مجلس الأمن: روسيا والصين تلجآن إلى حق النقض لوقف عقوبات ضد نظام موغابي

واشنطن ولندن تتهمان موسكو بتغيير موقفها.. وزيمبابوي تشكر الدول المعارضة وخصوصا جنوب أفريقيا

سفير زيمبابوي لدى الامم المتحدة يتحدث الى الصحافيين في مقر مجلس الامن (أ.ف.ب)
TT

فشلت بريطانيا والولايات المتحدة باقناع مجلس الامن بفرض عقوبات على نظام رئيس زيمبابوي روبرت موغابي، بعد ان استخدمت روسيا والصين حقهما بالنقض برفض قرارات العقوبات.

وصوتت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا بالموافقة على مشروع القرار الذي صاغته واشنطن وجاء نتيجة اعلان موغابي فوزه بالجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية التي أجريت في 27 يونيو (حزيران) الماضي. اما روسيا والصين فقد صوتتا بالرفض، ويعد تصويتهما السلبي استخداما لـ«الفيتو» الذي يحق لهما. وتلا الفيتو الصيني الروسي المزدوج، وهو امر نادر، تبادل كلامي حاد يعكس الانقسام العميق داخل مجلس الامن حول عدة قضايا، وبينها زيمبابوي. وقال دبلوماسي غربي، طلب عدم الكشف عن هويته، لوكالة الصحافة الفرنسية: «اننا بوضوح في مرحلة لا تشهد تعاونا في المجلس»، علما انه في الاشهر الاخيرة كثرت الخلافات على مسائل مختلفة مثل السودان وكوسوفو وبورما. وصوت تسعة من أعضاء مجلس الأمن الدولي البالغ عددهم 15 عضوا لصالح القرار، من بينهم تلك الدول الثلاثة الدائمة العضوية الى جانب ايطاليا وكرواتيا وبلجيكا وبوركينا فاسو وبنما وكوستاريكا. غير أن خمسة أعضاء صوتوا ضد القرار، وهم روسيا والصين وجنوب افريقيا وليبيا وفيتنام، فيما امتنعت اندونيسيا عن التصويت. وأثار الفيتو الروسي خصوصا استياء بريطانيا التي بذل رئيس وزرائها غوردن براون جهودا كبيرة لاقناع الدول الكبرى بالموافقة على العقوبات، خلال لقائه بهم في قمة الثماني في اليابان مطلع الاسبوع، في حين تقدمت حكومة زيمبابوي بالشكر الى الدول التي اعترضت على القرار، لاسيما رئيس جنوب افريقيا ثابو مبيكي لانه احبط «المؤامرة الغربية».

وحملت الولايات المتحدة على جنوب افريقيا، وانتقد السفير الاميركي زلماي خليلزاد بشدة جوهانسبرغ لعرقلتها تبني العقوبات في مجلس الامن، مذكرا بأن العقوبات الاقتصادية ساعدت شعب جنوب افريقيا على التخلص من التفرقة العنصرية. واتهم خليلزاد ونظيره البريطاني جون سويرز روسيا بتغيير موقفها، مؤكدين انها وافقت على مبدأ فرض عقوبات على زيمبابوي خلال قمة مجموعة الدول الثماني الصناعية الكبرى. واعتبر خليلزاد ان «تبدل الموقف الروسي مفاجئ ومقلق». واضاف السفير الاميركي ان موقف روسيا «يطرح تساؤلات حول صدقيتها بصفتها شريكا في مجموعة الثماني». وقال سويرز من جهته ان «تصرف روسيا لا مبرر له». وكانت قمة الثماني قد أصدرت بيانا موحدا وافقت فيه على الطلب الى الامم المتحدة بفرض عقوبات على نظام موغابي، وبين الدول التي وقعت على البيان روسيا، رغم تصريحات لرئيسها ديمتري ميدفيديف سبقت اصدار البيان أكد فيها معارضة بلاده لهكذا عقوبات.

ورفض السفير الروسي فيتالي تشوركين هذه الادعاءات، معتبرا انها غير صحيحة، ومشددا على ان اعلان مجموعة الثماني لم يذكر صراحة فرض عقوبات على زيمبابوي. أما بريطانيا فقد أعربت عن خيبة املها من الفيتو الذي استخدمته روسيا والصين، وقال مسؤول كبير في مكتب براون لوكالة الصحافة الفرنسية، إن رئيس الوزراء اعرب عن «خيبة امله الشديدة نتيجة الفيتو». وأضاف ان «مجلس الامن فوت فرصة للرد بقوة، انها فرصة خسرها شعب زيمبابوي وشعوب افريقيا».

من جهته، قال وزير الخارجية البريطاني ديفيد ميليباند في بيان: «اشعر بخيبة أمل شديدة لأن مجلس الامن لم يتبن قرارا حازما وواضحا حول زيمبابوي». واضاف ان موقف روسيا «التي تعهدت خلال قمة مجموعة الثماني قبل ايام فقط باتخاذ تدابير تتضمن عقوبات مالية، سيبدو غير مفهوم في نظر الشعب الزيمبابوي». وقال ان شعب زيمبابوي لن يفهم ايضا الفيتو الصيني.

