دراجة «فيليبس» المتدنية الكلفة اجتاحت العاصمة الفرنسية وسحرت قلوب الفرنسيين

قيادة الدراجات آخر صيحات الموضة في باريس

TT

بعد عام على دخول الدراجات القوية الرمادية اللون المعروفة باسم «فيليبس» لفرنسا، باتت تستخدم بمختلف أنحاء العاصمة باريس. وتتميز هذه الدراجات بانخفاض أسعار استئجارها، ما دفع العديد من المدن الكبرى، بينها مدن أميركية، لدراسة تنفيذ مشروعات مشابهة. في الوقت الحاضر، يتم استخدام حوالي 20.600 دراجة فيليبس في باريس، علاوة على وجود ما يزيد على 1450 محطة لتأجيرها. وتبلغ المسافة الفاصلة بين كل محطة وأخرى قرابة 300 ياردة فقط، ويفوق عددها محطات قطار الأنفاق بمقدار أربعة أضعاف، رغم تمتع باريس بخدمة متميزة في ما يتعلق بالمترو. وأوضحت سلطات العاصمة أنه خلال العام الأول، شهدت المدينة 27.5 مليون رحلة استخدام لهذه الدراجات قام بها ما يقرب من 2.1 مليون شخص. وبلغ المتوسط اليومي 120000 رحلة يومياً. وحالياً، ظهر موقع على الشبكة يعني بدراجات فيليبس، إلى جانب صيحات معينة مرتبطة بها. على سبيل المثال، ناقش مقال ظهر بأحد المواقع على شبكة الانترنت، السبيل الأمثل لركوب المرأة هذه الدراجات أثناء ارتدائها تنورة. كما ظهر نمط معين من السلوك المرتبط بهذه الدراجات، خاصة في ساعات الذروة في الصباح، حيث أصبح الكثيرون يحرصون على التأكد من سلامة الإطارات ووجود الدراجات في أفضل حالة. من بين قائدي دراجات فيليبس الطبيبة ناتاليا جيسرت (34 عاماً) التي تمكنت من استئجار واحدة من هذه الدراجات مقابل 29 يوروا (46 دولارا) ما يمكنها من ركوب إحدى هذه الدراجات في أي وقت شاءت لمدة ثلاثين دقيقة في المرة الواحدة بدون رسوم إضافية. وتستخدم جيسرت الدراجة فيليبس مرتين أو ثلاث مرات يومياً. وتعلق بقولها: «أنا أعشقها، منها يمكن رؤية باريس وممارسة الرياضة والتمتع بنور الصباح». ومن الممكن أيضاً استئجار الدراجة فيليبس ليوم أو أسبوع مقابل وضع 150 يوروا (حوالي 239 دولارا) من الحساب الائتماني للمستأجر كوديعة يتم الحصول عليها حال عدم إعادته الدراجة. أما رسوم الاستئجار لمدة 30 دقيقة فمن الممكن أن ترتفع بصورة حادة، حيث تصل تكلفة استئجار هذه الدراجات لمدة ساعتين إلى 7 يوروات (11 دولارا تقريباً). لكن معظم الرحلات التي يتم استئجار فيليبس فيها تقل عن 30 دقيقة، نظراً لأن الدراجة من الممكن إعادتها إلى أية محطة. ولا تتوافر إحصاءات حتى الآن حول عدد الرحلات بالسيارة التي يتم تجنبها من خلال الاعتماد على فيليبس، لكن الطبيعة الصديقة للبيئة لهذه الدراجات لاقت رواجاً داخل مدينة تعنى بشكل خاص بالحفاظ على البيئة. وقال بنيامين تومادو (30 عاما) «أملك سيارة ولكني لا أستخدمها، فمن الأفضل دوماً استقلال الدراجة أو قطار الأنفاق». بيد أنه تبقى هناك مشكلات تتعلق بالمرور والسلامة والتعرض للسرقة. وتشير التقديرات إلى أن 3000 دراجة على الأقل تمت سرقتها ـ حوالي 15% من الإجمالي. وقد شوهد بعضها في رومانيا وتم العثور على بعض آخر على متن شاحنات متجهة إلى المغرب. يذكر أن قانون المرور الفرنسي لا يفرض ارتداء الخوذات. وحتى الآن، لقي ثلاثة أشخاص مصرعهم أثناء قيادتهم الدراجة فيليبس جراء اصطدامهم بشاحنات أو حافلات. كان عمدة باريس الاشتراكي برتران ديلانو من اقترح برنامج الاستعانة بدراجات فيليبس. وفازت بعقد البرنامج لمدة عشر سنوات شركة «جيه سيه ديكو»، وهي شركة علاقات عامة وإعلان فرنسية كبرى تتمتع بعلاقات سياسية جيدة. ومن المفترض أن يأتي هذا العقد بنتائج طيبة