مفرغة من العمل المتقطع داخل المصانع. أما أقارب رائيف توبسيل، أحد منفذي الهجوم، والذي كان من المقرر أن يلتحق بالجيش التركي هذا الصيف، فقد وصفوه بأنه كان مهتما بألعاب الكومبيوتر أكثر من الدين، وعمل هو وسينار لبعض الوقت في ذات المصنع في ظل ظروف متردية. على الصعيد العام، أدى الهجوم إلى إشعال مشاعر العداء تجاه الولايات المتحدة وظهورها على السطح مجدداً. وحاول أحد ضباط الشرطة الذين تعرضوا للإصابة في الهجوم، وهو عثمان داجلي، إلى الاحتماء داخل القنصلية، لكن أبوابها ظلت موصدة. من جهته، أكد السفير الأميركي لدى تركيا، روس ويلسون، أن مسؤولي الأمن بالقنصلية قدموا العون إلى رجال الشرطة المصابين. إلا أن القنصلية تتعرض لإغلاق أتوماتيكي مع ظهور أول مؤشر على تعرضها لهجوم، ولم يخرج أي من أفراد حرس القنصلية إلى الخارج أثناء تبادل إطلاق النار.

* خدمة «لوس أنجليس تايمز» خاص بـ«الشرق الأوسط»