خادم الحرمين: مآسي تاريخ البشر بسبب التطرف الذي ابتلي به أتباع كل دين او عقيدة سياسية

أطلق مؤتمر الحوار العالمي في مدريد وقال إنه يحمل رسالة من الأمة الإسلامية تدعو إلى الحوار البناء

خادم الحرمين الشريفين يصافح الملك الاسباني خلال افتتاح مؤتمر الحوار (أ ب)
TT

أطلق خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، وبحضور العاهل الإسباني خوان كارلوس، أمس المؤتمر العالمي للحوار، الذي تنظمه رابطة العالم الإسلامي على مدى ثلاثة أيام في العاصمة مدريد، وسط حضور أكثر من 300 شخصية عالمية.

وقال خادم الحرمين الشريفين، في كلمته الافتتاحية، إنه يحمل معه رسالة من الأمة الإسلامية ممثلة في علمائها ومفكريها الذين اجتمعوا أخيرا في رحاب بيت الله الحرام، مشيرا إلى أنها «رسالة تعني بأن الإسلام هو دين الاعتدال والوسطية والتسامح ورسالة تدعو إلى الحوار البناء».

وأوضح خادم الحرمين الشريفين أن العالم اليوم يعيش مرحلة اختلاف بين البشرية، داعيا أن هذه الخلافات لا ينبغي أن تؤدي إلى النزاع والصراع الذي يتأجج بسبب التطرف والإرهاب الذي وصفه بـ«البلاء» على الأديان السماوية. ورأى أن البشرية تعاني في الوقت الحاضر من ضياع القيم والتباس المفاهيم، وذلك على الرغم مما تعيشه من تقدم وتطور تقني.

وعزا خادم الحرمين الشريفين فشل معظم الحوارات في الماضي كونها تحولت إلى تراشق يركز على الفوارق ويضخمها، وهذا مجهود عقيم يزيد التوتر ولا يخفف من حدتها، معتبرا أن هذا اللقاء «التاريخي» لكي يحقق النجاح لا بد له من الذهاب إلى القواسم المشتركة.

وفيما يلي نص كلمة خادم الحرمين الشريفين: «بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله القائل في محكم كتابه: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم) والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى كافة الأنبياء والمرسلين.

جلالة الصديق الملك خوان كارلوس ملك إسبانيا: أيها الأصدقاء الكرام: أحييكم وأشكر لكم تلبية دعوتنا هذه للحوار، وأقدر لكم ما تبذلونه من جهد في خدمة الإنسانية، متوجها بالامتنان العميق لصديقنا جلالة الملك خوان كارلوس، ومملكة إسبانيا وشعبها الصديق، على الترحيب بعقد هذا المؤتمر على أرضهم التي حملت ميراثا تاريخيا وحضاريا بين أتباع الديانات، وشهدت تعايشا بين البشر على اختلاف أجناسهم وأديانهم وثقافاتهم، وشاركت مع بقية الحضارات الأخرى في تطور الحياة الإنسانية.

أيها الأصدقاء: جئتكم من مهوى قلوب المسلمين، من بلاد الحرمين الشريفين، حاملا معي رسالة من الأمة الإسلامية، ممثلة في علمائها ومفكريها الذين اجتمعوا مؤخرا في رحاب بيت الله الحرام، رسالة تعلن أن الإسلام هو دين الاعتدال والوسطية والتسامح، رسالة تدعو إلى الحوار البناء بين أتباع الأديان، رسالة تبشر الإنسانية بفتح صفحة جديدة يحل فيها الوئام بإذن الله محل الصراع.

أيها الأصدقاء: إننا جميعا نؤمن برب واحد، بعث الرسل لخير البشرية في الدنيا والآخرة، واقتضت حكمته سبحانه أن يختلف الناس في أديانهم، ولو شاء لجمع البشر على دين واحد، ونحن نجتمع اليوم لنؤكد أن الأديان التي أرادها الله لإسعاد البشر يجب أن تكون وسيلة لسعادتهم.

لذلك علينا أن نعلن للعالم أن الاختلاف لا ينبغي أن يؤدي إلى النزاع والصراع، ونقول إن المآسي التي مرت في تاريخ البشر لم تكن بسبب الأديان، ولكن بسبب التطرف الذي ابتلي به بعض أتباع كل دين سماوي، وكل عقيدة سياسية. إن البشرية اليوم تعاني من ضياع القيم والتباس المفاهيم، وتمر بفترة حرجة تشهد، بالرغم من كل التقدم العلمي، تفشي الجرائم وتنامي الإرهاب وتفكك الأسرة، وانتهاك المخدرات لعقول الشباب، واستغلال الأقوياء للفقراء، والنزعات العنصرية البغيضة، وهذه كلها نتائج للفراغ الروحي الذي يعاني منه الناس بعد أن نسوا الله فأنساهم أنفسهم، ولا مخرج لنا إلا بالالتقاء على كلمة سواء، عبر الحوار بين الأديان والحضارات.

أيها الأصدقاء: لقد فشلت معظم الحوارات في الماضي لأنها تحولت إلى تراشق يركز على الفوارق ويضخمها، وهذا مجهود عقيم يزيد التوترات ولا يخفف من حدتها، أو لأنها حاولت صهر الأديان والمذاهب بحجة التقريب بينها، وهذا بدوره مجهود عقيم، فأصحاب كل دين مقتنعون بعقيدتهم ولا يقبلون عنها بديلا، وإذا كنا نريد لهذا اللقاء التاريخي أن ينجح فلا بد أن نتوجه إلى القواسم المشتركة التي تجمع بيننا، وهي الإيمان العميق بالله والمبادئ النبيلة والأخلاق العالية التي تمثل جوهر الديانات.

أيها الأصدقاء: إن الإنسان قد يكون سبباً في تدمير هذا الكوكب بكل ما فيه، وهو قادر أيضاً على جعله واحة سلام واطمئنان يتعايش فيه أتباع الأديان والمذاهب والفلسفات، ويتعاون الناس فيه مع بعضهم بعضاً باحترام، ويواجهون المشاكل بالحوار لا بالعنف. إن هذا الإنسان قادر بعون الله على أن يهزم الكراهية بالمحبة، والتعصب بالتسامح، وأن يجعل جميع البشر يتمتعون بالكرامة التي هي تكريم من الرب ـ جل شأنه ـ  لبني آدم أجمعين.

أيها الأصدقاء: ليكن حوارنا مناصرة للإيمان في وجه الإلحاد، والفضيلة في مواجهة الرذيلة، والعدالة في مواجهة الظلم، والسلام في مواجهة الصراعات والحروب، والأخوة البشرية في مواجهة العنصرية. هذا وبالله بدأنا، وبه نستعين. ولكم مني خالص التحية والتقدير. شكراً لكم والسلام عليكم».