باكستان تؤكد عدم مطاردة واشنطن لابن لادن على أراضيها

الخوف من الإسلاميين ما زال سائدا في بيشاور على الرغم من اتفاق سلام

TT

أعلن وزير الخارجية الباكستاني شاه محمود قريشي، أنه لا يوجد أفراد عسكريون أميركيون، أو من جنسية أخرى، يتعقبون أثر أسامة بن لادن زعيم تنظيم «القاعدة» داخل الأراضي الباكستانية، ولن يتم السماح لأي قوات أجنبية بذلك. وأكد قريشي، في لقاء أجرته معه وكالة أسوشييتد برس امس: «أن حكومة بلاده الجديدة، استبعدت تماماً إمكانية إجراء مثل هذه العمليات العسكرية، سواء كانت سرية أو معلنة». وقال «تتمثل سياسة حكومتنا في أن جنودنا وقواتنا شبه العسكرية والنظامية، منتشرون بأعداد كافية، وأنها قادرة على العمل هنا، وأن أي تدخل أجنبي سيسفر عن نتائج عكسية. ولن يقبل الشعب به، وستثار قضية السيادة». من ناحية أخرى، تنامت مشاعر خيبة الأمل لدى الولايات المتحدة، مع استمرار الوجود القوي لأعضاء «القاعدة» وطالبان والعناصر المسلحة الأخرى داخل المناطق النائية الباكستانية وفي أفغانستان، ما دفعها لعرض المشاركة بقوات في مهاجمة الشبكات الإرهابية. كما أعرب المسؤولون في واشنطن عن إحباطهم، جراء سعي الحكومة الباكستانية الجديدة، لعقد اتفاقات سلام داخل هذه المناطق. يذكر أنه من المعتقد أن بن لادن يختبئ في مكان ما على امتداد الحدود الأفغانية ـ الباكستانية المفتقرة إلى حكم القانون. وفي الوقت الراهن، تعقد حكومة إسلام أباد المدنية المنتخبة حديثاً، مفاوضات مع زعماء القبائل لضمان التوصل إلى سلام مع المسلحين، على طول الحدود مع أفغانستان، على أمل كبح جماح أعمال العنف. وتعد هذه الخطوة تراجعاً عن السياسات الصارمة التي انتهجتها الحكومة السابقة، بقيادة أنصار الرئيس بيرفيز مشرف. وتصاعد التوتر بين واشنطن وإسلام أباد، في أعقاب إعلان الأخيرة عن مقتل 11 من جنودها، جراء غارة شنتها القوات الأميركية على نقطة حدودية مع أفغانستان في يونيو (حزيران). من ناحيتهم، قال المسؤولون الأميركيون، إن طائرة تابعة لقوات التحالف، أسقطت قنابل في إطار تبادل إطلاق نار مع مجموعة من المسلحين. ورغم التأكيدات الباكستانية بعدم السماح للقوات الأميركية بالعمل داخل أراضيها، أكد القرويون من أبناء المنطقة المعتقد أنها تشكل ملاذاً آمنا لأسامة بن لادن وتنظيمه، مشاهدتهم طائرات أميركية تطلق صواريخ على أهداف عسكرية مشتبه فيها، عدة مرات خلال السنوات الأخيرة. الى ذلك توقعت مصادر باكستانية قيام الولايات المتحدة الأميركية بشنّ هجوم عسكري داخل منطقة القبائل الشمالية الغربية في باكستان، لتعقب مقاتلي تنظيم «القاعدة» وطالبان. وربط المراقبون الباكستانيون بين الزيارة غير المعلنة التي قام بها الجنرال مايك مولن رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة إلى باكستان، وبين الاتهامات الأميركية المستمرة، لعدد من مسؤولي الاستخبارات العسكرية الباكستانية، بأنهم يقدمون الدعم لعناصر تنظيم «القاعدة» وحركة طالبان.

وباكستان حليف وثيق للولايات المتحدة في الحملة العالمية على الارهاب، لكن الولايات المتحدة باتت محبطة بشكل متزايد، ازاء ما تراه جهدا غير كاف من جانب اسلام اباد، لمحاربة المتشددين على الحدود الافغانية. وأكدت متحدثة باسم السفارة الاميركية ان مولن قام اول من أمس، بزيارة استغرقت يوما واحدا الى باكستان، لكنها قالت انه ليس لديها تفاصيل عن اجتماعاته. ولم يتسن الحصول على تعليق من المتحدثين باسم الحكومة والجيش الباكستاني. وذكرت صحف باكستانية أن مولن عبر خلال محادثاته مع قادة الجيش الباكستاني، وقادة الحكومة الجديدة، عن احباطه الشديد من تزايد هجمات المتشددين عبر الحدود، ودعا الى القيام بعمل حاسم لوقفها. وأصبح الحزام القبلي الباكستاني الذي يتمتع بحكم شبه ذاتي وتسكنه قبائل البشتون، ملاذا آمنا لمتشددي طالبان و«القاعدة» الذين يقاتلون الجنود الغربيين في افغانستان وقوات الأمن في باكستان، حيث قتل 15 جنديا امس.

