«الجنائية الدولية» توجه اتهاماتها للبشير.. والخرطوم ترد: نتأهب للمعركة

مدعي المحكمة: أسلحة البشير.. التجويع.. والتخويف.. والاغتصاب

متظاهرون خارج السفارة السودانية في لندن يرفعون لافتات تندد بما يحدث في دارفور وتؤيد قرار المحكمة الجنائية الدولية (ا.ف.ب)
TT

اتهم ممثل الادعاء في المحكمة الجنائية الدولية أمس الرئيس السوداني، عمر حسن البشير، بتدبير حملة منظمة لارتكاب أعمال قتل جماعي في دارفور أدت الى مقتل 35 ألف شخص واستخدام الاغتصاب كسلاح في الحرب. وطلب المدعي لويس مورينو أوكامبو من المحكمة إصدار أمر اعتقال بحق الرئيس البشير ليكون أول رئيس يصدر بحقه مثل هذا الأمر وهو على رأس السلطة. وقد سبقه رئيس ليبيريا تشارلز تيلور والرئيس اليوغوسلافي سلوبودان ميلوسيفيتش، ولكن بعد انتهاء حكمهما.

وقال مورينو أوكامبو إن 35 ألف شخص قتلوا بشكل مباشر في هجمات شنتها القوات المسلحة السودانية وميليشيا الجنجويد التي تدعمها الخرطوم. وتعرض 2.5 مليون آخرين لحملة «اغتصاب وتجويع وترهيب» في مخيمات اللاجئين. وقال أوكامبو في مؤتمر صحافي «البشير شخصيا هو الذي اتخذ قرار ارتكاب أعمال القتل الجماعي.. إن البشير ينفذ هذا القتل الجماعي من دون غرف للغاز ومن دون رصاص ومن دون مدى. انه قتل جماعي عن طريق الاستنزاف». وأضاف أن «أسلحة البشير هي التجويع.. والتخويف.. والاغتصاب». وقال إن البشير مسؤول باعتباره رئيس البلاد والحاكم الفعلي وله سلطة مطلقة ورئيس الحزب الحاكم وقائد الجيش، وهو في قمة السلطة وأخضع قوات الجنجويد لتعليماته وفي نفس الوقت يستخدمها ليتبرأ من المسؤولية».

وردت الخرطوم بأنها لا تعترف بهذا البيان وتعهدت بمواصلة خطوات السلام في دارفور وقالت إنها ستوفر الحماية لموظفي الأمم المتحدة في السودان. ورفض علي عثمان طه، نائب الرئيس السوداني، «ادعاءات» المدعي العام للمحكمة وقال إنها «باطلة وكاذبة».

وقال طه في مؤتمر صحافي إن «السودان ليس عضوا في المحكمة الجنائية الدولية»، وبالتالي فلا ولاية لها عليه. واعتبر أن «الادعاءات التي ساقها المدعي العام بأن السياسة التي اتخذها الرئيس (البشير) أدت الى نزوح أعداد كبيرة من السكان، باطلة وتكذبها عوامل التاريخ والجغرافيا والحراك الاجتماعي». وأكد نائب الرئيس السوداني أن «الصراعات القبلية في دارفور كانت موجودة قبل تولي نظام البشير السلطة في العام 1989، وان النزاعات الإقليمية، خصوصا الصراع الداخلي في تشاد والنزاع الحدودي الذي نشب بين تشاد وليبيا في الثمانينات أدت الى انتشار واسع للأسلحة وتيسير سبل الحصول عليها في دارفور قبل وصول البشير للسلطة». واعتبر أن «المدعي العام تجاهل هذه الحقائق لتضليل المحكمة والرأي العام الدولي».