في المقابل، بررت روسيا استعمالها حق النقض بأن القرار كان سيشكل سابقة خطيرة، وقالت وزارة الخارجية الروسية في بيان تعليقا على الامر، ان قرار الامم المتحدة كان سيشكل «سابقة خطيرة تفتح الطريق امام تدخل مجلس الامن الدولي في الشؤون الداخلية للدول في ما يتعلق بالاحداث السياسية... وهذا ما كان سيشكل انتهاكا خطيرا لشرعة الامم المتحدة». أما السفير الروسي لدى الامم المتحدة فيتالي تشوركين فقال ان «محاولات الدول الغربية لفرض عقوبات على زيمبابوي ستعمل على اعادة هيكلة نظام الامم المتحدة بأكمله على نحو خطير».

أما الصين التي قد يتسبب استعمالها حق النقض في توتير علاقاتها مع القوى الغربية قبل اسابيع من استضافة بكين لدورة الالعاب الاولمبية، فقد بررت قرارها بالقول ان «فرض العقوبات على حكومة زيمبابوي سيؤدي الى تعقيد الصراع في الدولة الافريقية المضطربة».

وسارع كبير المتحدثين باسم وزارة الخارجية ليو جيانتشاو بالدفاع عن استخدام الفيتو ووصفه بأنه الشيء الصحيح بالنسبة لزيمبابوي. واوضح ليو في بيان على موقع الوزارة: «وفقا للظروف الراهنة فان تمرير مشروع عقوبات ضد زيمبابوي لن يساعد في تشجيع الفصائل المختلفة هناك على الانخراط في حوار ومفاوضات سياسية وتحقيق نتائج».

وأضاف: «على العكس كان مشروع العقوبات سيزيد من تعقيد الاوضاع في زيمبابوي»، مشيرا الى ان دعوة الصين لاعطاء الاتحاد الافريقي مزيدا من الوقت للوساطة، جرى تجاهلها. واعتبر ان «على المجتمع الدولي ان يوفر مساعدة بناءة لجهود الوساطة التي تقوم بها جنوب افريقيا والاتحاد الافريقي وان يتجنب تبني افعال قد يكون لها أثر سلبي على جو الحوار». اما السفير الصيني لدى الامم المتحدة وانغ جوانغيا، فقال انه ينبغي على المجلس الدولي منح بعض الوقت لاقامة حوار بين موغابي وخصومه السياسيين، وهو موقف الاتحاد الافريقي وتجمع دول الجنوب الافريقي للتنمية. وشكرت حكومة زيمبابوي الدول التي منعت اقرار العقوبات، وقال وزير الاعلام سيخوانييسو ندلوفو لوكالة الصحافة الفرنسية: «نود ان نشكر الدول التي دعمتنا في الامم المتحدة ونؤكد اننا لن نخيب آمالها وسنحل مشاكلنا بانفسنا». واضاف: «نشكر الرئيس ثابو مبيكي الذي اثبت انه قائد بامتياز لانه لم يخضع للضغوط الدولية والمؤامرة الغربية التي تقودها بريطانيا والولايات المتحدة».

واعتبر ندلوفو ان «الفيتو في الامم المتحدة يشكل نصرا دبلوماسيا مهما، لا لزيمبابوي وحدها، بل لافريقيا برمتها، ولمجموعة التنمية في افريقيا الجنوبية والعالم النامي». وأضاف: «ارادت بريطانيا والولايات المتحدة ممارسة العنصرية الدولية تجاهنا في الامم المتحدة.. انه انتصار للامم المتحدة ايضا، لانها لم تسمح للدول الاعضاء ان تسوي حساباتها في مجلس الامن».

واعرب رئيس زيمبابوي عن سعادته لاستخدام الفيتو ضد مشروع القرار على ما قال سفير زيمبابوي في الامم المتحدة بونيفاس شيدياوسيكو لهيئة الاذاعة البريطانية (بي.بي.سي). وقال شيدياوسيكو ان «الرئيس موغابي سعيد لتبلغه ان الامم المتحدة لا تزال منظمة تحافظ على سيادة متساوية لكل عضو، وتطبق عمليات رقابة تحمي الضعفاء من الاقوياء».

وكان شيدياوسيكو، قد قال أمام المجلس قبل التصويت ان بلاده تعاني بالفعل جراء العقوبات التي فرضها عليها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. وأشار إلى إن «تبني هذا القرار سيمثل سابقة خطيرة ولن ينجم عنه سوى تقويض الحوار الراهن بين الأحزاب السياسية، ومن شأنه زيادة تدهور الوضع الاقتصادي والاجتماعي في البلاد، كما سيؤثر على الدول الأخرى في المنطقة».

تجدر الاشارة الى ان الفيتو الصيني ـ الروسي المزدوج الاخير يعود الى يناير (كانون الثاني) 2007 حول مشروع قرار يطلب من بورما وقف القمع والافراج عن المعتقلين السياسيين.

وتتضمن تدابير العقوبات التي لم يتم تبنيها ادانة موغابي بممارسة العنف ضد خصومه وقتل الابرياء. كما تتضمن وضع نهاية لهذا العنف واستئناف انشطة منظمات الاغاثة الدولية التي جمدها موغابي في يونيو (حزيران) الماضي.

وتدعو هذه التدابير أعضاء الامم المتحدة الى منع عمليات البيع المباشر وغير المباشر أو نقل الاسلحة بكافة انواعها والسيارات والمعدات العسكرية وقطع الغيار. وتطالب أعضاء المنظمة الدولية بعدم دخول زيمبابوي او الانتقال عبر أراضيها، وتجميد أصول موغابي و11 آخرين من مسؤولي زيمبابوي. كما تتضمن اتهاما لموغابي بتحميله مسؤولية الأنشطة التي «تقوض الديمقراطية بشكل خطير وتقمع حقوق الانسان ولا تحترم سيادة القانون».