المحكمة الجنائية الدولية: محكمة «الملاذ الأخير».. مستقلة.. دائمة.. و104 دول أعضاء

المدعي العام قام بأكثر من 70 مهمة في 17 دولة للتحقق وراجع 9700 مستندا بشأن دارفور

TT

المحكمة الجنائية الدولية (ICC) هي اول محكمة دائمة ومستقلة لا تتبع لاي دولة، وتعمل في اطار الامم المتحدة، وتعنى بمحاكمة مرتكبي جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية ذات سلطات للتحقيق ومقاضاة الأشخاص المتهمين بالجرائم الدولية الأكثر خطورة، مثل جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب. أُسست بموجب معاهدة «نظام روما الأساسي» الذي صادقت عليه أكثر من 104 دول. وتشكل هذه الدول «جمعية الدول الأطراف في نظام روما الأساسي» وهيئة الإشراف الإداري والتشريعي للمحكمة، وهي اول محكمة دائمة باعتبار ان المحاكمات الاخرى التي جرت في لاهاي كانت مؤقتة ومتخصصة لقضية بعينها، وتنفض بعد انتهائها، مثل محاكم يوغوسلافيا السابقة.

يقول الارجنتيني لويس مورينو اوكمبو المدعي العام للمحكمة في تصريحات لـ«الشرق الاوسط»، حول عمل المحكمة، ان «آي.سي.سي» أُسست بموجب معاهدة متعددة الأطراف. وهي كهيئة قضائية، محكومة بالنظام الأساسي وبالتالي بعيدة عن أي تدخل خارجي أو تأثير. ويضيف «تُرفع القضايا إلى المحكمة بثلاث طُرق: إما باحالة وضع ما من قِبل دولة طرف في نظام روما الأساسي أو باقرار المدعي العام ببدء تحقيقات على مسؤوليته، أو إحالة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لوضع ما الى المحكمة. وفي الحالات التي يحيل فيها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وضع ما إلى المحكمة، كما في حالة التحقيقات حول دارفور، يُجري المدعي العام التحقيقات ويختار القضايا للمقاضاة بطريقة مستقلة تتفق مع النظام الأساسي والقوانين التي تحكم عمل المحكمة.

في مارس (آذار) 2005 كلف مجلس الامن الدولي مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية، بالتحقيق في مذابح دارفور. وهي المرة الاولى التي يحيل فيها مجلس الامن قضية للمدعي العام كما يتيح القانون الاساسي. ويمكن ان تشمل ولاية المحكمة الجنائية الدولية دولة غير موقعة على قانونها الاساسي، كما هو حال السودان، في حال كلفها بذلك مجلس الامن الدولي.

وجاء في قرار المجلس انه «ازاء الخلوص الى ان الوضع في السودان لا يزال يشكل تهديدا للسلم والأمن الدوليين فان مجلس الامن الدولي «يقرر إحالة الوضع في دارفور الى مدعي المحكمة الجنائية الدولية» ويذكر بأنه «على الحكومة السودانية وباقي اطراف النزاع في دارفور ان تتعاون بشكل كامل مع المحكمة والمدعي العام».

وفي فبراير (شباط) 2007 حدد المدعي العام للمحكمة اثنين من المشتبه بهما في جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية وهما وزير الشؤون الانسانية الحالي احمد هارون ورئيس ما يعرف بميليشيا الجنجويد علي كوشيب.

وبناء على الاجراءات المرعية درس القضاة عناصر الاثبات التي قدمها المدعي العام واعتبروا انها كافية واصدروا مذكرتي توقيف دوليتين بحقهما في مايو (أيار) 2005. وكان بامكانهما اصدار مذكرة حث على المثول امام المحكمة. وستطبق هذه الاجراءات ذاتها على طلب اتهام الرئيس السوداني عمر البشير. وكما هو الحال مع المتهمين السودانيين الاخرين فان مثول الرئيس السوداني امام المحكمة يبدو غير وارد. ولا تملك المحكمة اية قوة شرطة خاصة بها وهي ترتهن لارادة الدول في تنفيذ مذكرات التوقيف. ورفض البشير باستمرار مثول هارون وكوشيب امام المحكمة معللا ذلك بالخصوص بانه سيقيم بنفسه محكمة لمحاكمتهما.

وحتى مايو الماضي قام مكتب المدعي العام بأكثر من 70 مهمة في نحو 17 دولة للتحقق من شهادات المئات من الشهود المحتملين وأخذ عدد من الإفادات الرسمية للشهود وتسلم ومراجعة أكثر من 9700 مستند. وتشاور المكتب مع أعداد كبيرة من المنظمات المختصة والأفراد المختصين واحتفظ بعدد من المستشارين المختصين لتكوين معرفة داخل المحكمة في مناطق ذات أهمية خاصة، مثل حوادث العنف الجنسي وتقييم معدلات الوفيات.

ويعتبر اوكامبو «إن الـ«آي.سي.سي» عبارة عن محكمة الملاذ الأخير، «إذ تتعامل فقط مع القضايا التي لا تستطيع أو لا ترغب السلطات الوطنية التحقيق والفصل فيها بصدق». وحول العلاقة مع الحكومة السودانية حتى اعلان اسماء مشتبه بهم في احداث دارفور في مايو من العام الماضي يقول اوكامبو «قدم المكتب التماسات مختلفة إلى الحكومة السودانية طالبًا منها التعاون. ردًا على ذلك، سهلت الحكومة السودانية أربع زيارات للمكتب إلى السودان. وقد ركزت المهمة الأُولى على أنماط التعاون ومناقشة سياسات المكتب وإجراءات المحكمة. وخلال المهمة الثانية إلى الخرطوم في فبراير 2006، اجتمع المكتب مع السلطات القضائية المحلية وسلطات إنفاذ القانون، بمن فيهم القضاة والمدعون وممثلو قوة الشرطة ودوائر حكومية أُخرى. قدم هؤلاء الأشخاص قدرا كبيرا من المعلومات تتعلق بالإجراءات القضائية الوطنية، يمكن أن تساعد في تحديد ما إذا كانت الحكومة السودانية قد تعاملت أو تتعامل مع أنواع القضايا التي من المتوقع أن يختارها المكتب للمقاضاة. وفي مايو 2006، قدمت الحكومة السودانية تقريرًا خطيًا ردًا على الأسئلة التي قدمها المكتب».