بالنسبة لباريس، ومن المتوقع في الوقت ذاته أن تعود بأرباح طائلة بمرور الوقت على شركة «ديكو». وبموجب العقد، تعين على «ديكو» بناء 1628 لوحة إعلانية للإيجار، واستثمرت قرابة 142 مليون دولار في بناء نظام تأجير للدراجات، علاوة على ضرورة توفيرها الصيانة وتوفير دراجات محل التي تتعرض للسرقة. أما مدينة باريس فتستفيد من أرباح استخدام الدراجات، علاوة على تحصيلها بعض الرسوم من الشركة. من جانبه، أوضح ريمي فولبان نائب الرئيس التنفيذي لـ«ديكو»، أن الشركة قامت ببناء 1500 لوحة إعلانية سنوياً وتتوقع أن تجني أرباحاً من ورائها تقدر بحوالي 94 مليون دولار سنوياً. ومن المتوقع أن تحصد الشركة أرباحاً هائلة من وراء هذا المشروع، إن لم يكن العام القادم، فسيكون ذلك في العام الثالث من عقد المشروع الذي يغطي 10 أعوام. وأوضحت سيلين ليبولت المسؤولة عن إدارة مشروع دراجات فيليبس، أن مدينة باريس حصلت على 31.5 مليون دولار من المشتركين بالبرنامج ومستخدمي الدراجات، إضافة إلى 5.5 مليون دولار سنوياً، وهو مبلغ ثابت ينص عليه عقد المشروع من أرباح الإعلانات. وصرح فولبان، الذي قامت شركته بتنفيذ برامج مشابهة، وإن كانت أصغر كثيراً، داخل 10 مدن أخرى منها ليون وروين، بأن الشركة أدركت بمرور الوقت وجود العديد من العناصر الاساسية لتحقيق النجاح، على رأسها السماح بالاشتراكات، بحيث يشعر الأفراد بحرية استخدام الدراجات بمجرد دفع مبلغ تغطية مقدم، والتأكد من وجود محطات الدراجات بكل المناطق وضمان سهولة تفهم الأفراد العاديين لطبيعة النظام العام للمشروع. وبالفعل، يتميز هذا النظام بسهولة استخدامه، مع توافر التعليمات والإرشادات بأكثر من لغة وإمكانية الحصول على الدراجات وإعادتها بسرعة. وتتولى إحدى الشركات الفرعية التابعة لـ«ديكو» إصلاح الدراجات، وتصلح يومياً قرابة 1500 دراجة. وتتميز الدراجات بثقلها، وذلك بهدف الحيلولة دون تعرضها للسرقة، خاصة الأجزاء الجوهرية منها، مثل أجهزة الاستشعار الالكترونية المخصصة لقياس فترة الاستئجار. في المتوسط، تبلغ زنة الدراجة 33 رطلا ويجري استخدامها لقطع مسافة تبلغ 124 ميلاً سنوياً، حسبما أوضح فولبان. أما دراجة فيليبس، التي تم تصميمها وتصنيعها خصيصاً من جانب شركة فرنسية في المجر، فيصل وزنها إلى 50 رطلا تقريباً ويتم تصميمها بحيث تتمكن من قطع ما يزيد على 6000 ميل سنوياً. وتبلغ تكلفة الدراجة 3460 دولارا. فيما يتعلق بالسلامة، تؤكد سلطات المدينة ومسؤولو شركة «ديكو»، أن حوادث الدراجات داخل باريس ارتفعت بنسبة 7% فقط منذ مطلع عام 2007، مقابل ارتفاع نسبة استخدام الدراجات بنسبة 24% خلال الفترة ذاتها. من جهته، شدد فولبان على أن الدراجات أصبحت تشكل آخر صيحة. وكلما زادت أعداد الدراجات داخل المدينة، ارتفع مستوى الأمان في استخدامها، وزادت المساحة التي توفرها المدينة لقائدي الدراجات. وفي أعقاب الانتقادات التي تعرضت لها سلطات المدينة وشركة ديكو بعد آخر حادث وفاة وقع لسائق دراجة في 23 يونيو (حزيران)، أعلن الجانبان تنظيمهما حملة دعائية جديدة للتوعية. جدير بالذكر أن قائدي دراجات فيليبس من المفترض أن يتوقفوا عندما تكون إشارات المرور باللون الأحمر وأن يلتزموا بقواعد المرور والابتعاد عن رصيف المشاة، الأمر الذي يتجاهله الكثيرون. في واقع الأمر، يشعر قادة السيارات بالسخط حيال ازدياد أعداد الدراجات، ما أدى إلى تفاقم ازدحام الشوارع، وكذلك جهود عمدة المدينة لتقليص مرور السيارات بالمدينة بنسبة 40% بحلول عام 2020.

* خدمة «نيويورك تايمز»