وحسب بيان صدر عن مقر المحكمة في لاهاي بهولندا ستنظر الدائرة التمهيدية الأولى في الأدلة التي قدمها الادعاء العام، وإذا رأى القضاة أن هناك مبررات معقولة تدعو الى الاعتقاد بأن الشخص المسمى قد ارتكب الجرائم المزعومة ستقرر ما هي أنجح السبل لامتثاله أمام المحكمة فقد طلب المدعي العام إصدار أمر بإلقاء القبض عليه. وقال المدعي العام انه بعد مرور3 سنوات على طلب مجلس الأمن بالتحقيق في دارفور، واستنادا الى الأدلة المجمعة يرى أن هناك مبررات معقولة للاعتقاد بأن عمر حسن احمد البشير يتحمل المسؤولية الجنائية في ما يخص التهم الموجهة بارتكاب جرائم الإبادة الجماعية وجرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب. وأضاف «تبين الأدلة أن البشير دبر ونفذ خطة لتدمير جزء كبير من مجموعات قبيلة الفور والمساليت والزغاوة، لأسباب إثنية بعد أن احتج بعض أعضاء من المجموعات الثلاث وهم من ذوي النفوذ في دارفور منذ زمان على تهميش الولاية وشرعوا في التمرد.. ولم يتمكن البشير من هزم الحركات المسلحة فصار يهاجم الشعب». ويقول المدعي العام إن «دوافع البشير كانت سياسية في معظمها وهو يتذرع بحجة مكافحة التمرد، أما نيته فهي الإبادة الجماعية»، وردا على سؤال لـ«الشرق الأوسط» خلال المؤتمر الصحافي حول السيناريو المتوقع بعد تقديم الأدلة للقضاة ومدى توقعات المحكمة لرد فعل الاتحاد الأفريقي للأطراف والدول الصديقة للسودان، قال أوكامبو إن «القضاة سيدرسون الأدلة، وبموجب النظام الأساسي، لا يوجه الادعاء اتهامات للأشخاص بل يترك للقضاة الفرصة لتحديد ذلك، ويمكن لهم أن يرفضوا الأدلة أو يطلبوا المزيد أو يقتنعوا بها، وفي حال الموافقة يحتاج الأمر الى مابين شهر أو شهرين في الظروف العادية لاستصدار قرار توقيف، ولكن نظرا لأن القضية صعبة ومعقدة أتوقع أن يستغرق الأمر وقتا أطول من ذلك».

وعن ردود الفعل المتوقعة قال «علينا أولا أن ننظر الى قرار القضاة، وبعدها يكون الأمر متوقفا على مدى التزام السودان بتنفيذ القرار، وإذا رفض يقوم مجلس الأمن باتخاذ الخطوات المطلوبة داخل الأمم المتحدة، وعلى الدول التي وقعت على الاتفاق التأسيسي للمحكمة أن تلتزم بتنفيذ القرارات التي نص عليها النظام التأسيسي، أما الدول التي لم توقع فعليها التعاون مع المحكمة الدولية».

وقال أوكامبو إن مكتبه قام بإجراء تقييم للخطوات والإجراءات القضائية في السودان حول الجرائم التي ارتكبت في دارفور وثبت عدم إجراء أي تحقيق حول هذه الجرائم، وإنما هناك تحقيقات ضد الذين يعترضون على البشير وليس ضد الذين يرتكبون جرائم حرب. وعرض أوكامبو خلال المؤتمر الصحافي خارطة توضح عمليات وهجمات وقعت في دارفور، وقال إن «الهجوم كان عرقيا ولم تهاجم القرى العربية حتى وان كانت قريبة من المدن أو القرى المستهدفة». ولمح الى أن «معظم تلك الهجمات جرت في عامي 2003 و2004 وحتى بداية 2005 وهي الفترة التي كان يتولى فيها احمد هارون (وزير الشؤون الإنسانية الحالي ومطلوب الى المحكمة) مسؤولية الإشراف على شؤون دارفور»، مشيرا الى استمرار الجرائم والانتهاكات في العام الماضي والعام الجاري استخدمت فيها الطائرات العسكرية بالرغم من صدور قرارات دولية تحظر ذلك».

وقال أوكامبو «إن أسلحة البشير كانت التجويع والتخويف والاغتصاب، وهي أكثر الأساليب بشاعة في الإبادة الجماعية.. كما أن المشردين كانوا يموتون في الصحراء بالاستنزاف». ويحكي أوكامبو عن شاهدة عيان قولها «إن جنديا أراد قتلها بالرصاص، وقال له زميله لماذا تخسر الرصاصة، اتركها فهي ستموت في الصحراء». واختتم الادعاء العام بالقول «إن البشير مسؤول لأن له سلطة مطلقة في البلاد، فهو رئيس الدولة ورئيس الحزب الحاكم وقائد الجيش وهو في قمة السلطة وأخضع قوات الجنجويد لتعليماته وفي نفس الوقت يستخدمها ليتبرأ من المسؤولية».