وقالت وزارة الدفاع الاميركية «البنتاغون» الشهر الماضي، ان ملاذات المسلحين في باكستان هي التهديد الأكبر لأمن افغانستان. واستبعدت باكستان السماح بدخول قوات اجنبية الى اراضيها، رغم زيادة طلعات طائرات اميركية بدون طيار وهجماتها على الجانب الباكستاني من الحدود. وسعى وزير الخارجية الباكستاني شاه محمود قريشي خلال محادثات في واشنطن يوم الجمعة، الى ان يؤكد للولايات المتحدة، ان بلاده تفعل ما بوسعها لمحاربة المتشددين على الحدود.

وفي الشهر الماضي، قتل 11 من حرس الحدود الباكستانيين في غارة جوية اميركية، فيما كانت القوات الاميركية تقاتل متشددي طالبان. وقدمت باكستان اول من امس، احتجاجا الى الولايات المتحدة بشأن اطلاق نار من افغانستان يوم الخميس، اسفر عن اصابة ستة جنود باكستانيين. والقت قوة حلف شمال الاطلسي في افغانستان باللائمة في اطلاق النار، على المتشددين قائلة انهم كانوا يحاولون اثارة حادث حدودي. ومما اذكى القلق ما قاله بعض الساسة الاميركيين، ومن بينهم المرشح الرئاسي باراك اوباما، من ان الولايات المتحدة قد تهاجم عناصر تنظيم «القاعدة» داخل باكستان من دون موافقة باكستانية. وتولت حكومة جديدة السلطة بعدما مني حلفاء الرئيس برويز مشرف بهزيمة في انتخابات فبراير (شباط) وتعهدت بالتفاوض لانهاء العنف لكن القادة الاميركيين في افغانستان يقولون، ان جهود سلام من هذا القبيل أدت الى زيادة هجمات المتشددين هناك. ويعارض كثير من الباكستانيين الحملة الاميركية ضد التشدد، ويلقون باللائمة في تأجيج العنف على تعاون مشرف مع الولايات المتحدة. ويقولون ان اي عمل اميركي في باكستان سيفاقم المشكلة فحسب. وذكرت صحيفة «نيوز» ان مولن اصطحب معه مسؤولين من وكالة المخابرات المركزية الاميركية. وكان قادة حلف الاطلسي في افغانستان، قد اعلنوا ان تفويضهم ينتهي عند الحدود، وان قواتهم لن تذهب لما هو ابعد من ذلك، لكن مثل هذه البيانات لم تفعل شيئا يذكر لتهدئة التكهنات بهجوم اميركي في باكستان.

واوضح مسؤول باكستاني كبير رفض الكشف عن هويته، إن الصحف تظل تذكر ذلك، لكن هناك تفاهما بين حكومة باكستان، وحلف شمال الاطلسي، والقوات الاميركية، ولا اعتقد ان الولايات المتحدة ستنتهكه. وما زال الخوف يتملك نفوس التجار في بازار بيشاور المدينة الكبرى في شمال غربي باكستان، بالرغم من هجوم اخير للجيش في ضواحيها، وما تبعه من اتفاق سلام مع مقاتلين اسلاميين، كانوا يعكرون صفو الامن فيها.

ففي محلات الموسيقى والفيديو تخفى المسدسات تحت طاولة التاجر، تحسبا لأي طارئ، كما اقيم المزيد من مراكز المراقبة، التي يتولاها شرطيون مدججون بالسلاح عند مفارق الطرق الرئيسية في هذه المدينة، التي تعد نحو ثلاثة ملايين نسمة وتعج بالسيارات. وقبل اسبوعين غادرتها دبابات الجيش للتقدم باتجاه اقليم خيبر، في المناطق القبلية القريبة، حيث تعتبر واشنطن ان تنظيم «القاعدة» وحركة طالبان الافغانية، اعادا تنظيم صفوفهما بفضل دعم طالبان الباكستانية.